عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
7

المشاهدات
4126
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
11-28-2019, 06:13 PM
المشاركة 1
11-28-2019, 06:13 PM
المشاركة 1
افتراضي الصورة الفنية والانزياح في قصيدة "سورة الماء" للشاعرة آمال القاسم، بقلم د. عبد المجيد

الصورة الفنية والانزياح في قصيدة "سورة الماء" للشاعرة آمال القاسم، بقلم د. عبد المجيد عامر جابر اطميزة
أولا: النص

"سورة الماء"

يا صاحبَ الرّوحِ ،
أرأيتَ كيف تبدّلَتْ أشياؤنا ..
على غفلةٍ منّا ..
حتى عادَتْ كالعُرجونِ القديم..؟!
وكفُّ القدرِ تعبثُ بفجِّنا العميق
فزفرنا ولم نشهقْ
وأحرقَنا بأُوارِهِ الشهيق ..
في عُرضِ غيابِكَ السّخي
أتلو للريحِ سورةَ الماءِ
وما تيسّرَ من تأجُّجِ أدمعي ..
وبردةُ هجيرِكَ تدثِّرُني بالصقيع
وبأرياشِ الغمام ..
في عُرضِ غيابِكَ ..
توشوِشُني سواقيك ..
كلما رفَّ - في بِكارةِ الصُّبحِ -
جُنحُ حمام ..
النوارسُ المتوجِّعةُ تئن ُّ
في مواويلِ لُماي
تشتكي منها السَّقام ..
يخبرُني وميضُكَ :
أنَّ الموجَ في بحرِكَ اللُّجِّيِّ
لا صديقَ له ..
وأنَّ الزوارقَ في بحورِك الشعريّةِ
-مذ بانَتْ عيناك - هارباتٌ ..
حملْنَ قصائدَكَ ومضيْنَ
إلى القلقِ الأزلي..

وأنا عند سقفِ الكون
أوقفتُ كلَّ تسفارٍ
لأرتحِلَ نحوَ عينيك
أبحثُ عن مرافئي في رحابِك
أستفتي رؤيا مرآتي
فأسمعُ ضجيجَ أقدامِكَ في دمي ..
خطواتُكَ تنهشُ لحمي ..
عيونُكَ تُفسِّخُ الرؤى المجهضَةَ
في حلمي ....
كانت أنواؤُكَ تعوي في فَنائي البعيد .
وكانت نسَماتُكَ تحرِّضُ العواصفَ
فتُلقِمُني أثداءَها
في خابيتين من نبيذ ..
فكم زحفتُ لبراريكَ وصحاريك ..!
أطوفُ بكَ في شوارعِ مدينتي ..
وهواجسي تبوحُ
قسماتِ وجهِكَ للحقول ..
أمدُّ لكَ بساطيَ السحريَّ ...
أصبُّ في مروجِكَ قواريرَ أنوثتي ..
أسكبُها لغةً طريةً نديةً ..
في إناءِ وجدٍ يتقطّرُ بالأرجوان..!
وكم أنهكَني وجهُكَ المتكاثرُ في عيوني ..!
وجهُكَ المتزاحمُ بالورودِ والرّعودِ
والأعذاقِ والأشواق ..
أقتفي أثرَ نكهتِكَ ،
التي تورِقُ في صدري ..
عطورًا وخمورًا وزقزقاتِ طيرٍ
في حِضنِ المغيب ..!!
أيا لهفةً في قاعِ الرّوحِ
تضرمُ مأتمي ،
من يدثِّرُ رعشةً ..
تراتيلُها ابتردَتْ في فمي ..؟!
من يحملُ معي وِزْرَ عشقٍ ..
في ملكوتِ الخفقِ يدمي مِعصمي ..!؟
من يلوِّنُ الصباحَ ..
ليورقَ في أصابعي
كلما نخرَ صدُّك في أعظمي ..؟!
من يزقزقُ في أعطافِ العمرِ
كلما اشتدَّ عودُ حبِّكَ ..
وحطَّتْ ثمارُكَ على ولهي ..
وشاحت قطوفُكَ عن وحشتي وتكتُّمي ..؟!

ألا يا صاحبَ الرّوح ،
هل صبَبْتَ كأسًا
من دنِّكَ العتيقِ ..
فوق ملامحي الجدباءَ ..
وصلبْتَ قصائدَكَ المتعمِّدةَ بالشّموس ..
لتبعثَ في تضاريسي جنينًا ..
لا يؤلمُهُ سؤال ..؟
جنينًا .. لا يحترقُ بزمن مشلولٍ
ماضٍ إلى المحال ..
حتى يغدوَ كوّةً للبكاء .. !!!

