عرض مشاركة واحدة
قديم 03-20-2012, 10:02 AM
المشاركة 313
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار لم ينشر مع د. سهيل إدريس



عن الشعر، والكِتاب، والحبّ، وشراءِ الأقلام

أجراه: الشاذلي زوكار
نشرت الزميلة الصباح التونسية في منتصف آذار 2008 حديثًا أجراه الأستاذ الشاذلي زوكار مع مؤسِّس الآداب وصاحب دار الآداب والروائي والمترجم واللغوي والناشط د. سهيل إدريس (1925 ــ 2008). وكان هذا الحوار قد أجري في 15/5/1993، ولكنّه لم يُنْشر إلاّ بعد وفاته. والآداب تعيد نشر هذا الحديث المهمّ تعميمًا للفائدة.
أنزل المقالة
- د. سهيل إدريس، أنت رائدٌ من روّاد الفكر العربي، ومبدعٌ مميَّزٌ من مبدعيه. ولقد بدأ نجمُكَ يلمع في سماء الأدب الحديث مع ظهور مجلّة الآداب سنة 1953. وتُعتبر هذه المجلّة صورةً صادقةً للتفاعل الفكري العربي، وللقلق المسيطر على مجتمعنا في بداية الخمسينات عندما كان أغلبُ العرب يرزحون تحت نير الاستعمار. وقد أمكن هذه المجلّةَ أن تلعب دورًا خطيرًا في بداية عهدها. فكيف انبثقتْ فكرةُ تأسيس هذه المجلّة؟ وما هي ظروفُ التأسيس التي مررتم بها؟ وهل تعتقدون أنّ دور مجلّة الآداب مازال متواصلاً حتى اليوم؟
+ لا نشكّ في أنّ لكارثة فلسطين عامَ 1948 تأثيرًا بالغًا في إثارة الوعي لدى جميع المثقّفين العرب، ودفْعِهِم إلى أن يضطلعوا بدور مهمّ في الحياة الثقافية لكي يستطيعوا أن يهيّئوا الأجيالَ لمجاوزة هذه الكارثة. والواقع أنّني، بتأثيرٍ من هذا، تخلّيتُ عن جميع أعمالي التي كنتُ أقوم بها في تلك الفترة، ولاسيّما في الصحافة، لأطلبَ تجديدًا لنفسي ومزيدًا من الوعي. ففي سنة 1949، أيْ بعد الكارثة بعام، استقلتُ من الصحف والمجلاّت التي كنتُ أعمل فيها، ومن الإذاعات التي كنتُ أوافيها ببعض إنتاجي، وقرّرتُ أن أسافر إلى باريس لأكتسبَ المزيدَ من المعرفة والعلم وأوظّفَ هذا المزيدَ من أجل القضية الكبرى. وبدأتُ أستعدّ لتهيئة رسالة دكتوراه في الأدب العربي الحديث كان موضوعُها: "الرواية العربية الحديثة والتأثيرات الأجنبية فيها." وكنتُ في باريس أجتمع بعدد من الأجيال العربية الجديدة التي ذهبتْ إلى العاصمة الفرنسية لتنهلَ العلمَ ولكي تؤكِّد ذاتَها ومسؤوليَّتها عن بلادها.
ومن هذا الاحتكاك بتلك العناصر المثقّفة والشابّة، بدأتُ أفكِّر في إصدار مجلّة للعالم العربي، لا للبنان وحده، بحيث نَلمُّ حولها الأقلامَ العربيةَ الواعية، ونباشرُ عمليةَ التغيير المطلوبة لتجاوز النكسة. وقد اتّصلتُ وأنا في باريس بعدد من المثقّفين العرب والكتّاب الذين كانت تربطني بهم صداقةٌ سابقةٌ، وحدّثتُهم عن مشروعي في إصدار مجلّة عربية كبيرة، فشجّعوني.
وفي أوّل سنة 1953 صدر العددُ الأوّلُ من مجلّة الآداب، وهو يضمّ فئةً متميّزةً من المفكّرين العرب ينتمون إلى عدد كبير من الأقطار العربية. ومن العدد الأوّل تنبّه القرّاءُ والمثقّفون إلى عروبة هذه المجلّة التي تستقطب الكتّابَ من كلّ عاصمة عربية. ولن يقتصر الأمرُ على ذلك فقط، بل اتّخذتُ لهذه المجلّة مراسلين في الأقطار العربية ليوافوا القرّاءَ بنتاج كلّ بلد وإبداعاته. ولا بدّ هنا من أن أَذْكر للقرّاء الكرام أنّ الشاذلي زوكار، الذي يُجري الآن هذا الحديث، كان المراسلَ الأوّلَ لمجلّة الآداب في القطر التونسي، وقد وافى المجلّةَ بعددٍ من رسائله المتميّزة قبل أن ينتقل إلى السلك الديبلوماسي، وها هو يعود الآن إلى سلك الصحافة.
