عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-2012, 10:26 PM
المشاركة 505
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رسمت بقلمها الواقع بلا "تجميل"

سحر خليفة: نحن عرب "قُح".. بـ"ملءِ الفم" قالت!


غزه - أسماء صرصور

يا لها من بصمةٍ مميزة تلك التي تتركها المرأةُ في كلِّ مكان..حتى في عالم الأدب..ذاك العالم المختلِف الذي يعبِّر فيه الإنسانُ عن ذاتِه ويعكِس من خلالِه الحياةَ بشكلها العميق.. وأمام عالم الأدب يقف عَالمٌ آخر بكامل خصوصيتِه.. إنه عالم المرأة.. ذاك الذي يدفعُ "بفضولِنا" الصحفيَّ للتعرف على ذاك المنظور النسائي الخاص، لتخرجَ إليكم "مقهى الأدبِ" عن نمطِها المعتاد، وتقدِّم عبر "البريد الإلكتروني" فنجانَ قهوةٍ بصحبة كاتبةٍ فلسطينية وروائيةٍ غير تقليديةٍ.. إنها ابنة نابلس "سحر خليفة"، والتي كرَّست حياتَها للكتابةِ بعد ضياعِ ثلاثة عشر عاماً من سنيّ عمرها في "خيبة الأمل " التي خلَّفها زواجُها.

ولدت "ضيفتنا" في نابلس عام 1941، وتزوجت في سنٍ مبكرةٍ، لكنها تخلصت بعد ذلك من الإحباط الذي عاشته في حياتها، وانتقلت من "عش الزوجية" إلى "عش الدراسة" الجامعية حتى حصلت على شهادة الدكتوراة في "دراسات المرأة والأدب الأمريكي".

وكانت المسيرة الأولى لها في الرواية "لم نعد جواري لكم" عام 1974، والتي أحدثت صدى كبيرًا، ولكنها لم تحظ بالاعتراف الأدبي إلا بعد روايتها الثانية "الصبار" عام 1976، وترجمت معظم رواياتها إلى العبرية والفرنسية والألمانية والهولندية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية والماليزية واليونانية والنرويجية والروسية.

طبيعة الحياة هي الحَكَم
الأدب هو الجمال والحكمة والفهم، وأداة التواصل مع ذاتي ومع الآخرين"، هكذا استهلّت خليفة حديثها، مبينة أن أسس التعامل معه – من وجهة نظرها-هو الالتزام، والانتظام بمواعيد محددة للإنتاج، والصدق في التعبير، والعمل المستمر على تطوير الأدوات الفنية والمعرفية، "فالموهبة وحدها لا تكفي" وفق تعبيرها.

وتتابع حديثها:"بدايات المرأة الأدبية اقترنت بمستوى تعليمها، إذ لا يمكن لامرأة أمية أو متدنية المستوى التعليمي أن تنتج أدباً، فالمرأة الموهوبة والمتعلمة والمُثقفة مثل الرجل سواء بسواء"، لافتةً النظر إلى أن الإنسان حين يشعر بأن لديه شيء يقوله، ولديه القدرة الفنية والأدوات يفعل ذلك، وتضيف: "فالمسألة لا تحتاج لقرار، لأنها تأتي بشكل تلقائي وبدون تخطيط، لكن الاستمرار في الكتابة بحاجة لتخطيط، وتنظيم، والتزام".

وتشير إلى أن لكل امرأةٍ ظروفها الاجتماعية والسياسية والشخصية، فإنتاج المرأة محكومٌ بما تعرف، وبأسلوب الحياة الذي تعيشه، مستدركةً:"لكن باستطاعتِنا المُجازَفة بالقول إن المرأة حاولت أن تعبّر عن واقعها الشخصي والاجتماعي وما تعانيه من تمييز ضد الجنس، وبالنسبة للنساء في العالم الثالث، وبالذات الفلسطينيات، كان للواقع السياسي حيز كبير في أدبها، وأحياناً، يختلط الواقعان: الشخصي والسياسي، بحيث لا نستطيع الفصل بينهما، كما هو الحال في أدبي أنا".

