عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2012, 03:04 PM
المشاركة 768
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الرواية النسائية العربية.. إشكاليات التمرد والوعي ونظرة الآخر
- إياد نصار -


لم تعد الروائية العربية تنظر للكتابة النسوية على أنها منشور ضد القهر ونوع من التمرد على الثقافة الذكورية وحسب. لقد تجاوزت الرواية النسائية العربية عبء هذه الوظيفة، ولم تعد الكتابة مجرد صرخة احتجاج ضد حرمان المرأة من حقوقها في التعليم أو العمل، أو دعوة للتمرد على القيم البطريركية التقليدية. وكما في الماضي، حين استطاعت الكلمة، الحكاية تحديداً، أن تنقذ المرأة من الموت وأن تخلصها من خوف العبودية والاستغلال مثلما فعلت شهرزاد، فإن الكلمة، الرواية خصوصاً، هي عنوان تحرر المرأة مع بداية العصر الحديث في الأدب العربي، بعد قرون من الارتهان للرجل، باستثناء بعض النماذج المضيئة مثل ولادة بنت المستكفي في الأندلس في القرن الحادي عشر.
ترى د.بثينة شعبان في كتابها مئة عام من الرواية النسائية العربية ، أن المخاوف من اتهام الروائيات العربيات بأنهن يطرحن قضايا ذات طابع سيري أو قضايا شخصية حول الحب والزواج والأطفال والأسرة وهي ليست ضمن اهتمامات الجمهور، دفعت ببعض الروائيات العربيات إلى اختيار بطل ذكر بدلاً من بطلة أنثى لرواياتهن، لكي يضفن على رواياتهن خبرة اجتماعية أعمق وأوسع.
عملياً، لم تكن هناك كتابات نسوية مستمرة قبل القرن الثامن عشر. تقول الأديبة الإنجليزية فرجينيا وولف: إن الجواب كامن في حاضر مقفل عليه في مفكرات قديمة، ومخبأ في خزائن قديمة، نصف محذوف من ذاكرة العصور، حيث لا يمكن رؤية أجيال النساء إلا كأشباح . ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الكاتبات العربيات في القرون الأربعة الأخيرة قبل مطلع عصر النهضة الذي بدأ مع قدوم حملة نابليون على مصر ومشروع التحديث الذي بدأه محمد علي في مصر، وبداية ازدهار الحركة النسوية العربية في ما بعد مع ظهور قاسم أمين وهدى شعراوي.
تعدّ ال
رواية العربية بالمقاييس الفنية المعاصرة حديثة العهد، لم يمض عليها سوى قرن من الزمان، لكن الأبحاث التي تتناول ولادة الرواية العربية الحديثة، تكشف أن المرأة العربية كان لها فضل الريادة وأسهمت قبل الرجل في ظهورها.
تورد المصادر بشكل مؤكد محاولات عدة مكتملة البناء الفني، كان أولها اللبنانية زينب فواز التي نشرت روايتها الأولى حسن العواقب أو غادة الزهراء العام 1899، تلتها اللبنانية لبيبة هاشم التي أصدرت
رواية العام 1904 بعنوان قلب الرجل . وفي العام 1904 نشرت لبيبة ميخائيل صوايا من لبنان رواية حسناء من سالونيك ، وقد نشرتها متسلسلة على حلقات في صحيفة عربية كانت تصدر في نيويورك آنذاك. وكتبت عفيفة كرم رواية حملت عنوان بديعة وفؤاد ، وقد صدرت في نيويورك للمرة الأولى العام 1906، وهي في مجملها قصة حب تجري أحداثها على ظهر سفينة متجهة إلى الولايات المتحدة وتحمل مهاجرين لبنانيين وتطرح مسائل التخوف من الحياة في البلاد الجديدة وموقف المرأة من العصرنة وتحدي الهوية وعلاقة الشرق بالغرب. وكل ذلك حدث قبل أن ينشر محمد حسين هيكل زينب في العام 1914، والتي ساد الاعتقاد فترة من الزمن، أنها أول رواية عربية بالمعنى الفني للكلمة.
وقد اهتم د.جوزيف زيدان، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة أوهايو، بتأليف موسوعة حول مصادر الأدب النسائي في العالم العربي الحديث 1800-1996 . وهي دراسة ببليوغرافية للأدب النسائي في العالم العربي الحديث خلال هذه الفترة، وقد صدرت في العام 1999. ويذكر أن زيدان ركز في السنوات الأخيرة على الأدب العربي النسائي، فوضع كتابه الروائيات العربيات: سنوات التكوين وما بعدها الذي صدر باللغة الإنجليزية في العام 1995.
