الموضوع: أدب السجون
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2010, 09:44 PM
المشاركة 2
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي
شعراء وقصائد خلف قضبان سجون الأندلس


سجن كثير من الشعراء الأندلسيين لأسباب متعددة من بينها الأسباب السياسية ..

قد تكون فكرة السجن من بين الأشياء العجيبة التي تفتق عنها ذهن الإنسان منذ وطئت قدماه الارض..

وسبر آثرها مع مرور الوقت في مواجهة الخارجين على أنظمة الجماعات التي ينتمون إليها،..

أو تقويمهم في بعض الأحيان أعادتهم الى دائرة النظام العام ...

وقد اتخذت الدولة الإسلامية السجون كغيرها من الدول للحاجة الى إيقاع العقوبة على من يستحق..

وفي الأندلس كانت السجون، وكان لكل مدينة من مدن الأندلس سجن عام ينسب إليها مثل :

سجن شاطبة وسجن طرطوشة، وقد يكون في المدينة الواحدة اكثر من سجن.

وغالبا ما كانت السجون قريبة من قصور الحكام ان لم تكن فيها..

حيث اشتهر من السجون سجن المطبق، وهو السجن الذي يقام تحت الارض في حرم قصر الخلافة نفسه،

ليكون قريبا من الحاكم الذي يشرف عليه بنفسه احيانا او للحاجة الى التكتم والسرية

في عمليات الحبس والقتل بعيدا عن اعين العامة، وكان لدى القضاة سجون ايضا بقصد الحبس

على سبيل التوقيف الاحتياطي، لحين التثبت من براءة المتهمين او تجريمهم.

تولى الأشراف على السجون في الأندلس بادئ الآمر صاحب السوق (المحتسب)،

الذي كان مسؤولا عن النظام في الطرقات والأسواق، ثم اصبحت السجون من اختصاص صاحب الشرطة

في أواخر القرن الثالث الهجري، وصاحب الشرطة هذا عظيم القدر عند السلطان، وكانت العامة تهابه،

ولا يتولى هذا المنصب الا الاكابر من رجال الدولة.

ويذكر ابن خلدون أن الشرطة في الاندلس قد نوعت زمن بني امية الى شرطة كبرى وصغرى،

وجعل حكم الكبرى على الخاصة واهل الجاه، وجعل صاحب الشرطة الصغرى مخصوصا بالعامة من الناس،

ثم اضيف اليها نوع ثالث وهو الشرطة الوسطى.

وقد فسرت هذه الانواع الثلاثة بالنظر الى الطبقات الاجتماعية في المجتمع الاندلسي،

فهناك طبقة الخاصة وطبقة العامة، ثم تكونت طبقة بينهما من الاعيان التي يمثلها التجار وصغار الموظفين

مما دفع الخليفة الاندلسي الناصر (ت 350 هـ) الى انشاء شرطة خاصة بكل طبقة منها.

ويدل هذا التقسيم على ان كل طبقة اجتماعية كانت تتمتع بمعاملة مختلفة في اجراءات سجنها ومكانه،

فثمة سجون على حال سيئة من الظروف وسوء معاملة السجناء،

بينما كانت هناك سجون توافر فيها ما يمكن أن نعده من الامتيازات.

وفي السجن كانت هيئة المسجون تختلف عما هي في حياته السابقة،


لأان السجانين كانوا عادة يغيرون الاشكال والثياب،

كان المسجون يرسف احيانا في التقيد او الكبل (وهو القيد العظيم)

خاصة في سجون المطبق، وهي المعدة للسجناء مدى الحياة، مبالغة في التعذيب والأهانة.


ولم تكن اوضاع السجناء كلها على هذا النحو من العذاب،

فقد كان لبعضهم امتيازات حرم منها اخرون، مثل اتاحة ادوات الكتابة،

اذ تذكر المصادر ان الرقاع كانت تصل من قبل المسجونين الى الحاكم تطلب الصفح والغفران،

أو تتضمن اشعار الاستعطاف من اجل العفو والحرية.

كان نصيب الشعراء من الامتيازات التي تمتع بها المسجونون كبيرا،

فقد نال السجن كثيرون من شعراء الاندلس، لاسباب متعددة من بينها الاسباب السياسية

بصفتهم من كبار رجال الدولة، حيث نالت بعضا منهم سهام المؤمرات والدسائس

التي كانت تحاك ضد الخلفاء او الوزراء او غيرهم من ذوي النفوذ المقربين من القصر الحاكم.

وقد حظي بعض الشعراء مثلا بدخول الطلاب والمتعلمين عليه في سجنه،

مثل الشاعر محمد بن فرج الجياني (ت 360 هـ) الذي سجنه الخليفة الحكم المستنصر،

حيث كان اهل الطلب يدخلون عليه سجنه ويقرأون عليه اللغة وغيرها.

بينما كان السجن لبعضهم المدرسة التي يتعلم فيها ويصقل موهبته


مثل الشاعر الشريف الطليق (ت 396 هـ) الذي سجن وهو فتى يافع مع جماعة من الادباء


فلم يزل يأخذ عنهم حتى «ثري تربه وطار شعره» فكان السجن له المدرسة التي علمته الادب وفتحت قريحته الشعرية.

في حين وضع بعض الشعراء في اثناء سجنهم مؤلفات عالجت محنتهم تلك،

فهذا الشاعر يوسف بن هارون الرمادي (ت 403 هـ) الذي سجن على يد الحكم المستنصر

لأشعار كان ينظمها هو وجماعة من الشعراء يتبارون فيا بهجاء الخليفة، وضع في سجنه كتابا سماه «الطير»

في اجزاء وكله من شعره، ووصف فيه كل طائر معروف وذكر خواصه، ثم ذيل كل قطعة بمدح ولي العهد

هشام بن الحكم ليشفع فيه لدى ابيه. ووضع الشاعر عبد الملك بن غصن الحجازي (ت 454 هـ) في سجنه

رسالة في (صفة السجن والمسجون والحزن والمحزون) واودعها الف بيت من شعره في الاستعطاف،

وكانت سببا في العفو عنه. والف ابن الابار (ت 658 هـ) في اثناء نفيه الى بجاية مؤلفه «اعتاب الكتاب»

وفيه قصص للمحن التي لحقت بعدد من الادباء والكتاب،

خاصة من نال العفو منهم بعد الشدة التي كان فيها ووضع في كتابه الى جانب قصصهم بعض نثرهم وشعرهم

في تلك المحن، لتعينه في التعبير عن محنته هو، ثم ذيل كتابه باشعار الاستعطاف.