نحن كباقي العرب
"تقولين إن نتاجك الأدبي هو صورة حقيقية مغايرة للتصورات المصطنعة أو الوهمية عن الواقع الفلسطيني، صورة حقيقية بلا هالات، فما المغاير فيه؟"، تجيب: "لطالما قدمنا الشعر الفلسطيني أو العربي في صورة شعب مختلف عن بقية خلق الله سواء من حيث التركيبة الاجتماعية، أو المزايا الخلقية، أو النزعات البطولية الفذة التي خلقها الله بتحيزٍ تام وجعل منا أبطال هذا الزمان والمكان، وأنا حاولت عبر مسيرتي الأدبية الطويلة أن أقول بملء الفم إننا مثل بقية خلق الله، "عرب أقحاح"، بكل ما لدى العرب من بؤس وفقر وتخلف، وأيضاً، قصص بطولة تتحدى الظلم والاستعمار، إلا أن واقعنا المحلي المتردّي، وموازين القوى العالمية المتحيّزة ضدنا على طول الخط، لم تثمر وتعطي بقدر ما قدمناه من تضحيات وضحايا، وهذا يحتم علينا أن ندرس هذا الواقع بشقيه المحلي والعالمي حتى نعرف أسباب الضعف ومؤهلات القوة".

وتكمل:"أنا حاولت، وما زلت أحاول، أن أقدم الواقع الفلسطيني من خلال هذا المنظور، وأقدم نماذجه البشرية بشكل حقيقي، بلا هالاتٍ ولا أوهام ولا تصنع، والناس حين يقرؤون شخصياتي يسارعون إلى وضعها في سياق حقيقي كما لو كانوا يعرفون تلك الشخصيات معرفة حميمية، شخصياتي.. حتى التي جسدتها منذ السبعينيات وما بعد، ما زالت تعيش في مخيلة الكثيرين من القراء".

ثنائية النقاد!
هناك من يرى أن روايات سحر خليفة انعكاس لمأساة مدينتها "نابلس" وشعبها، لكن هي ذاتها لا ترى ذلك، وتقول: "نابلس بالنسبة لي هي المختبر، والمحك العملي الذي أبرهن من خلاله أن الإنسان العربي المتشابه في الوعي والمعرفة والجهل والتخلف والاضطهاد والصراع مع القوى الأجنبية، ومع ذاته هو نفسه، سواء كان مكانه في نابلس أو بيروت أو دمشق أو بغداد أو تونس، فالشخصيات النابعة من حارات نابلس لا تختلف إلا ببعض التفاصيل الثانوية والمحدودة عن الشخصيات النابعة من حارات دمشق أو القاهرة أو المغرب، الإنسان هو الإنسان في كل مكان، ولا يميزه عن غيره سوى عوامل الثقافة والبيئة وظروف العيش بما فيها من بطالة وقمع وتخلف وقوى استعمار واستبداد.. نابلس هي رمز فقط، وهي واقع، وهذا الرمز هو الواقع!".

وتستأنف حديثها بالإشارة إلى الثنائية التي يحصرها النقاد في إطارها: "الرجل/المرأة، الاحتلال/المقاومة"، لتقول: "هل لدينا حقًا نقد أو نقاد؟ فلنكن دقيقين في التعريف، فما لدينا هو نوع من الصحافة النقدية أو الدراسات الأكاديمية، فالدراسات الأكاديمية لا تصل إلى القارئ العادي ولا حتى القارئ المثقف، وتظل محصورةً ومحشورة في أطروحات تناقش في المحافل الجامعية للحصول على شهادة أكاديمية ثم يُلقى بها في مخازن وأرفف المكتبات الجامعية وتموت هناك تحت الغبار".

وتضيف:"أما الصحافة النقدية التي تعتمد على وجهات نظر عاطفية غير مستندة إلى علم أو معرفة بأساليب النقد العلمية الحديثة وكل ما لديها هو التشهير أو المديح العاطفي والحماس غير المبرر، فهذا لا نسميه نقداً بالمعنى العلمي للكلمة، ولماذا حصرَني النقاد بين هاتين الثنائيتين، فلأن هاتين الثنائيتين هما الأسهل للتقييم أو المديح أو التجريح، أما الأبعاد الأخرى التي تتناول البنية الفنية وتطوير الشخصيات وتحليل البنية الاجتماعية النقدية، والثورة على أنماط التعبير التقليدية وجمود الاصطلاحات اللغوية، فهذه أصعب بكثير".