يورد المؤلف في الموسوعة نبذة أدبية وتاريخية عن ما يزيد على 1270 اسماً لكاتبات عربيات نُشرت أعمالهن خلال هذه الفترة التي تمتد لقرنين، وكأنما يريد أن يدلل بأن هذا العدد الكبير هو الرد على مقولة إن العالم العربي لا ينجب كاتبات أو مبدعات كما ينبغي، خصوصاً أن أغلب هذه الأسماء تنتمي للقرن العشرين.
كانت الأعمال الروائية النسائية الأولى تقوم على استنباط العبرة من خلال توظيف القضايا الاجتماعية والثقافية أو التوجه التعليمي في مخاطبة القارئ. وكانت دعوات تحرير المرأة وتعليمها في محيط ينكر عليها الاعتراف بمساواتها مع الرجل أو يحرمها حتى من أبسط حقوقها، تجد صداها في الروايات، ثم بدأت تدخل مواضيع أخرى تعمّق من التجربة النسائية في الحياة والحب والزواج والعمل، بالإضافة إلى طرح إشكالية دور المرأة ومكانتها وتجربتها في الحياة العامة، ثم المفارقات في صورة المرأة ودورها بين الشرق والغرب مع ما يرتبط بذلك من تحرر وحداثة وسفر واغتراب وخروج عن التقاليد المحافظة من قبل المرأة، ونقد التراث الذي كرس صورة نمطية تقليدية مقموعة للمرأة. ومن روايات الريف إلى روايات المدن بتعقيداتها النفسية والزمانية إلى روايات الاغتراب والسفر والتأمل في تجربة المرأة بين نموذجين وعالمين.
مرت الروايات العربية، خصوصاً النسائية منها، في موجات من التحول نحو تحطيم النماذج النمطية وفي تطوير الأساليب السردية والصور اللغوية الجمالية، ورافقت تحولات البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعبّرت عن القضايا الوطنية ومرت بما مرت به تلك القضايا من ازدهار وانكسار. وإذا كان هناك ثمة تقاطع في صورة المرأة التي تقدمها الروايات، وإذا كان هناك صور للمرأة تسهم في إعادة إنتاج القيم الذكورية وتزيد من تهميش المرأة، فإن ذلك مرده إلى التحولات الحادة التي يمر بها الوعي العربي في مرحلة انتقالية تشهد قيام بنى وقيم جديدة تؤسس لعلاقة أكثر إنسانية، وسط رفض تقليدي لا يعدم الهيمنة وتوظيف مختلف وسائل الخطاب ليمنع ظهور صورة المرأة الجديدة.
وشهدت ال
رواية النسائية العربية تطور تقنيات السرد وأساليبه، وتطوير الجملة القصصية والروائية، والتمايز بينهما، وخلق المشاهد والانطباعات وتقنيات الوصف وربطه بالشخصيات والحالات النفسية المختلفة، والتوغل في توظيف مختلف أنواع الزمن، والانتقال بين صيغه المختلفة، وتوظيف تقنيات علم النفس والتحليل النفسي، وإدخال تقنيات الإعلام المرئي والمسموع المختلفة في بنية الرواية، وغيرها من الأساليب الفنية المختلفة التي انتقلت بالرواية من التقسيم الثلاثي التقليدي من بداية وعقدة ونهاية إلى مستويات متعددة للحدث زمانياً ومكانياً وذات تأزمات مختلفة ونهايات مفتوحة، وخلق أجواء غامضة تناسب انقطاع السرد وحركته باتجاهات مختلفة وبأصوات متعددة للروي.
وقد حدث تحول في نظرة الروائية العربية للرجل. فبعد أن كانت تنظر اليه على أنه العدو في مجتمع ذكوري هو المسيطر فيه، والصور المرادفة لذلك مثل المنافس والمضطهِد، أصبحت تنظر إليه على أنه ضحية مثلها، يطيع بشكل أعمى تقاليد ومتوارثات اجتماعية وقيمية بالية عمرها قرون.
وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى روايات عكست إصرار المرأة العربية عموماً، والروائية العربية خصوصاً، على تحطيم القيود المفروضة عليها وتحرير النظرة تجاهها من عبء التقاليد الاجتماعية والدينية، سواء من خلال مبيعاتها الهائلة في داخل الوطن العربي وخارجه مثل ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، أو من خلال ترجمة هذه الروايات إلى لغات أخرى، ومنها على سبيل المثال الوطن في العينين للروائية الفلسطينية حميدة نعنع، و حكاية زهرة لحنان الشيخ، و ضحك الحجر لهدى بركات.