لم أكن أملكُ المالَ لإصدار الآداب، فاتّفقتُ مع "دار العلم للملايين" على أن تموِّل المجلّة، وعلى أن أُشرفَ شخصيّاً على تحريرها. ثم انفصلتُ عن دار العلم بعد سنتين أو ثلاث، لأستقلّ بها وأديرَها. وتعرفون أنّها الآن في عامها الحادي والأربعين، وقد كنتُ طوال هذه الأعوام رئيسًا لتحريرها، وربما كانت ظاهرةً فريدةً في المجلات الأدبيّة أن يتولّى تحريرَها بلا انقطاعٍ شخصٌ واحدٌ طوال هذه المدة.
وفي أوّل السنة الماضية [1992] أردتُ أن أبعثَ روحًا جديدةً، دمًا جديدًا، في المجلّة. ولذلك عهدتُ بإدارة تحريرها إلى ابني الدكتور سماح إدريس الذي عاد مؤخّرًا من الولايات المتحدة، وقد حصل على شهادة الدكتوراه، وهو متخصّصٌ في الدراسات النقدية واللغوية، ومتذوّقٌ للأدب ولمختلف ألوان الإبداع. وأعتقد أنّ القرّاء قد لاحظوا التغيّرَ الذي حدث في المجلّة، وهذا أمر طبيعي لأنّ الأجيال تتواصل وينبغي أن لا تتوقّف في أيّ لحظة، وأن لا يكون هناك استئثارٌ من الأب أو من الجدّ، وطغيانٌ على الولد أو الحفيد.
- الآن نتحوّل إلى المجال الروائي والآفاق القصصية، وأنتم تَعْلمون أنّ روايتكم الحيّ اللاتيني كانت أوّلَ روايةٍ في اعتقادي تنشرونها. ومن خلال هذه الروايةَ نَعرف أنّك سجَّلتَ مذكّراتك كطالب عاش في باريس أيّامَ الدراسة. فهل تعتقد، يا دكتور سهيل، أنّ أحداثَ الحيّ اللاتيني ذاتُ صلةٍ بأحداث اليوم؟
+ إنّ الشباب العربي مازالت أمامَه طموحاتٌ من أجل التطوّر والتقدّم، ومازالت أمامَه أسئلةٌ كثيرةٌ تدعوه إلى المقارنة بين واقعه المتهافت وبين حضارة مزدهرة. فكيف له أن يَلْحق، أو أن تَلحق أمّتُه، بهذه الحضارة؟ كيف له أن يؤسِّسَ أو يشاركَ في تأسيس حضارة جديدة تكون تتمّةً للحضارة العربية المشرقة في القرون الوسطى، تلك الحضارة التي التمعتْ في الوقت الذي كانت تنطفئ فيه حضارةُ الغرب؟ كيف لنا أن نبعثَ مثلَ هذه الحضارة وأن نواصلَ مسيرتنا في الحياة العالمية؟
هكذا في الحقيقة استطاع بطلُ رواية الحيّ اللاتيني أن يَطْرح قضايا أعتقد أنّها لاتزال حتى اليوم مطروحةً. فمشكلةُ تصادُمِ الغرب والشرق، ومشكلةُ المثاقفة التي يرفضها دعاةُ التفريق بين حضارتين ومذهبين في الحياة، من المشاكل التي ماتزال مطروحةً، وخصوصًا بعد النكسات الكبيرة التي شهدتْها أمّتُنا العربية. كيف نعي ذاتنا؟ هذه هي القضية التي حملتْها الحيّ اللاتيني، ولو أنّها صيغت في إطارٍ عاطفيّ.
والحقّ أنّ النقّادَ العرب، في ما تناولوه من روايات تَطْرح موضوعَ الشرق والغرب وتصادُمهما، قد وضعوا اليدَ على نقاطٍ كثيرةٍ في روايتي هذه، تجعلها حيّةً. وهي الآن تجاوزتْ طبعاتِها العشرَ، ولاتزال تدرَّس في الجامعة وتُختار للمطالعة. أقول، إذن، إنّ الحيّ اللاتيني قصّةُ فرد، ولكنّها قصّةُ جيلٍ وأجيالٍ.
