عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-2013, 03:26 PM
المشاركة 15
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

ضاعت وهلت العماية / ياسر علي .

شريفة عفيفة يلف جسدها لحاف رمادي وعلى رأسها حجاب باهت شحب لونه ، يعلوها نقع السفر لكأنها تشارك في مغامرة رحلة إلى الماضي ، لفحت الشمس وجهها الوضاء فاعتلته سمرة حزينة جعلتها أمة في زمن الحرية ، أمضت في رحلتها أياما معلومات سطرت في ذاكرتها حياة البدو الرحل وهم وراء قطعانهم يجوبون الأرض بحثا عن الكلأ ، تعد لحظاتها بكل دقائقها و أحداثها المشبعة بالغرابة واللامنطق ، هي تقصد ذلك المخيم ، هناك تأتي أخبار سارة ، كانت من عائلة بجاه ومال قبل أن ترث لقبهم لوحدها ، تعرف معنى الاصطياف ، تعلم أن المخيم فيه مسبح ورمال إن كان شاطئيا ، فيه ظلال وأنهار إن استوطن الجبل ، فيه خيام مكيفة بأريج الواحات إن تربع على بساط الصحاري ، هي تعي أن جيوبها ماعادت تحتفظ بما يجعلها سيدة أمرها ، كلما غمست فيها يديها وجدتها تصفر خاوية ، حتى ملابسها التي كانت بها تتميز وتذكرها بماضيها القريب قايضت بها قوتها ، تلك الحقيبة التي زينت سفرياتها عبر المدائن لم تمنحها غير زليفة خزفية مشقوقة من حساء وحفنة تمر في أحشائه ديدان ، سيرا على الأقدام تعاند القدر ، تورمت أصابع قدميها ، و تصلبت عضلاتها ، وفاحت روائح غريبة عنها من جسمها ، فظنت أنها جيفة متحركة ، لولا صحبة نساء لطيفات لسن مثلها يخففن من معاناتها لوضعت حدا لحياتها ، فهن اعتدن على شظف العيش و قسوته لكن المنازل المدمرة والموت المسعور جعلهن يغادرن تلك البلاد التي لم تمنحهن يوما ما يحفظن به عهود الولاء ، فهن مستضعفات و أولو أمرهن أكلتهم الثورة و ما تزال تقول هل من مزيد ، تريد منهن فلذات أكبادهن وهم في سن المرح ، منهن من يحملن على ظهورهن رضعا أيتاما في زمن الربيع .

هي لايزال جرح تحمله في داخلها طريا ، دخلت المخيم فوجدت نفسها في أول يوم ضحية نظرات تفترس فيها الحياء ، كما افترست ذئاب القهر و الثورة والطريق عذرية كانت فيها مصونة ، أخذت لها صور ومنحت بطاقة هوية جديدة رقم آخر ينضاف لسلسلة أرقام حياتها ، أشخاص يصفون جنات عرضها السماوات والأرض لكل من ضاق به المخيم ، وجدت نفسها إما أن تذعن للقمة عيش صاغرة وإما أن تركب قارب الرذيلة بدون وجهة ، في المخيم لا ماء ولا كهرباء ولا أمان ، لا لباس ولا طعام ، بل وعود تلو الوعود ، و سلسلة حوارات لاتنتهي ، انخرطت مكرهة في اللعبة الجديدة فكان من حظها رجل في السبعين ، يملك من متاع الدنيا الكثير ومن العقل القليل ، تاهت في بيته لا خروج ولا هواء ، لا كسوة إلا إزار أسود لا تفارقه إلا عندما يريد الرجل أن يخضر عينيه ، سجن في الوطن وسجن في المخيم وسجن عند أهل المروءة الذين يصدحون بتقديم خدمة لنساء بلد افترسته نزوة و شدود السياسة ، تبسمت ساخرة من أقدار أمة تهذي ، لسان أهلها يقطر عذوبة وفعالهم تدهش الأباليس ، صبرت واحتسبت لعل الزمان يمضي بسرعة ، تنتظر متى يحين موعد الفرج ، ربما حين يتصيد مالكها بنت مخيم أخرى تمضي عقوبة سجنها ، وحتى وإن أفرج عنها فغد ها كثير ظلامه .
مسحت عن وجهها تعب الأيام وهي تقول : " حمدا لك ربي "



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!