عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 01:30 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الورقة الرابعة ..

دور العثمانيين فى إنشاء المشروع الصهيونى


من السلطان عبد المجيد صاحب عقد اتفاقية 1840 م حتى السلطان عبد الحميد كان للخلافة العثمانية دورا رئيسيا فى تنفيذ المشروع الصهيونى ..
والسلطان عبد الحميد كان له الدور الأوثق فى كارثة فلسطين .. كما تبين من خلال الوثائق المنشورة وكانت تضم محاضر جلسات ويوميات لأبطال تلك الفترة من قادة المشروع الصهيونى بفلسطين
وما بين السلطان عبد المجيد والسلطان عبد الحميد كان هناك السلطان العزيز والسلطان مراد وما بين الأربعة دارت الرحى ..
لكن اللاعبان الأساسيان فيها كانا عبد المجيد وعبد الحميد
فالسلطان عبد المجيد هو الذى استنجد بأوربا على محمد علىّ وأتم اتفاقية 1840 م
بعد أن وصلت جيوش إبراهيم باشا إلى الأراضي التركية وهددت العاصمة .. وفى عهده تم بث البذرة فى اتفاقيات إنشاء الوطن القومى لليهود باعتباره سيخدم مصالح السلطان وحلفائه فى فصل مصر عن الشام نهائيا بشكل لا يمكن معه توقع احتمال اتحادهما فى دولة واحدة تهدد تلك المصالح
وقد كان أطراف الإتفاق ..
السلطان والحاشية ـ رئيس الوزراء البريطانى بالمرستون الذى أقنع السلطان عبد المجيد بأهمية تدفق الهجرات اليهودية وكان هذا الأمر يسبب قلقا للسلطان ـ ليس من قبيل الوطنية بل من خشيته فضح الأمر ـ ولكن بالمرستون والقيادات اليهودية الممولة للمشروع برياسة الإمبراطور المالى البريطانى روتشيلد تمكنوا من قهر العناصر المعارض فى حاشية السلطان واستغلوا أن عودة القيادة العثمانية للشام كانت عودة مرهقة وضعيفة عقب الاشتباكات مع محمد علىّ
ومضت الخطوات سريعا
وقام بالمرستون بإصدار منشور سري لقناصلة بريطانيا فى كل من دمشق وحلب والقدس وبيروت وحيفا موجود بنصه فى الجزء الأول من سلسلة " المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل " لمحمد حسنين هيكل فى الصفحة ( 56 ـ 57 ) وملخص توجيهات بالمرستون كانت كالتالى
إعلان قبول يهود العالم للحماية الإنجليزية ( ولا أحد يعرف متى تم أو كيف حدث هذا )
نداء لليهود بالتوجه للحكومة البريطانية فى مسألة تسهيل عودتهم لوطنهم القومى الجديد
واستمرت المخططات سائرة أيضا فى عهد رؤساء الوزارة البريطانية بعد بالمرستون حيث تولاها كل من جلادستون ودزرائيلي وكليهما صهيونى .. فالأول صهيونى مسيحى والثانى صهيونى يهودى .. كما تتابعت الخطط واستقرت واتخذت شكل التنفيذ الفعلى بعد مؤتمر بازل بسويسرا والذى قاده تيودور هيرتزل


دور السلطان عبد الحميد


وهناك الكثير من المثقفين والكتاب لا سيما بالمجال الدعوى من يعتنقون فكرة بطولة السلطان عبد الحميد الثانى ووقوفه فى مواجهة الخطط الإستعمارية لبريطانيا والحركة الصهيونية وليس هناك مصدر لهذه المعلومات إلا مذكرات السلطان عبد الحميد وهى بالطبع مذكرات لا يعتد بها .. ويأتى هذا التصديق لتلك المذكرات من منطلق التعاطف مع آخر تجارب الخلافة إلا أن الوقائع على الأرض والوثائق الرسمية التى ظهرت خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تكذب هذا بالطبع
لأن ما تم تحقيقه من المشروع الصهيونى على الأرض فى عهد السلطان عبد الحميد يكشف الدور فى وضوح ساطع

فبداية ..
ينبغي أن ندرك كيف تختلف المذكرات الشخصية للقادة والسياسيين فى عالمنا عن مثيلاتها فى الغرب
ففي عالمنا العربي والإسلامي تعد المذكرات الشخصية عبارة عن بوابة عريضة لصنع البطولات الزائفة لصاحبها بعيدا عن أى معيار تاريخى أو حتى منطقي يحكم الروايات التى ترد بهذه المذكرات وتنافي الوقائع الكائنة فعلا
على نحو يدفعنا للتساؤل عن سبب التراجع الإسلامى والعربي ما دامت الحقائق كانت كما رواها هؤلاء القادة وتبين لنا أن تاريخنا الحديث والمعاصر حفل بعدد من الأبطال لم يتوافر للعصور السالفة فى حضارتها الإسلامية الكبري ؟!