- بالمناسبة، ذكرتم اسمَ "ربيع" في هذه الرواية، وقيل لي إنّكَ ترمز بهذا الاسم إلى الأديب التونسي محمد فريد غازي. فإذا كان ذلك كذلك، فما هي علاقتُكَ بهذا الأديب؟ وما هي انطباعاتُكَ عنه؟ وكيف كانت علاقتُكَ بالتونسيين آنذاك؟
+ صحيح أنّني أرمز بـ "ربيع" إلى المرحوم محمد فريد غازي الذي كان صديقًا لي، من أولئك الأصدقاء العرب الكثر الذين كنتُ أجتمع وإيّاهم في ساحات الحيّ اللاتيني لنتداول في أمورنا. وكان ربيع كما أعتقد رمزًا للمثقّف التونسي المغربي الجزائري، وقد لفت نظري، وكان شاعرًا. ولكنّه في فترته الأخيرة التي عرفتُه فيها بباريس أصبح زاهدًا في كلِّ شيء. ولا أدري إنْ كان سبب هذا الزهد يعود إلى مرضٍ يعانيه؛ ولكنّني أذكر ذاتَ مرّة، وهو في حالته هذه، أنّه قال لي إنّه بدأ يَكْفر بكلّ الإنتاج. وقال إنّ أحسنَ قصيدةٍ له ستكون يومًا ما ورقةً بيضاءَ، ليست عليها أيّةُ كتابة!
- كانت لكَ علاقاتُ أخرى بعدد كبير من الأدباء التونسيين، أمثال الدكتور فرحات الدشراوي والدكتور مصطفى الفيلالي وغيرهما. وكنتَ تراسلني وتطالبني بأن أتحدّث معهم من أجل المساهمة في مجلّة الآداب. وبهذه المناسبة أردتُ أن أسأل عن مدى المشاركة المغاربية في مجلّة الآداب، ومدى تفاعل المغاربة معها؟
+ مِنَ الذين كنتُ على صلة بهم في باريس أيضًا كاتبٌ تونسيٌّ كبير اسمُه محمود المسعدي. وقد تحدّثتُ مطوّلاً عن روايته السدّ في دراستي عن الرواية العربية الحديثة، وبقيتُ على اتصالٍ به، ولا أزال كلّما جئتُ إلى تونس أسأل عنه وأزوره حين يتاح لي الوقتُ لذلك.
علاقتي بالتوانسة لم تنقطعْ في يوم من الأيّام، وكنتُ دائمًا أراهن على دورهم المتميّز في حياتنا الثقافية. وقد سبق منذ عشرين عامًا على ما أعتقد أن أصدرتِ الآداب عددًا خاصّاً عن الأدب التونسي الحديث، أَشْرف عليه صديقُنا الأستاذ محمد العروسي المطوي آنذاك. ونحن الآن في سبيل الإعداد لإصدار عدد آخر عن الأدب التونسي بعد هذه الأعوام العشرين، نَجْمع له المادّةَ، رمزًا لتحيةٍ جديدةٍ نوجّهها إلى الكتاب التونسيين والقرّاء التونسيين. وأنا أَذْكر، بالمناسبة، أنّ تونس تشكّل بالنسبة إلى الإقبال على الأدب منطقةً متميّزةً. والقرّاء التونسيّون كثيرون، حتى إنّني أعتقد أنّ عددهم يزيد على أيّ بلد عربي آخر، ولاسيّما في هذه الفترة. وهذا ما نلاحظه إجمالاً من معارض الكتاب التي تقام في تونس: فالإقبال عليها كبير، ولاسيّما على دار الآداب التي بدأتْ تهتمّ اهتمامًا خاصّاً بالإنتاج التونسي الحديث. ونحن نَفعل ذلك من غير منّة لأنّ المواهب التونسية كثيرة، ونعتزّ بأنّنا نُصْدر بين الفينة والفينة إبداعاتِ الكتّاب التونسيين، ومستمرّون في هذه الخطّة، وكلُّ ما يأتينا من تونس يحظى لدينا باهتمامٍ خاصّ يستحقّه هذا الإبداعُ التونسي الحديث.
- شكرًا يا دكتور على هذه الأحاسيس العميقة التي تؤكّد لنا اهتمامَكَ بالأدب في تونس وفي المغرب العربي بصفة عامّة، وبمدى اهتماماتك في هذا المجال منذ أن كنتَ في باريس. ولكنْ، رغم ذلك، فإنّنا في تونس نَتَّهم المشارقةَ بأنّهم لا يَعْرفون عن الأدب العربي في تونس، أو في المغرب العربي بصفة عامّة، مثلَ ما يعرفه التونسيّون والمغاربةُ عن أدباء المشرق العربي. فما هو الخللُ في رأيك؟ وكيف يمكن أن نعالج هذا الخلل الذي أحسستُه أنا شخصيّاً من خلال ترحالي على مدى سنوات عديدة في المشرق العربي؟
+ أعتقد أنّ في هذا التشخيص شيئًا من المبالغة. فلا بدّ من أن نَذْكر أنّ الأديب نفسه هو الذي يَفْرض ذاتَه على القرّاء. وحين يستطيع الأديبُ التونسي أن يَفرض نفسَه، وقد بدأ منذ فترة بذلك، فإنّه سيمتنع عن مثل هذه الشكوى.