سكرة القمر
ثانيا: تحليل النص
جو النص
الشكوى من فراق الحبيب وفراقه عن الحبيبة بعدما نعمت الشاعرة بظلال الحب وشربت أكؤوسه المترعة.
عنوان القصيدة "سورة الماء"
فالماء لا غنى عنه في الحياة كما أن الحبيب قد أصبح في حياة الشاعر ذا أهمية كبيرة لا غنى عنها.
و"يمثل العنوان العبارة المفتاحية للنص، مهما كان النوع الأدبي، سواء كان قصة أو شعراً أو رواية أو مقالة، فالعنوان هو أول ما يفاجئ القارئ، وعليه فإما أن يجذب القارئ أو يبعده، أو يبقيه على الحياد مع نص قد يكون غنياً أو عادياً، إضافة لما في العنوان من دلالات معرفية ذات أبعاد مختلفة الأطياف، تكشف عن ثقافة صاحب النص، وغوصه في المكنون الفكري الذي يستلهمه أو يعيشه أو ينتظره، من الماضي والمعاش إلى الحالة المستقبلية، لذا أولى النقاد مسألة العنوان أهمية كبرى، وكانت له مكانته في الدراسات النقدية النصية.(1)
والعنوان "نظام دلاليٌّ رامز له بنيته السطحية، ومستواه العميق مثله مثل النّص تمامًا" (2)
تقول الشاعرة في مستهل نصِّها:
يا صاحبَ الرّوحِ ،
أرأيتَ كيف تبدّلَتْ أشياؤنا ..
على غفلةٍ منّا ..
حتى عادَتْ كالعُرجونِ القديم..؟!

