عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2012, 05:36 PM
المشاركة 573
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
بيان الكتب:الدكتور نجم عبدالله كاظم استاذ الادب المقارن في جامعة الحسين بن طلال في الاردن باحث جاد له بحوثه المتعددة في هذا اللون من الادب بدءا بالرواية العراقية وتأثيرات الرواية الامريكية عليها عام 1985 وانتهاء بكتابه التطبيقي الجديد الذي اصدره نهاية عام 2001 بعنوان (في الادب المقارن ـ مقدمات للتطبيق).
واذا كان نقاد كتاب الادب المقارن يختلفون حتى الآن حول مفهومه وطبيعته وميادينه وحدوده رغم نشأته كفرع من الاداب النقدية في العقود الثلاثة الاولى من القرن التاسع عشر فان الدارس ينبغي له ان يلم بهذه الاختلافات التي نشأت عنها مدارس الادب المقارن المستندة الى تعريفاته الاساسية ففان تيغم يقول بدراسة التأثيرات والتأثرات وهو يتناول النتائج التي ينتهي اليها تاريخ الادب القومي ويضمها الى النتائج التي انتهى اليها مؤرخو الاداب الاخرى ليضمها الى بعضها ضمن تاريخ ادبي اشمل. اما غويار فيعرف الادب المقارن بانه تاريخ العلائق الادبية الدولية بما يعني ان العلاقة يمكن ان تكون بين اكثر من ادبين قوميين وهذا ما يراه شيلبي الذي يعرفه بانه دراسة العلاقات المتبادلة بين اداب شعوب واخرى وهو امر دفع الناقد عبدالجبار داود البصري الى اعتبار الادب المقارن عملية بحث في العلاقات الدولية ادبيا وبذلك فهو ليس ادبا بل بحثا في تاريخ الادب وقد جاء ذلك في كتابه (خرافات ادبية) 2001، لكن الناقد الكبير د. محمد غنيمي هلال يعرفه بانه يدرس مواطن التلاقي والصلات ومالها من تأثير وتأثر.
وفي رأي مؤلف (في الادب المقارن) اننا ينبغي ان نحتوي كل هذه الرؤى ونحن نكتب في الادب المقارن لكن هذه العناية لم تقده الى تقديم دراسات تطبيقية شاملة الا في بعض فصول الكتاب بل هي مقدمات للتطبيق تسعى لفتح ابواب الدراسة التطبيقية للآخرين.
لقد سعى المؤلف في موضوعه الاول مقدمة في التأثير العربي في الادب الاسباني الحديث ـ خوان غويتسلو نموذجا، الى دفع الدارسين الى الالتفات اكثر الى العلاقات والصلات ما بين العربية وادابها من جهة والادب الاسباني الحديث في وقت انصبت فيه دراسات النقاد العرب والاسبان في دراسة التأثيرات الاولى القديمة مما صار مكرورا وكلاسيكيا ومعروفا تماما.
أما دراسته التالية التي يسميها مقدمة فقد جاءت تحت عنوان (كافكا في الرواية العربية مقدمة في تأثيراته) ورغم ان المؤلف لايقف عند المؤلفات العربية التي تناولت هوية كافكا وتأثيراتها على اتجاهات ادبه مثل دراسة بديعة امين المهمة التي صدرت تحت عنوان (هل ينبغي احراق كافكا؟) ذلك ان اعمال كافكا «متعددة الرؤى والمضامين والمعاني والايحاءات» كما يقول د. كاظم ولكن يبقى ممكنا ان نجد في أدبه موضوعات تعد انعكاسات لشخصية صاحبها ونفسيته وتداخلاتها وقد درس الكاتب أعمال كافكا الأساسية مثل «القصر» و«القضية» و«أمريكا» و«المسخ» وبعض قصصه القصيرة ليجد فيها ما قاله روجيه جارودي ان كافكا نجح في خلق عالم اسطوري لا ينفصل عن عالمنا وانه «خلق هذا العالم بمواد عالمنا هذا مع اعادة ترتيبها وفقا لقوانين اخرى تماما كما فعل الرسامون التكعيبيون في الفترة نفسها» وبذلك فهو العالم منظورا اليه بشكل منحرف قليلا كأنما ينظر المرء اليه من بين ساقيه أو يقف على رأسه أو ينظر اليه في مرآة مشوهة.
