الموضوع: الكتابة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
14

المشاهدات
2773
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
02-20-2021, 11:42 AM
المشاركة 1
02-20-2021, 11:42 AM
المشاركة 1
افتراضي الكتابة
الكتابة*


قبل عقدين من الآن وضعت قدمي على بساط الكتابة، لاشك أنني قبل أن أفعل كنت قد قرأت ما يكفي حسب اعتقادي يومئذ لأكتب شيئا معبرا وشيئا أصيلا، بل ظننت أنني عشت تجارب تستحق أن تكون ذخيرة مغذية لروافد الكتابة. قبل هذا بسبع سنوات كنت مخلصا لبعض الأقلام الصحفية في أسبوعيات مستقلة كنورالدين مفتاح في افتتاحيته الكلام المتاح وبعدها تلك الأيام، وكنت مأخوذا بأسلوب أبي زيد إدريس في مقالات الرأي بأسلوبه الأدبي العتيد الذي يوشح كتاباته حاجبا برفق سخرية لاذعة ونقدا مؤسسا، والخميسي في رسالته الباريزية بأسلوبه المنفتح على الظواهر كمحتضن ومصاحب يعطي للشيء إمكانية التعبير عن نفسه ويمنح الفرصة للظاهرة بالظهور مصبوغة بجمالية اللغة في حياد أصيل. وأنا أصاحب هؤلاء اعتقدت أن كتابة المقال أقرب من إعداد كأس شاي، لم أختبر عجزي المطبق إلا حين التحقت بالعالم الافتراضي، وبدأت أكتب مقالات في موقع خاص بالمقالات، ساعتها علمت أن قراءة مقال شيء وكتابته شيء آخر، أن تعيش العديد من الخبرات شيء وأن تعبر عنها شيء آخر، أن تعتقد بالقدرة شيء وأن تكتب شيء آخر. كنت أكتب هناك الشيء وفي قرارة نفسي أراه يتقمص اللاشيء والحياء يعتصره.*

تزامنا مع ذلك التحقت بمنبر الحوار والإبداع، وكان يعرض في صفحته الرئيسية مقالات لصفوة من الأقلام في الصحف الخليجية والسعودية، كانت فرصة بالنسبة لي لأطلع عن قرب على تفاعل المشارقة مع محيطهم، وفي ذات الوقت فرصة لاختبار قدرتي على الكتابة. لم يكن الأمر هينا بالمرة، عندما هممت بكتابة بعض المقالات وجدتني حافيا، ليس لدي ما أعرض فبضاعتي لا تزن جناح بعوضة، بل كلام في كلام، فاكتفيت بعرض بعض النصوص السردية، لكنني مأخوذ يومها بقلم يعرض بعض مقالاته، قلم ليس كالأقلام، إنه قلم زينب إبراهبم الخضيري، قلم يحمل سحرا خلاقا ومبدعا، قلم يرتقي بفن المقالة، يخرجها من سلطة الرأي إلى شطآن السؤال والدهشة، كلما قرأت لها مقالا تمنيت مزيدا من تلك الغيمات المنعشة لحديقة الإبداع.*

الكتابة الخالدة روح تسكن العمق ولا تحب السطحية لكنها متى تعمقت لا تخاصم البساطة بل تستلهم العمق لتتزين بالبساطة، قيل لتربوي ذات يوم لكي تتعامل مع الطفل وجب النزول إلى مستوى تمثلاته، فأجاب بل هو صعود. *قصة الصعود والهبوط هذه مثيرة في عالم الكتابة فحكيم الصين القديمة جعل من النزول شرطا للصعود، فالكتابة هي عالم يؤلف بين الخطوتين، بين الرحلتين، فالكتابة حوار بين العمق والسطح وبين الحضور والغياب وبين الموجود والمنشود، هي مسلسل انتقالات تجعل القارئ يسير في دروبها كأنه في نزهة يأسره المكان بجماليته وذهنه محلق في المعاني دون أن يفقد كلا العالمين حقيقتيهما، بل يعيشان في وئام وتآلف.*

الكتابة شيء لا تقبض عليه لأنها رحلة ممتدة، لذلك لن تجد كاتبا استنفد أقواله، بل ما أن ينتهي من عمل تجده يؤسس لعمل آخر، والكاتبة لا تنتهي بموت المؤلف، لأن النص ولاد وملهم، لذلك أجدني مخالفا للبنيويين الذين يعتقدون أن النص منفصل عن عالمه ولا يمثل إلا حقيقته، فالنص بقدر احتوائه على الماضي بقدر انفتاحه على المستقبل ورحلته لا تنتهي وحقيقته قيد التشكل، فدخوله في علاقات تناصية مع ماضيه مسألة لا تحتاج لبرهان وهي حقيقة استقرائية جلية وانفتاحه على المستقبل يثيره السؤال الذي يتضمنه ومساحات الغياب التي تتخلله.

أعتقد أن الذين كتبوا ويكتبون واستمروا في الكتابة، تجاهلوا أول ما تجاهلوا، الجواب عن السؤال المقلق، هل أنا أكتب شيئا كاملا، هل نصي هذا يمثل حقيقة دامغة، لأنهم لو فعلوا لكان الجواب نفيا قاطعا، ولركنوا إلى الخلف دون أن يشاركوا الغير تجربتهم في صياغة المعنى وتأسيس الوعي. وتلك خطوة ملزمة لكل كاتب ليتحرر من حصار المعنى وقبضة اللغة، إنه نزول من أجل الصعود، فالفزيائيون يعلمون تمام المعرفة أن الشيء يستعصي تجريده عن وسطه وفصله عن سياقه لكنهم يهملون بعض التأثيرات لقياس أخرى، ونظرية الفوضى تفشي سر تلك المهملات التي قد تكون كتلك القشة التي تستطيع قتل البعير، فما لا يدرك كله لا يترك جملة.*