وترى د.بثينة شعبان أن سحر خليفة أهم روائية في النصف الثاني من القرن العشرين، على مجمل رواياتها ومواقفها الجريئة التي سبقت تلك الروايات ومهدت الطريق أمامها للظهور. لقد حفظت الذاكرة الشعبية أعمالها بكل اهتمام، مثل الصبار ، و لم نعد جواري لكم ، و عباد الشمس ، و مذكرات امرأة غير واقعية ، و باب الساحة ، و الميراث .
تعدّ الكتابة العربية النسائية، وبالذات القصة وال
رواية والسيرة الذاتية الأدبية، تعبيراً عن رغبة المرأة العربية في فتح حوار حول قضايا المرأة في المجتمع العربي ودعوة الآخرين للحوار حولها وعن سعيها للتغيير الاجتماعي وحشد التعاطف أو التفهم له وتبرير أسبابه. كما تهدف إلى مخاطبة الآخر المتمثل في القراء المؤيدين لنضال المرأة في مجتمعاتها، وفي جمهور القراء والنقاد وحلقات الدرس الأكاديمية أو اللقاءات والمؤتمرات وورشات العمل في الدول الأجنبية.
ومن الكتب الجيدة التي تعرّف القارئ الغربي بال
رواية العربية، كتاب الرواية العربية 1834 - 2004 الذي ألفه كاظم جهاد بالفرنسية وصدر عن دار أكت سود ضمن سلسلة سندباد الشهيرة، وقد أراد مؤلفه من خلاله تعريف الجمهور بولادة الرواية العربية وتطورها، ويكاد كتابه يكون من الكتب القليلة في هذا المجال، لأن الكتب الأخرى تقدم الأدب العربي بمجمله وليس الرواية بحد ذاتها، وبذلك يقدم المؤلف نافذة واسعة الرؤية للقارئ الغربي ليطل منها على مراحل نشوء الروايات العربية وتطورها، مع التركيز على الكتاّب واختيار نماذج من أعمالهم لتكون دالّة على جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في تلك الفترة. وقد وصفت الكاتبة الفرنسية مارتين غوزلان في مقالة لها في صحيفة الثقافة الفرنسية، ما جاء في الكتاب بقولها إنه يخبئ كل إشكاليات العالم العربي من أمل وجنس وخوف وسجن وحب ودكتاتورية ودين واضطهاد وبترول. إنه الشرق الباذخ والتراجيدي في آن واحد .
ومن مظاهر الاهتمام الغربي المتزايد بالكتابات النسائية العربية، تخصيص درجات علمية أكاديمية أو على الأقل مواد جامعية متخصصة في دراسة الأدب العربي، ومن ضمنها تندرج عادة دراسة أعمال كاتبات عربيات في القصة وال
رواية. وفي هذا الإطار وضعت أستاذة آداب العالم الثالث في جامعة مانشستر، أناستاسيا فلاسوبولوس، كتابها القيم الذي صدر العام 2007 بعنوان الكاتبات العربيات المعاصرات ، وفيه تناولت أعمال كاتبات عربيات من مصر وفلسطين ولبنان والعراق والجزائر، وناقشت فيه قضايا الحركة النسائية والدراسات الجنسوية وتأثير التاريخ والثقافة الشعبية والترجمة والتحليل النفسي ووسائل الإعلام على الأدب النسائي. وقد تطرقت في كتابها إلى أعمال أهداف سويف ونوال السعداوي وليانا بدر وحنان الشيخ.
كما أصدرت أستاذة الدراسات الشرق أوسطية في جامعة نيويورك منى ميخائيل، كتابها شوهد وسُمع: قرن من النساء العربيات في الأدب والثقافة في العام 2003. وتناولت فيه تساؤلات تدور حول كيف يرى الآخرون النساء العربيات؟ وكيف ترى النساء العربيات أنفسهن؟ وتتناول الدراسة دور المرأة ومكانتها في المجتمع العربي الحديث، بالإضافة إلى تأملات في الثقافة المعاصرة وحول كتابات أبرز الكاتبات العربيات.
ووضعت ليزا مجج، المحاضرة المتخصصة في الأدب العربي في كلية امهيرست بالولايات المتحدة، كتاباً في العام 1992 بعنوان المرأة والدراسات الجنسوية ، درست فيه خبرات وطرق تعبير النساء العربيات من خلال مراجعة كتاباتهن خلال الفترة من 1860 حتى وقتنا الحاضر. وقد ركزت على الطرق التي تعبّر فيها المرأة العربية عن غياب الموضوعية، والأدوار الاجتماعية والأسرية تحت الاختبار والتغيير، وتراث التفاوض، والتجاوب مع الخبرات الأدبية والنسائية.