إن الضغوط والمؤثرات المختلفة التي أحاطت ببطل كافكا جعلت منه الفرد الخائف والمغترب المستلب الذي ينتابه الشعور دوما بأنه يعيش عالما معاديا له ومطاردا من قبل قوى اخرى نراها وتخطر أمامنا كل يوم ولكننا لا نرى أفعالها كما هي في أعمال كافكا، وإذ يشير الدارس الى تأثيرات ما بعد الحرب الأولى على التيارات الفكرية والادبية وبروز الوجودية كفلسفة اختيار للانسان يجد في كافكا ـ ربما ـ اعظم الكتاب الوجوديين، واذا كانت الوجودية ترتكز على الحرية والمسئولية والالتزام كأعمدة فكرية فان من الطبيعي ان يشعر الفرد المحاصر عبر حياته القلقة بالقلق ذاته والهجران واليأس وهي مفاهيم تمظهرت دراميا في أعمال كافكا التي وصلت الى العالم العربي ثمرة جهود فردية لمترجم مثل منير بعلبكي ونقاد مثل سهيل ادريس ونهاد التكرلي، وقد ظهر تأثير أعمال كافكا في ادب القصة العربية المعاصرة ـ كما يقول الدارس ـ في أعمال غادة السمان وزكريا تامر وجورج سالم ووليد اخلاصي وياسين رفاعية وجليل القيسي وجمعة اللامي وعبدالرحمن الربيعي وسواهم وهو يشير الى تأثيرات ادب الوجوديين الآخرين مثل البير كامو وسارتر وبيكيت وتأثيراتها على الاعمال الروائية لجبرا ابراهيم جبرا وسهيل ادريس وليلى بعلبكي وجورج سالم وصدقي اسماعيل ويوسف الصائغ ومحيي الدين زنكنة وهاني الراهب، لكن الذي يبدو غريبا ألا يشير د. كاظم الى تأثيرات الوجودية عامة على ادب فؤاد التكرلي القصصي وهو امر درسناه في كتابنا «رحلة مع القصة الواقعية» الصادر عام 1980 في فصل خاص تحت عنوان «تأثير الوجودية على القصة الواقعية القصيرة».
إن الدارس الشامل لأدب كافكا وتأثيره على الأدب القصصي العربي يجد في رواية (خاتم الرمل) للتكرلي فؤاد بنية شديدة التأثر بالأدب الوجودي عموما والكافكوي منه بوجه خاص كما ان رواية خسرو الجاف (الكلب) تحمل مضامينها الوجودية المعاصرة وكذلك (مجنون الأمل) لعبداللطيف اللعبي و(الاغتيال والغضب) لموفق خضر وقل ذلك عن روايات عربية كثيرة لكن الدارس اختار نماذج محددة ليطبق عليها برهافة حس وعلمية ونحسب انه لو ادار بحثا متكاملا عن تأثيرات الوجودية على الادب الروائي العربي لنتج عنه عمل مثمر وكبير نتمنى ان يتصدى له الدارس ذاته أو غيره.
مقدمة الدارس الثالثة كانت تحت عنوان «القصة القصيرة جدا من ساروت الى الادب العربي والبحث عن نوع أدبي جديد» يتناول في بدايته مصطلح القصة القصيرة جدا short short story و(اختلافه) عن مصطلح القصة القصيرة short story حيث يعرف جوزيف شيلبي القصة story بمعنى «عرض لصراع يشتمل على قوتين متعارضتين في حالة نزاع وغاية».