تاريخنا أصل الدَّاء
وتتحدث خليفة عن الدافع الذي جعلها بعد رواية "ربيع حار" التي تدور أحداثها في مرحلة حصار الرئيس عرفات التوجه إلى التاريخ في روايتيها "أصل وفصل" و"حبي الأول"، لافتةً النظر إلى أن الأمور توقفت عند تلك المرحلة ولا شيء جديد، فالحصار كان ولا يزال حصارًا، تماماً كالوضع الفلسطيني الذي يعيش حالةً مستمرة من الجمود والتفسخ، والانقسام أضافَ لعنةً جديدة إلى باقي اللعنات، فماذا أكتب؟ ورجوعي للتاريخ هو لنبش المخبوء وما خجلنا منه وما نسيناه أو تناسيناه، فبرأيي أن أصل الداء هو في التاريخ، ومحاولتي استعادة ذاك التاريخ هو للتذكير بأن أصل الداء ليس أميركا ولا (إسرائيل)، أصل الداء كان فينا، في تربيتنا، في قيمنا، في تركيبتنا الاجتماعية ونظرتنا الخاطئة أو السطحية للأشياء".

وتكمل:"في رواية "أصل وفصل" استحضرت "عز الدين القسام"، وفي "حبي الأول" عبد القادر الحسيني، والآن أستعد لتجسيد "أنطون سعادة"، إنهم من حاولوا القيام بثورات جزئية أو شمولية، بمعنى ثورات ضد الاستعمار أو ثورة تتخطى الاستعمار إلى محاربة الوضع الداخلي وقوى التبعية والرجعية، وفشلوا في تحقيق انتصارات تذكر لأن الوضع الداخلي لم يسعفهم، بل على العكس، أحبطهم وغدر بهم وكسر شوكتهم".

وتوضح الأسباب التي تدفعها للتذكير بهم، فالسبب الأول لوضع اليد على الجرح وتوجيه البوصلة إلى بيت الداء، والسبب الثاني لنتذكر هؤلاء الأبطال ونجعل من قصصهم عبرًا نعتبر منها، وسبب ثالث لا بد من ذكره، حتى يرى أبناء الجيل الجديد الذين يعيشون مرحلة الانحدار والتصحر أن هذا الوطن أنجب لنا رجالاً عظاماً ولم يبخل علينا بمن يستحقون الخلود والاستقرار في ذاكرتنا حتى يكونوا مبعث فخر واعتزاز وكرامة.

وتضيف: "مشروعي الروائي هو رصد تأثير تجربة الاحتلال على المجتمع الفلسطيني في تحولاته المختلفة، وبالتالي فإن رواياتي هي حكاية مجتمع بأسره، وهو مجتمع مليء بالقصص وكثير من الهزات والتحولات والظواهر القابلة للاستنتاجات التي يمكن تعميمها على مجتمعات عربية بأكملها"، متابعة: "من المؤكد أننا لا نستطيع أن نفصل بين هواجس الروائي وحياته وانطباعاته والأدب الذي يكتبه، ذلك لأن الأدب بالضرورة أداة تعبير عن الحياة وتجاربها، فبالنسبة لي لا أستطيع الكتابة عن أميركا اللاتينية، حتى لو تسنى لي ذلك، لأن المكان ليس مكاني، والمجتمع ليس مجتمعي، والأحداث ليست ملكي".

"إذًا هل أنت راضية عن نتاجك؟!"..كان ردها:"راضيةٌ وغير راضية، راضيةٌ عن نفسي لأني اتخذت القرار الصحيح في الوقت المناسب، واتخذت قرارًا بأن أصبح كاتبة تعكس حياة الناس وهمومهم، وأن تقول الصدق ولو على قطع رقبتها، لكن ما زلت أطمح للمزيد، وبإنتاج الرواية الصعبة التي تصل إلى كل قارئ عربي فتهز كيانه، وإلى كل أجنبي فتهز عقله ومواقفه وضميره".

المصدر: صحيفة فلسطين