الموضوع: O كانوا هنا .. O
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2019, 02:29 AM
المشاركة 489
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O كانوا هنا .. O
دروب الطاحون
بقلم : جمال سامي عواد


"كل الدروب تؤدي إلى الطاحون "
مثل شعبي معروف . يجسد قاعدة عامة من أمهات القواعد
و أنا شخصيا أتعامل مع الأمثال الشعبية بمنتهى الاحترام و الهيبة , لما تختزنه من تجربة إنسانية هائلة , يمكن أن تختصر علينا الكثير من الجهد و الوقت و المال
و الدماء أحيانا ... لا , بل غالبا .
غير أن المسكوت عنه في هذا المثل أهم من المصرح به , بل و ربما هو الجزء المقصود من المثل برمته , أما عن سبب سكوته , فهو الحكمة الخالصة التي لا تعطينا ذاتها من أول قراءة , و سأدلي بأسبابي فيما يتعلق بذلك , و أنا مضطر لذلك بسبب قاعدة فقهية عامة ترفع في وجهي يافطة كتب عليها :
"لا ينسب لساكت قول " .
كانت أمي تقول " الله يرحم المثل , ما خلا شي و ما قاله "
و اسمحي لي يا أمي أن أخالفك هنا ......
فهناك شيئ لم يقله المثل
و اسمحي لي , و اسمحوا لي انتم أيضا , أن أضع أولا صياغة لما سكت عنه المثل , و هو عبارة :
"و لكن هناك طريق واحد فقط , هو الطريق الأفضل "
قاعدة علمية أخرى تطل برأسها للمشاركة في هذا النقاش فتقول لنا :
"أقصر الطرق بين نقطتين هو المستقيم "
نعم هذا صحيح
و لكن عندما ذهبت "ليلى " لزيارة جدتها , نصحتها والدتها بسلوك الطريق الطويل , مخالفة بذلك أهم قاعدة علمية و منطقية , و الكل يعرف السبب , حتى أبناءكم الصغار .
حسنا
إذا هل يكون الطريق المستقيم الذي هو أقصر الطرق إلى بيت الجدة , هو الطريق الأنسب ؟؟؟؟؟
سيجيب أولادكم عنكم : لا
الأنسب هنا هو الطريق الطويل , لأنه أكثر أمانا , و يتوجب على ليلى أن تسلك ذلك الطريق لتضمن سلامتها ( و هذا ما لم تفعله ليلى على كل حال )

هناك عدة طرق للوصول إلى الطاحون , منها الخطر , و منها الطويل , و الأطول , و منها الوعر ...... و كلها ستنتهي بنا إلى هناك , و لكن واحد منها فقط هو الأفضل إذا آخذنا مقياس السرعة فقط , و واحد آخر قد يكون الأفضل إذا أخذنا مقياس آخر مثل السلامة , أو قد يكون هناك طريقا واحدا هو الأفضل بكل المقاييس .
حسنا :
يختلف الناس في اختيار الطريق إلى الطاحون , و هنا يبدأ الخلاف في الرأي الذي يؤدي كما دروب الطاحون , إلى الخلاف , عاجلا أم آجلا , و سنجد ان هناك طريقة واحدة هي الأنسب و الأسرع و الأفعل للوصول إلى الخلاف , و هي أن نغلق عقولنا عن كل رأي آخر , و نسقط رأي الآخر على شخصه , فنحاربه هو , في الوقت الذي نظن أننا نحارب رأيه فقط .
اسمحوا لي بعد هذا التمهيد أن أصوغ عدة نقاط يمكن أن تكون موضع الخلاف بيني و بين بعضكم أو معظمكم
أولا :
لابد من الاختلاف حول أبسط القضايا المطروحة , و هذا أمر يفرضه التباين بمستوى الثقافة و الوعي و التجربة , و المصلحة , و هذه الأخيرة هي الأهم في حال تساوى المختلفون بالمجالات السابقة .
ثانيا :
لا تطابق بين البشر , و لذلك يبقى المتفقون على حال من الاتفاق إلى درجة سيختلفون فيها حتما , كلما تشعبت مجالات التداول و تعددت و تنوعت بعمقها و أهميتها , و لنصطلح على تسمية هذه الدرجة " بعتبة الاختلاف "
ثالثا :
نستنتج مما سبق أن أي اختلاف بين رأيين , ينطوي على مقدار من الاختلاف في صحة رأي كل منهما , فنستطيع القول أن أحد الرأيين صحيح و الآخر خاطئ , و هذا ينطبق على حالة الواقع الغالبة التي يكون فيها رأي أحدهما ينطوي على عناصر صحة أكثر من عناصر الخطأ ,و بالتالي يكون أكثر صحة بالمحصلة العامة .
رابعا :
لا نستطيع الاختباء خلف إصبعنا لنقول أن لكل رأيه , و المسالة مسالة ذوق , فهذا القول ينطوي على مساواة بالقيمة المطلقة بين عقلين أو منطقين أو ذوقين لم تسمح الظروف المختلفة لأحدهما بالنمو و التطور و الاقتراب من المثال , كما سمحت للثاني , و إذا فعلنا ذلك نقع في فخ إغداق الطلاء على الصدأ , فهما مختلفين لأن أحدهما ببساطة أقرب إلى المثال .
خامسا :
عندما أختلف معك بالرأي فإني أصارحك باني لن أحترم رأيك , بل سأحترمك أنت فقط , فلن أكون مجبرا أبدا على احترام رأي أراه خاطئا , فإذا تمسكت أنت بإسقاط رأيك على شخصك , فسينسحب عدم احترامي على شخصك , بغض النظر عن صحة رأيي أو عدم صحته , فانا أراه صحيحا , و هذا خطأ يمكن أن نقع فيه نحن الاثنان .


سادسا :
لن أغير رأيي حتى تمسحه من دماغي , و تضع رأيك مكانه , و هذا ما أسميه عملية صراع الأفكار , و التي نتفق أنا و أنت على وجودها و مشروعيتها و على أساس احترامنا المتبادل لشخصينا و ليس لرأيينا المتعاكسين , و في ذلك تطبيق صريح لقاعدة لم يستطع المجتمع البشري أن يخرج من أسرها , و هي قاعدة البقاء للأقوى , حيث تبقى الفكرة الأقوى في النهاية , بعد أن تثبت أفضليتها بكافة مقاييس القوة الطبيعية .
سابعا :
بما أن لا إنسان كامل تماما , فإن المنطق و البداهة تفترضان انطواء رأيي على بعض النقاط الخاطئة , التي قد لا تعتور رأيك , أو رأي شخص ثالث , لذلك فإنني سأعبر عن ذكاء فطري في انفتاحي على رأيك و آراء الآخرين و تقليبهم في ذهني لأقوي فكرتي أو أغنيها أو ألغيها تماما , وإذا فعلت غير ذلك , فقد سلكت الطريق الذي اختارته ليلى للذهاب إلى جدتها .
أعزائي :
قد يصل بعضنا إلى الطاحون قبل الآخرين , و قد يصل بعضنا متأخرا جدا , و قد لا يصل البعض أبدا , و بذلك يظهر لنا التنوع اللانهائي و العبقري و الجميل , و غير المتوقع للحياة , تلك اللعبة التي لن تثبت قوانينها أبدا , فكل لاعب يدخل الملعب , عليه أن يراقب
يكتشف
يفكر
يقاتل
يفاوض
يستسلم
يقاوم........ يفعل الكثير من الاشياء الجميلة و القبيحة
و لكنه أخيرا.................و أخيرا ......... يحب

منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4557

وحيدة كالقمر