تستهل الشاعرة نصّها بالأسلوب الإنشائي، ويفيد النداء في قولها "يا صاحبَ الرّوحِ" التحبب والتقرب من الحبيب، وصاحب الروح هو الحبيب بعينه
"أرأيتَ كيف تبدّلَتْ أشياؤنا ..": ويفيد الاستفهام التعجب مما حصل بين الحبيبين من فرقة.
وتوظف الشاعرة خاصية التناص في قولها "كالعرجون القديم"، فهي متأثرة بقوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىظ° عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)[سورة يس 39]
والعرجون هو عذق النخلة الذي يحمل الشماريخ التي تحمل البلح، فهو بطبعه مقوس شيئاً ما، فإذا أصبح قديما وتيبَّس سقطت منه الشماريخ وصار أكثر تقوُّساً، وأصبح اسمها عرجونا قديما لهذا كانت العرب تتخذ منه القوس الذي تُرمى به السهام، فالآية المباركة تُشبِّه هيئة القمر حين يكون هلالاً في أول الشهر وآخره بالعرجون القديم، ووجه الشبه هو التقوُّس الذي يكون عليه القمر في مرحلة الهلال، ويكون عليه عذق النخلة بعد أن يُصبح قديماً .
وهذا التناص من نوع التناص القرآني، فهو ممتد بإيحاءاته وظله على النص الأدبي، لنلمح جزءاً من آية قرآنية، أو عبارة قرآنية أدخلتها الشاعرة في سياق نصها .
"وهذا التناص غير المباشر ينضوي تحته التلميح والتلويح والإيماء، والمجاز والرمز، وهو عملية شعورية يستنتج الأديب من النص المتداخل معه أفكاراً معينة يومئ بها ويرمز إليها في نصه الجديد(3) فيبدو أن العلاقة بين الحبيبين قد تبدّلت وتغيرت بسرعة واقتربت من الفرقة والضياع.
"والتناص هو الذي يَهَبُ النص قيمته ومعناه . ليس فقط؛ لأنه يضع النص ضمن سياق يمكننا من فض مغاليق نظامه الإشاري، ويَهَبُ إشاراته وخريطة علاقاته معناها، ولكن أيضاً؛ لأنه هو الذي يمكننا من طرح مجموعة من التوقعات عندما نواجه نصاً ما، واستجلاب أفق للتلقي نتعامل به معه. وما يلبث هذا النص أن يشبع بعض هذه التوقعات”(4).
فالصورة الشعرية تتمحور في العلاقة التي تبددت ويبست وتقوّست كتقوس العرجون أو عذق النخل الذي يحمل ثمار البلح مثل الحب الذي يبس وتضوَّع ليفقد الشوق والحنين واللوعة، ونستطيع أن نجزم بيقين لا يخالجه شك أو تخامره ريبة أن الصورة الشعرية هي"جوهر الشعر وأداته القادرة على الخلق والابتكار، والتحوير والتعديل لأجزاء الواقع، بل اللغة القادرة على استكناه جوهر التجربة الشعرية وتشكيل موقف الشاعر من الواقع، وفق إدراكه الجمالي الخاص. ولعل مما لا يند عن ذهن أو يغيب عن خاطر أن الصورة الشعرية ليست شيئاً طارئاً، بل وجدت منذ أن وجد الشعر على ظهر البسيطة ولكنها تختلف وتتفاوت بين شاعر وآخر، كما أن ملامح الصورة تتنوع بتنوع اللغات والمجتمعات. وراض الشعر أصحاب الملكات الشعرية، وهم الذين لم يتركوا شيئاً إلا وسددوا إليه سهامهم وأضفوا عليه قبساً من حمم قريحتهم الملتهبة، وخلعوا عليه من أحاسيسهم المرهفة وخيالهم الخصب وميضاً يبدد عتمة الحياة، وميض يمسح الكرى عن الجفون، والقذى عن العيون، ويُبصّر أصحاب الخاطر المكدود الذين يكابدون غصص الحرمان، بمواطن الحسن، ومنازل الجمال، على قلتها وضآلتها حتى يتقلبوا في أعطافها، وينالوا من ألطافها، تلك المواطن التي يمر عليها أصحاب الجفن القريح، والجرح الدامي دون أن ينبسوا ببنت شفة في الإفصاح عنها، فكثير من الأشياء المألوفة تناولها الشعراء فصوروها بأقلامهم تصويراً يجعلنا نحس بجدة هذه الأشياء كلما قرأنا صورهم، وكأن هذه الأشياء المألوفة نعرفها لأول مرة، الأمر الذي قاد النقاد للقول بأن أكثر الصور إمتاعاً هي التي تكون الصورة الشعرية فيها حاضرة في أذهان معظم الناس. و رغم أن المعاني عامة لدى جميع الناس ومنهم الشعراء، ولكن العبرة في مدى قدرة الشاعر على صوغ هذه المعاني في ألفاظ وقدرته على تصويرها." (5)
وتتابع الشاعرة نصّها:
وكفُّ القدرِ تعبثُ بفجِّنا العميق
فزفرنا ولم نشهقْ
وأحرقَنا بأُوارِهِ الشهيق ..
"وكفُّ القدرِ تعبثُ بفجِّنا العميق":
"وكفُّ القدرِ": مجاز مرسل علاقته الجزئية، ذكرت الشاعرة "الكف" وهو الجزء وأرادت الكل "أفعاله" فصورت الكف بإنسان له يد يبطش أو مجاز مرسل علاقته الآلية، وبها..استعارة مكنية أيضا.
"فزفرنا ولم نشهقْ": وفي السطر طباق بين الزفير والشهيق، كناية عن سرعة انقطاع حبل الودّ بين الحبيبين.
"وأحرقَنا بأُوارِهِ الشهيق": والسطران كناية عن التعجب مما حصل بين الحبيبين من فرقة وافتراق.
وفي السطر نرى أن هناك أيضا انزياحاً تركيبياً، فقد قدّمت الشاعرة ما حقّه التأخير وهو شبه الجملة "بأواره" على ما حقه التقديم، وهو الفاعل "الشهيق" . وللشهيق أوار كما للنار.
.. و"يمثل عنصر التقديم والتأخير عاملاً مهماً في إثراء اللغة الشعرية وإغناء التحولات الإسنادية التركيبية في النص الشعري، مما يجعله أكثر حيوية، ويبعث في نفس القارئ الحرص على مداومة النظر في التركيب؛ بغية الوصول إلى الدلالة بل الدلالات. خاصة، إذا علمنا أن الكامنة وراء هذا الاختلاف أو الانتهاك والشذوذ الشعر المعاصر. (6)
وفي عبارات الشاعرة تتوالى الدهشة والتأثير في روع المتلقي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "بفجنا" يتوقع صفة مناسبة ككلمة "النيِّئ" مثلاً، لكنه يتفاجأ بصفة "العميق" .
في عُرضِ غيابِكَ السّخي
أتلو للريحِ سورةَ الماءِ
وعندما يسمع المتلقي عبارة "غيابِكَ السّخي": إذ وصفت الشاعرة غياب المحبوب بالسخي، وهو ليس من طبيعته، وهذا التركيب غير المتوقع خلق فجوة أي تنافرًا دلاليًا، ومسافة توتّر حادة بين الموصوف وصفته.
وفي قولها:
أتلو للريحِ سورةَ الماءِ: انزياحان في التقديم والتأخير وفي أن الريح يُتلى له ويسمع...
وتقول:
وما تيسّرَ من تأجُّجِ أدمعي ..
وبردةُ هجيرِكَ تدثِّرُني بالصقيع
وبأرياشِ الغمام ..
في عُرضِ غيابِكَ ..
توشوِشُني سواقيك ..

