عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2015, 11:35 PM
المشاركة 14
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الإسلام دين متكامل كمبادئ عامة ، و الثقافة الغربية متناغمة إلى حد بعيد كأسس للحياة الكريمة . فالإسلام كمنهاج نظري متكامل ، و المسلمون متخلفون جدا في ابتكار آليات التنزيل ، التي فلح الغرب في ابتكارها وتأسيسها . وتنزيلها على الوجه الأمثل و رغم ذلك لا زالوا يبحثون عن أساليب التطوير ، أما نحن فقد اكتفينا بالمبادئ العامة نجترها دون أن نتزحزح قيد أنملة في آليات التنزيل .

سنأخذ أمثلة عينية ، عندما سألتك من يفتي لم تتردد في القول العالم التقي الورع العارف بأمور الدين ، وجاء على لسانك هكذا بسرعة ، وأعتقد اعتقادا جازما أن هذا نابع من نظرتنا العامة إلى الأمور ، نحن لازلنا في زمن نعتبر فيه الفرد قادرا على حل كل المعضلات و هذا زمن متجاوز كلية أستاذي الكريم ، و هذه هي ذهنية التخلف بالتمام والكمال ، لا يوجد على الأرض شخص قادر على الإفتاء اليوم و أظن أن هذه المسألة ستصدمك كثيرا . لو أخذنا مثال الطّب الذي هو علم من العلوم ، فالأطباء فيه كل واختصاصه ، فلا يمكن لطبيب العيون أن يداوي الأنف أو أمراض الجهاز الهضمي .... فأول مفتاح للاقدام على الفتوى هو التخصص ، فلا يفتي الفقيه في مجال لا يعرفه و نحن نعلم علم اليقين مدى الأنانية التي يحس بها علماؤنا و عدم قدرتهم على قول لا أعلم ، بل من هب ودب يفتي في كل شيء ، ثم أضف إلى ذلك ، الاختراع والابتكار في الطب لم يعد من اختصاص الفرد ، بل دائما نجد فريقا تابعا لمؤسسة ، وهنا ضع تحت المؤسسة أكثر من خط ، فالابداع و الابتكار هو نابع من مؤسسة ، فكذلك الافتاء ، لو أردنا تحويله إلى علم الافتاء ، يبتكر الحلول الحقيقية ، فلابد أن يسند إلى مؤسسات ، ولو كنا في مرتبة الدول الغربية حضاريا لما أنصتنا بعد إلى المفتي المتسرع يقول رأيه فنعتبره قانونا نسير على منواله . فكل الفتاوى التي تصدر من الأشخاص هي مجرد آراء لأنها لا تخضع للعلمية . فما هي العلمية في الفتوى .

الشخص الذي ينتمي إلى هيئة الإفتاء يجب أن يكون عارفا ليس فقط بأمور الدين بل بأمور الدنيا أيضا ، فالفتوى لها مضاعفات على السياسة على الاقتصاد على سلوك الأفراد على مصير الأمة عامة ، فلا يمكن أن تصدر الفتوى دون دراسة الظاهرة التي سيفتي فيها الشخص من جميع النواحي ، الجانب النفسي ، الاجتماعي ، الاقتصادي .... وهذا لن يقوم به عالم واحد وربما ما سمع يوما بعلم النفس أو علم الاجتماع أو يستطيع أن ينجز دراسة علمية في هذه الميادين ، فليست الأمور بهذه البساطة التي نتصورها ، وسبق أن قلت لا يمكن أن نقول أن الإسلام منهج متكامل فقط ، فنطمئن إلى جهلنا وتخلفنا .

سأعطيك مثالا واضحا ، وعمليا أكثر ، في إطار الشراكات التي تبرمها جمعيات تنومية محلية في بلدان العالم الاسلامي مع جمعيات "الإتحاد الأوربي" و تساهم فيها الجمعيات الأوربية ماديا بتوفير بعض الآليات أو تتبنى كلفة المشروع كلية أو تساهم فيه ، فعندما يأتي هؤلاء أول عمل يقومون به هو دراسة جدوى المشروع ، ثم الترويج للمشروع حتى يتبناه الأفراد ، ثم انجاز المشروع وتكوين الأشخاص الذين سيسيرونه ، ثم بعد ذلك تتبع المشروع بعد الإنجاز . لنأخذ مثالا في هذا .

قرية صغيرة تريد تدبير نفاياتها ، رغم أننا مجتمع تعتبر فيه الطهارة شطر الإيمان ، فمشكلتنا أن الطهارة مقتصرة عندنا في الوضوء لا أكثر ، بينما طهارة المكان وتدبير النفايات قضية ثانوية ، رغم ما يوجد في أدبياتنا الإسلامية من نصوص تعالج البيئة والرفق بالحيوان و الحفاظ على الطبيعة وغيرها ، لكن لا نملك الثقافة اللازمة و الميكانيزمات لتنفيد هذا المقصد الشريف ، و لذلك نبقى مجرد بدائيين ، فلإنجاز مشروع كهذا يقف الأوروبيون على المشروع ودراسته ، ويروجون له بمساعدة الأطر المحلية ، ثم في الغالب يتكفلون بإحضار الآليات و بناء المطارح ، و من ثم يسهرون على تلقين الجمعيات كيفية التعامل مع النفايات ، و النفايات القابلة منها لإعادة الاستعمال و التي سيتم حرقها وغيرها من الأدبيات، و يرسلون أساتذة متخصصين في مجالات التواصل و كيفة إدارة الاختلافات بالإضافة إلى المتخصصين في المجال المحدد الذي تشمله .

فهنا تنقل مجتمعا من طريقة بدائية في التعامل والسلوك إلى طريقة حضارية . تعلم شخصا كيف يرتقي من التقليدية إلى الحضارة ، تنقل الإنسان من ثقافة تقليدية إلى ثقافة حضارية .
الثقافة الغربية ليست كلها شرا . بل لم نصل بعد حتى إلى أجزاء في المئة مما وصولوا إليه ثقافيا .