عرض مشاركة واحدة
قديم 09-15-2010, 02:39 AM
المشاركة 41
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

وإنهلتصوير عجيب صادق لحقيقة هؤلاء العناكب، وحقيقة أوليائهم، الذين يلوذون إليهم، ويحتمون بحماهم في هذا الوجود. الحقيقة التي غفل عنها أكثر الناس، فساء تقديرهم لجميع القيم, وفسد تصورهم لجميع الارتباطات, واختلت في أيديهم جميع الموازين، فما عرفوا إلى أين يتوجهون.. ماذا يأخذون، وماذا يدعون? وعندئذ خدعتهم تلك القوى الظاهرة، التي يتمتع بها أولياؤهم، فداروا حولها, وتهافتوا عليها؛ كما يدور الفراش على المصباح, ويتهافت على النار، ونسَوْا القوة الوحيدة، التي تخلق سائر القوى الصغيرة, وتملكها, وتمنحها, وتوجهها، وتسخرها كما تريد، وحيثما تريد، ونسَوْا أن الالتجاء إلى تلك القوى، سواء كانت في أيدي الأفراد, أو الجماعات, أو الدول؛ كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت.. هذه الحشرة الضعيفة الرخوة الواهنة، التي لا حماية لها من تكوينها الرخو, ولا وقاية لها من بيتها الواهن، على الرَّغم من خيوطه القوية. وليس هنالك من حماية إلا حماية الله, وإلا حماه, وإلا ركنه القوي الركين. فهم من جهة عناكب واهنة، ليس لها من قوة سوى خيوطها القوية، التي تبني منها بيتها الواهن. وهم من جهة أخرى حشرات حقيرة، خدعتها تلك الخيوط القوية البراقة، فوقعت فيها، وكانت سببًا في هلاكها.
أما أولياؤهم فهم بما امتلكوا من قوى أشبه ببيت العنكبوت وخيوطه، التي نسج منها؛ لأنهم رغم كل ما يمتلكون من قوى، لا يستطيعون حماية أنفسهم من الأخطار، التي تحدق بهم، وتهدد أمنهم في كل حين. وإذا كانوا لا يستطيعون حماية أنفسهم، فمن باب أولى ألا يستطيعوا حماية من اتخذهم أولياء من دون الله تعالى. وفي ذلك تأكيد على أن قوة الله وحدها هي القوة، وولاية الله وحدها هي الولاية، وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل; مهما علا واستطال, ومهما تجبر وطغى, ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل.. إنها العنكبوت، وما تملك من القوى، ليست سوى خيوط العنكبوت،﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾.
ومن أراد أن يتأكَّد من هذه الحقيقة، فلينظر إلى أمريكا، وإسرائيل، ومن والاهما. وسيعلم حينذ أن العبرة ليست في قوة خيوط العنكبوت ومتانتها؛ وإنما العبرة في قوة بناء البيت من الناحية المادية والمعنوية: الاجتماعية والأخلاقية، وليتأمل بعد ذلك قول الله تعالى عقب هذا المثل: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾(العنكبوت:43) لعله يعقل المراد من هذه الأمثال، ويدرك ما فيها من أسرار، تخفى على الكفرة الجاهلين، والملاحدة المتكبرين.. اللهم اجعلنا من الذين يعقلون أمثالك، ويفقهون كلامك، ويدركون أسرار بيانك، والحمد لله رب العالمين.


الأستاذ محمد عتوك (أبو هيثم)