عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2016, 07:43 PM
المشاركة 59
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وصلت رسالة أخرى من عمّي ، في الرسالة الماضية أعربت له عن قلقي لما يحدث ، الرسالة تحمل بعض التفاصيل ، ينصت جدّي بإمعان ، كلّ يوم يعود جدّي للموضوع ، هل خرج من الكويت يا بني ؟ ليس بعد ياجدّي ، لكن لا تقلق سيخرجونه من ثقب الإبرة . إنه ظالم يا بني ، لم يراع فيهم إلاّ و لا ذمّة ، جدّي قلق على ابنه ، لا أظنه يعير اهتماما لغير ذلك ، أشرح له ، يا جدّي إن سويسرا بعيدة عن الخليج بمئات الأميال ، إن أوربا آمنة مطمئنة ، رغم ذلك فهو مشوّش الذّهن ، عمّي اشتغل لأيام قليلة في سفارة العراق ، وجدهم يتّسمون ببعض غلظة ، هجرهم والتحق بسفارة الكويت ، وجدهم أناسا طيبين ، لم يمض فيها غير وقت قصير حتّى اختفت دولة الكويت ، يحكي عن تغيير كبير في الإجراءات الأمنية واكبت فترة الاحتلال ، السّفارة كما بيت السّفير مطوقة برجال الشرطة ، يحكي عن الجرح الكبير الذي حفره الحدث في نفوس الكويتيين . لا يعي قدر الضربة إلا من كان ظهره مستقرا لها . جدّي يكاد يفقد صوابه ، رغم تطميناتي و رسائل عمّي إلاّ أن روحه معتلّة . وصل اليوم المعلوم و أغلقت المدارس أبوابها طيلة الأسبوعين الأوّلين للحرب ، و أيّة حرب ، سباق يعدو فيه فرس واحد ، تنطلق الطائرات في فسحة و تفرغ ما بجعبتها من البارود ، تعود وتملأ خزاناتها من الوقود و الرصاص ، لتذهب مرة أخرى في تدمير منهجي لأركان الدولة ، أرأيت يا زعيم العروبة ماذا فعلت ، عاصفة هي في صحراء أم هي أمّ المعارك ، عندما أصبحت الحرب واقعا مألوفا عدنا إلى مقاعد الدّراسة . هي الحياة لابدّ أن تستمرّ ، بكيت أم ضحكت ، فلا بكاؤك يضايقها ولا ضحكك يبهجها . انتهت اللعبة ، سحب العراق جيوشه تحت وابل الرصاص ، و أعلن إذعانه لقرارات مجلس الأمن ، و أسدل الستار على فاجعة أخرى تنضاف لتاريخ هزائم نجترّها مع كلّ هزة عالمية، هي الأنظمة العالمية تبنى دوما على دمائنا دون أن نجد طريقة للاستفادة من إعادة الانتشار التي تحدث في العالم.
سيارة عمّي تقف أمام بيتنا ، ماهذا ياعمّي ثلاث سنوات و ستة أشهر من الغياب ، لكن لولا عملك في السفارة ما استطعت القدوم ، تسافر بجواز سفر دبلوماسي ، هي قوانين الهجرة آخذة في التشدّد ، كلها بوادر نظام عالميّ جديد ، سويسرا أولى البلدان التي ابتكرت هذه التجديدات . لماذا يا عمّي لم تذهب إلى فرنسا أو إيطاليا ، عندما تكون في سويسرا تظهر لك تلك الدّول متخلفة جدّا ، جدّي انفرج قلبه أخيرا ، الحاجّ في جلبابه الجديد ، و عمامته ، يزهو متقلدا محفظته ، لابسا نعليه الجديدين ، جدّتي لا تكاد الدنيا تسعها فرحا ، أبي يريد مزيدا من الدوفيز ، شممت أنّه ليس راضيا بما أخذه ، جدّي يشكوني لعمّي عند أول لقاء ، لا أذكر السّبب ، أخرج أتركهما معا ، لا تظن أنك وابنك يا جدّي ستمنحاني مفاتيح روما ، عمّي يلتحق بي في الحقل ، يقدّم لي سيجارة ، نتحاور ، يرطّب خاطري ، عمّتي انبسطت أسارير وجهها بعد أن أصابها بعض كدر في المدّة الأخيرة، لا أعرف ماذا وقع للمرأة ، ليست مرتاحة .
إلى البيضاء ، بحر من بني آدم يتحرك ، قد يصل سكانها إلى ثلاثة ملايين نسمة ، عاصمة أقتصاد المغرب ، من لا يعرف البيضاء ، من لا يعرف الرجاء و الوداد البيضاويين ، من لا يعرف سطاد دونور ، من لا يعرف مسجد الحسن الثاني كمعلمة بيضاوية حديثة العهد ، من لا يعرف عين الدياب ، الحي الحسني ، البرنوصي ، عين السبع ، الحي المحمدي ، سدي عثمان ، عين الشق ، من لا يعرف بن جدية ، القريعة ، درب عمر ، الحفاري ، من لا يعرف هذا في المغرب كلّه ، هي البيضاء تساوي المغرب والمغرب يساوي البيضاء ، كل دوار مهما كان صغيرا أو كبيرا ، ستجد عشرة على الأقل من أبنائه بالبيضاء ، كل عائلة في المغرب قد يكون لها قريب أو اثنان في البيضاء .