واذا كان هذا التعريف ـ في مفهومنا ـ مبهماً تماماً ، فإن القصة القصيرة ـ تكون ابرامز في كتابه M. H. Abrams: Aglossaryof liteary terms - pi 76 والذي اعتمد عليه د. كاظم هو «قصة تتسم بالقصر بما يعني اختلافها عن الرواية ـ Novel في البعد الذي اسماه ارسطو الحجم، وان كان القصر ليس عاملاً اساسياً في تحديد هذا المصطلح اذ ان مجدي وهبة في معجمه يقول ان «القصة القصيرة ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل بل هي لون من الوان الادب الجديد له خصائص ومميزات شكلية معينة منها القصر وتناولها حدثاً او جزءا من حدث والتركيز والتكثيف» وهذا التعريف اقرب الى الرضا والوضوح ولكنه لا يستجيب لمصطلح القصة القصيرة جداً الذي اطلقه ارنست همنجواي اول مرة على احدى قصصه عام 1925 ولم يكن القاص العربي يوسف الشاروني قد فهم مدى اهمية ما يفعل عندما اطلق على بعض قصصه تعبير «قصص في دقائق» بمعنى ان قصصه هذه اكثر قصراً من القصص القصيرة الاعتيادية وبالتالي فهي لا تحتاج الا لذلك الوقت القصير لقراءتها وهو ذات ما ذهبنا اليه في بحثنا المنشور في مجلة الافلام ـ والذي اعتمد عليه د. كاظم ـ بعنوان (القصة الواقعية القصيرة جداً.. عن المصطلح والصورة التاريخية) في مجلة الافلام ـ بغداد ـ العدد 10/11/1988 حيث ذهبنا الى ان اول قاص عربي اطلق مصطلح القصة القصيرة جداً على بعض قصصه هو المحامي العراقي نوئيل رسام عام 1928 ـ 1932 دون ان يقرأ ساروت التي اشتهرت بهذا اللون ولم نجد باحثاً واحداً حتى الان يثبت عكس الذي ذهبنا اليه وان كان الكثير منهم لا يشير الى هذه الحقيقة.
المهم ان الباحث يقف عند كتابات ساروت التي ظهرت عام 1938 في كتاب ترجم الى العربية سنة 1971 تحت عنوان (انفعالات) Tropisms لفتحي العشري الذي اضاف اليها عنواناً ثانوياً هو (قصص قصيرة جداً) و(انفعالات) كلمة لا توجد لها ترجمة في غير اللغات اللاتينية ولا يوجد لها تفسير في اي من هذه اللغات وبالتالي فإن الناقد ازاء هذه المجموعة التي كتبتها ساروت يكتشف صوراً قد تبدو مقتطعة من مجرى حياة ما وحياة مجموعة بشرية غالباً، ليس لها بدايات بل انك تحس وانت تقرأ اول كلمة او جملة فيها انك قد بدأتها قبل ذلك، واذ لا تمتلك الواحدة منها بداية فانها لاتنتهي ايضاً مع اخر كلمة منها.. بمعنى انها تفتقد اي صراع او حبكة او تطور درامي وبذلك فهي تنفصل عموماً عن (القصة) كما نعرفها اصطلاحاً ونماذج.
ان اوضح مميزات القصة القصيرة جداً هي القصر الشديد اذ ان عموم الجيد منها يتراوح بين 002 ـ 500 كلمة ثم التكثيف حيث تعوض الكلمة عن جملة والجملة عن عبارة دون اخلال ثم محدودية الصراع وبهذا المعنى تشتمل القصة القصيرة على شخصية او اثنتين وتكون النهاية متفجرة ذات ضربة فعلية ـ في رأينا.
واذ يطرح الكاتب في نهاية هذا الفصل سؤاله المهم «هل هناك نوع ادبي اسمه القصة القصيرة جداً؟ يقول ما يطابق رأينا الذي ذكره بموضوعية وهو «ان القصة القصيرة جداً ليست جسداً مفصولاً عن فن القصة القصيرة ولكنها تراعي التكثيف والجو الخاص وضربة النهاية وتراعي التركيز والاقتصاد بالكلمات» فيما رأى ان ميزات التكثيف والقصر والصراع المحدود تتخذ سمات خاصة بها لكنها لا تفرقها عن فن القصة القصيرة بعامة.
عبدالخالق الركابي وماركيز وآخرون.. وقفة عند العلاقات الادبية والتأثير والتأثر، حيث يبرر الكاتب حديثه عن الركابي باعتباره قد احتل مكانة متميزة في الأدب الروائي العربي وان تجربته الروائية قد استخفت ان تدخل مختبرات النقاد «وذلك بما اشتملت عليه من تدرج فني متصاعد بثبات» وقناعة د. كاظم بالمقدرة المتنامية التي يمتلكها الركابي في الخلق والابداع، أما المبرر المباشر لدراسة تأثيرات ماركيز وآخرين على الركابي فهو الضجة النقدية التي أثارها القاص جهاد مجيد والناقد عباس ثابت حمدو حول اقتباس الركابي من اجواء وشخصيات ماركيز وهو أمر رد عليه ياسين النصير وباسم حمودي في الصحافة المحلية وبينا (في شهر اكتوبر 1988) الفرق بين التأثير والتأثر والاقتباس رغم ان مصطلح التناص مصطلح مفتوح الابواب يبرر للكاتب هضم التجارب السابقة واعادة تمثيلها بلغة الكاتب الجديد الخاصة.