نحن مفتوحو الصدور لكلّ إنتاج متميّز. وربما كان الإبداعُ التونسي أحدثَ عهدًا من الإبداع المصري مثلاً، إنّما لا يَنْقص الإبداعَ التونسي شيءٌ حتى يكون في طليعة موكب المبدعين العرب. فهناك شعراء، وهناك روائيّون وقصّاصون، وهناك دارسون متميّزون، من تونس. ولا أعتقد أنّ هناك "تخطيطًا" معيّنًا في المشرق للإهمال أو للاضطهاد. فهناك بعضُ جهاتٍ تتميّز على البعض الآخر لفترة من الزمن، فتَفْرض نفسَها على الآخرين، كما حَدَثَ للكتّاب المصريين مثلاً؛ ولكن استطاع بعضُ الكتّاب اللبنانيين والسوريين والمشرقيين الآخرين أن يَخرقوا هذا "التسلّط" إذا صحّ التعبير، وأن يَبرزوا في الحياة الثقافية، أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومارون عبّود في لبنان؛ وفي سوريا عدد كبير من الشعراء لا ضرورة لأن نذكر أسماءهم، وقد استطاعوا أن يعطوا للأدب السوري هذه الميزة في الحياة الثقافية. وآمل أن تزول هذه الشكوى المبالَغُ فيها مع مزيدٍ من الإنتاج والإبداع الذي يُصْدره الكتّابُ التونسيّون.
- صحيح أنّه ليس هناك عدمُ اهتمام مقصود بالأدب التونسي. ولكنْ أعتقد أنّ الكتاب التونسي لا يصل إلى المشرق العربي مثلما يصلنا الكتابُ المشرقي. هناك خللٌ ما. فما هو الخلل الذي تراه، ليس بوصفك صاحب مجلّة الآداب فقط، وإنّما صاحبَ دارٍ للنشر أيضًا؟
+ هذا يعود إلى اهتمام شركات التوزيع في إيصال الكتاب المغربي إلى المشرق. وقد لاحظتُ في السنوات الأخيرة أنّ بعض كتب المغاربة تصل إلى لبنان وتباع. ولكنْ يجب أن لا ننسى أنّ لبنان مثلاً بذل جهودًا كبيرةً في ميدان التوزيع، ولذلك يأتي الآن عدد من الكتّاب العرب من مختلف المناطق ليَنشروا إنتاجَهم في ببيروت حرصًا منهم على أن يوزَّع كتابُهم توزيعًا أوسَع في البلدان العربية. المسألة ليست بهذه الصعوبة، وبفضل المؤتمرات واللقاءات والمبادلات تزول هذه الغربةُ إنْ صحّ أن نسمّيها كذلك. ويبقى أنّ التواصل هو الشيء الأساسي في حياتنا الثقافية.
- بالنسبة إلى جائزة نوبل، فقد أُسندتْ إلى القصّاص المصري المعروف نجيب محفوظ، وهذا شرفٌ للأدب العربي بلا شكّ. فلو سُئلتَ يا دكتور عمّن ترشِّح بعد ذلك لجائزة نوبل من العرب، فماذا تقول؟
+ لا أريد أن أعطي لظاهرة جائزة نوبل أهمّيةً أكثر َممّا تتحمّلها هذه الجائزة. فنحن نعرف أنّ وراءها جهودًا كثيرةً قد لا تكون مرتبطةً بالفنّ وحده ومن أجل الفنّ وحده، إذ إنّ هناك تأثيرات كثيرة صهيونية أخّرتْ حتى الآن منحَ هذه الجائزة لكاتب عربيّ. وأذكر أنّني رشّحتُ الروائي السوري المعروف حنّا مينة، وقد سبقتُ الدكتور طه حسين الذي رشّح فيما بعد هذا الكاتبَ نفسَه. ولا شكّ أنّ هناك كتّابًا وشعراء آخرين يستحقّون هذه الجائزة. وقد برز في السنوات الأخيرة شاعرٌ كبيرٌ رُشّح لها أكثرَ من مرّة وزُوحم عليها، وهو الشاعر أدونيس؛ فهو أيضًا من الذين يستحقّونها... هو ومحمود المسعدي ومحمود درويش وآخرون.