كما وضعت مجج كتاباً في العام 1992 بعنوان أصوات أنثوية ومفاوضات نسائية: خبرة في تدريس أدب الكاتبات العربيات ، طرحت فيه تساؤلات حول الطريقة المثلى التي يمكن بها تدريس أدب المرأة العربي. وأشارت إلى أن أسئلة تثور عند التفكير في نصوص أية مجموعة من كتابات المرأة التي تنتمي لسياق ثقافي معين أو لتقسيم جغرافي: هل يجب التركيز على السياق الثقافي للأدب؟ أم على قضايا الجندر؟ أم على عناصر الأدب؟ وما تداعيات مثل هذا التقسيم؟ هل هناك مبادئ نسائية عالمية يمكن الاحتكام إليها عند دراسة نصوص المرأة؟
في إحدى النقاشات التي أدارتها مجج، ذكرت إحدى دارسات الأدب النسائي العربي من الأميركيات: كغالبية الغربيين، كانت لدي صورة أحادية للمرأة العربية- شكل مغطى بالسواد، سلبية، غامضة، وفوق ذلك كله صامتة. وكما أظهرت لي القصص والقصائد والمقالات والروايات، فإن العالم العربي ليس غريباً ولا بدائياً أو غامضاً، لكنه تكوين معقد من الحقائق الإنسانية، أحياناً مألوفة وأحياناً غير ذلك. أما بالنسبة للتصور بأنها أمرأة أحادية صامتة داخل عالم أحادي عنيف، فإنني أتعجب الآن إن كان هذا موجوداً في الشرق أم الغرب، وكيف أن المرأة تحولت إلى شكل رسمه الخيال الغربي، وليس موجوداً في أدب المرأة العربية .
ويقدم د.جوزيف زيدان مساقاً في جامعة أوهايو بعنوان الأدب العربي الحديث في الترجمة: الروايات النسائية العربية . يهدف المساق إلى تقديم نظرة شاملة للطالب حول ظهور وتطور القصة وال
رواية التي قدمتها المرأة العربية من خلال الأعمال المترجمة، مع التركيز على مفاهيم ونظريات الاتجاهات النسائية كما يعكسها الأدب من خلال تناول روايات مختارة تعدّ نماذج على هذه المفاهيم. ويتناول في مادته مواضيع البحث عن هوية ذاتية والبحث عن هوية وطنية من خلال تناول روايات أمينة السعيد الجامحة ، ونوال السعداوي مذكرات طبيبة ، ولطيفة الزيات الباب المفتوح ، وليلى بعلبكي أنا أحيا ، وليلى عسيران عصافيرالفجر ، وإميلي نصرالله طيور أيلول ، وحنان الشيخ حكاية زهرة ، وكوليت خوري أيام معه ، وغادة السمان ليلة المليار ، وسحر خليفة أشواك برية .
ومن الكتب المهمة التي صدرت باللغة الإنجليزية حول الروايات النسائية العربية، كتاب صدر في العام 2003 عن مطبعة جامعة تكساس لمؤلفته نوار الحسن غولي يحمل عنوان قراءة السير الذاتية للروائيات العربيات: شهرزاد تحكي قصتها . وفيه تؤكد المؤلفة أن الحركة النسائية في الغرب لم يكن لها تأثير كبير في الحركة النسائية العربية، بل كانت مطلباً داخلياً عربياً وتطورت من داخل المجتمع العربي.
وفي هذا المجال تشير مذكرات جين سعيد المقدسي، شقيقة إدوارد سعيد، التي نُشرت في العام 2005 باللغة الإنجليزية بعنوان جدتي وأمي وأنا ، إلى أنه في حين كان لمدارس الإرساليات المسيحية في الشرق دور تثقيفي وتعليمي في فتح المجال للمرأة العربية لبناء ثقافة عربية غربية عصرية إلى حد ما، والتفكير بكيانها كامرأة وبمشكلات واقعها بطريقة أكثر منهجية فكرياً وأكثر تحرراً اجتماعياً، وجدت على غير ما كانت تتوقع أن مستوى تقبّل أسرتها والمجتمع العربي بشكل عام للأفكار العصرية الغربية كان محدوداً، وهكذا بقيت تأثيراتها مقتصرة على وعيها وحبيسة جدران محيطها الثقافي.