ويقيم د. كاظم دراساته ومقارناته على أساس رواية «الراووق» المعتمدة على مخطوطة لعشيرة البواشق ويدرس المرحلة التاريخية التي يحاكيها. ويدرس الباحث في فصل تال الرواية العراقية دراسة مقارنة فيشير الى اهتمام القاص والروائي بما يقرأ في الآداب الاخرى وسبق اللبنانيين والمصريين العرب الآخرين بالتعرف على فن القصة الحديثة والاهتمام به طارحا صورة تاريخية لتأثر الروائي العراقي بفن الرواية الاوروبية وهذه مسألة طرحتها دراسات متعددة لكن جديد الدارس انه يوثق لآراء الروائيين في تأثيرات الكتابة الروائية الغربية عليهم حيث يعتبر غائب فرمان مكسيم جوركي معلمه الأول بعد نجيب محفوظ، ويعلن تأثره بكولدويل وشتاينبك دون ان يستطيع هضم تجربة فيرجينيا وولف وبروست فيما يؤكد فؤاد التكرلي انه قرأ الرواية الغربية بالعربية والفرنسية مثل فوكنر وهمنجواي ومارك توين وكولدويل ودستوفيسكي وسيمون دي بوفوار في وقت كان فيه جبرا قارئا في سنوات مبكرة من حياته للرواية الاوروبية الحديثة وإذا كان عبدالرحمن الربيعي وعبدالرزاق المطلبي ومحيي الدين زنكنة قد قرأوا الرواية الغربية باللغة العربية، فإن هؤلاء الكتاب جميعا ومعهم موفق خضر وموسى كريدي قد مظهروا ذلك التأثير في أعمالهم الروائية المتعددة وهو أمر يخصص له المؤلف دراسة تطبيقية واضحة المعالم في فصل تال تحت عنوان «الركابي حلماً روائياً» حيث يجد الباحث نوعا من التأثير من قبل أوران ملكيادس لدى ماركيز على مخطوطة الراووق ثم «يمتد الالتقاء بين روايات الركابي ورواية ماركيز ليصل الى السعي لربط الوطن بالعالم» وهو امر تشارك به معهما قيم روائية أخرى لدى دوس باسوس ونجيب محفوظ وغائب فرمان وهوثورون وغيرهم.
ويقدم الكاتب في الفصل الأخير دراسة تطبيقية في الأدب المقارن (بين الصخب والعنف والرجع البعيد) مقرا بداية ان بناء (الرجع البعيد) وتقنيتها يختلفان عن (الصخب والعنف) لكن التكرلي اختار عائلة بغدادية وقسم روايته الى فصول يرويها افراد العائلة بصيغة المتكلم او الغائب في وقت قسم فيه فوكنر روايته الى اربعة اقسام وزع ثلاثة منها على عائلة كومون معتمدا صيغة ضمير المتكلم بينما تولى هو الفصل الاخير، ويجد الدارس ان الاحساس بالزمن كان واضحا في العملين واستخدام التداعي الحر والحوار الداخلي واحساس (مدحت) احد ابطال (الرجع) بالعزلة عن المجتمع بشكل متشابه وشخصية (كوينتس) رغم ان فؤاد التكرلي ينوع في (مدحت) على بطله السابق في روايته المبكرة (الوجه الآخر) كانسان صاحب موقف وجودي من الحياة، كما انه يشير الى تكرار رحلة كوينتس في رحلة مدحت وهو امر لا يستدعي التأكيد على الاقتباس او التأثير ففؤاد التكرلي قد بنى تجربته الضخمة على احداث وشخوص مختلفة ولكن دراسة الناقد د. كاظم ترى في تجربته بعض ظلال الصخب والعنف وهو امر لا نقره تماما لاختلاف التجربتين.