كلما رفَّ - في بِكارةِ الصُّبحِ -
جُنحُ حمام ..
وتتوالى الانزياحات والصور الشعرية في المقطع السابق، فالأدمع تتأجّج كتأجج النار، وللهجير بردة يُتَدثَّر بها كما الإنسان، وللغمام أرياش كما المنزل الذي تظهر عليه أثر النعمة، والسواقي توشوش كما الصاحب يوشوش صاحبه...هي انزياحات وصور فنية، وفي السطرين:
وفي السطرين التاليين:
في عُرضِ غيابِكَ ..
توشوِشُني سواقيك ..
انزياح تركيبي يتمثل في التقديم والتأخير، فقد قدّمت الشاعرة ما حقّه التأخير وهو شبه الجملة " في عُرضِ غيابِكَ" على ما حقه التقديم، وهو الفعل والفاعل والمفعول به "توشوِشُني سواقيك " . وكذلك الحال في قول الشاعرة:
كلما رفَّ - في بِكارةِ الصُّبحِ -
جُنحُ حمام ..
فقد قدّمت الشاعرة ما حقّه التأخير وهو شبه الجملة " في بِكارةِ الصُّبحِ" على ما حقه التقديم، وهو الفاعل "جُنحُ حمام" .
" في عُرضِ غيابِكَ " :
ففي هذه العبارة انزياح إضافي، فالمتلقي عندما يسمع كلمة "عرض" يتوقع مضافاً إليه مناسباً ككلمة "البحر" مثلاً، لكنه يتفاجأ بمضاف إليه "غيابك"
فالألفاظ هنا لا تؤدّي معانٍ لغويّة واضحة أو غامضة فحسب. بل هي تؤدي كذلك معاني بيانية؛ فنحن ههنا –إذن- لسنا إزاء ألفاظ دقيقة، لها دلالات دقيقة، وإنما نحن إزاء رموز قاصرة يستعينون على قصورها بالخيال والموسيقا؛ ولكن قصورها لا يغادرها مغادرة تامة، بل تظلّ تسبح في ضبابٍ قليلٍ أو كثير، وهذا ما يجعلها واسعة الدلالة، فالشاعرة هنا تحاول نقل أحاسيسها ومشاعرها التي لا تستطيع ألفاظ اللغة القاصرة أداءها،
والانحراف أو الانزياح، تكمن قيمته، في الألفاظ والتعابير التي تصور حركات النفس الباطنة ومشاعرها وظلالها، وانطلاقاً من ذلك أصبح من الممكن بناء نظريّة نموذج منطقي لأشكال اللغة الشعريّة.‏
والشِّعر الحقيقي ما كان نتيجة لِتَجربة شعوريَّة صادِقة، يحركها تَوَتُّر نفسي مُتَأجج وخلجات نفس متوهجة، وانفعالها ينهض بِمَشهد معين، ولَعَلَّ هذا التَّوَتُّر النفسي أضحى في زماننا أكثر وهجًا، فالشاعرة يؤلِمها ما تراه غياب المحبوب وتغيّبه ومن سُلُوكه أخيرا وهذا يتنافى مع شريعة المتحابين ومبادئهم، فتراها غير راضية ورافضة لهذا الواقع المُؤْلِم والتغيّر الحاصل، من هنا لجأت إلى لغة الانزياح والخرق.
و"إن حداثة النص تتطلب حداثة في التلقي، تماماً مثلما أن حداثة الوعي تتطلب حداثة النص. ومن هنا، فإن لدور المتلقي أهمية كبرى في تحديد درجة الغموض في هذا النص الحداثي أو ذاك. فقد يبدو نصٌّ ما غامضاً. بل مبهماً، بالنسبة إلى متلق ذي وعي تقليدي، وقد يبدو غموضه شفافاً بالنسبة إلى متلق ذي وعي حداثي"(7).
. يتبع