أما المذكرات واليوميات التى يكتبها قادة الغرب فتختلف فى مصداقيتها عن مذكرات عالمنا .. وهذا يرجع إلى عدة أسباب ..
الأول ..
وجود مبدأ التوثيق فى الأعمال السياسية الغربية مهما كانت بساطتها فكل تصرف حكومى وكل مقابلة أو تفاوض تم بين أحد قادة الغرب أو مسئوليه مع أى مسئول آخر أجنبي أو وطنى يتم توثيقه فور
ا ولا يسمح بتعديله بحيث يعتبر المرجعية اللازمة لتاريخ الغرب المعاصر ..
ولذلك فهناك مدة معينة تحكم مسألة الإفراج عن تلك الوثائق والسماح بتداولها نظرا لأنها تسجل بدقة تفاصيل تمس الأمن القومى ويتعين إخفاؤها حتى تنجلى خطورة إعلانها وهناك من الوثائق ما لا يسمح بإعلانه مطلقا كاستثناء نادر عن القاعدة وهو الأمر الذى لا نراه فى عالمنا العربي إلا بشكل جزئي وفيما يخص الأعمال السياسية المعلنة أو التى لا تخص اتفاقيات سرية فتلك النوعية لا يتم بأى حال من الأحوال توثيق شيئ منها وإن تم فهى قيد السرية المطلقة ما لم تعلن فى ظروف غير عادية كأن يتغير النظام السياسي فى الدولة أو ما شابه فتنكشف تلك الوثائق
ثانيا ..
لا يكتب السياسيون الغربيون مذكراتهم بالطريقة التى يكتب بها الشرقيون ..
ففي الغرب عادة أصيلة تحكم الأغلب الأعم من الشخصيات العامة
حيث يقوم كل مسئول بكتابة يومياته بشكل منتظم كل يوم وبالتالى تكون تلك المذكرات على أعلى درجة من الدقة ..
بينما فى عالمنا يختلف الأمر حيث يلجأ السياسيون عندنا لكتابة مذكراتهم بعد أن ينهى كل منهم حياته وتجربته السياسية بالفعل ولذا تأتى المذكرات غير دقيقة نتيجة للمدة الطويلة التى تتم معالجتها فيها بالإضافة ـ وهو الأهم ـ أن الوقائع المذكورة فى المذكرات لا تعتمد على الحقائق بل تعتمد على المواقف الأخيرة التى اتخذها السياسي لنفسه فتكون الأحكام والروايات مصاغة تحت هذا القيد بغض النظر عن الحقائق
ولهذا نجد التضارب رهيبا بين مذكرات قادة العهد الواحد
كما حدث مثلا فى مذكرات قادة يوليو فى مصر فثورة يوليو لها ـ طبقا لتلك المذكرات ـ عدد من روايات الأحداث والتفاصيل بعدد أصحاب المذكرات كل منهم أظهر نفسه على أنه البطل المحورى للأحداث وأنه تعرض للخيانة والإبعاد من زملائه على نحو ما رأينا فى المذكرات الشخصية لكل من أنور السادات وخالد محيي الدين وحسين الشافعى وجمال حماد ومحمد نجيب وصلاح نصر وعلى صبري وبعض مذكرات السياسيين والصحفيين من حولهم مثل مذكرات أحمد بهاء الدين وجلال الحمامصي وأحمد حمروش ومصطفي أمين وغيرهم عشرات

مما سبق يتضح لنا أن مذكرات قادة الغرب محكومة بيوميات مسجلة بشكل منتظم بالإضافة لعدم قدرة هؤلاء القادة على تغيير الأحداث والحقائق نظرا لوجود الوثائق التى تمثل المرجعية الكاشفة ..
ولذا لا يستطيع أى سياسي غربي أن يزيف أى واقعة مهما كانت بساطتها لأنها ستنكشف آجلا أم عاجلا ويكون الحل الوحيد أمامه عدم نشر المذكرات
ولن يعنى هذا غياب الحقيقة للأبد لأن الوثائق ستخرج إلى النور بمضي مدة الحجب ولهذا وجدنا الوثائق الغربية تفصح عن أسرار بالغة الخطورة تمس علاقات دول حليفة .. وبالرغم من ذلك لم تستطع الحكومات منع نشرها مثل واقعة تدخل المخابرات البريطانية بأوامر مباشرة من وينستون تشرشل رئيس وزارء الحرب فى الحرب العالمية الثانية لكى تخدع اليابانيين بتسريب معلومات مضللة عن نية الأسطول الأمريكى فى مهاجمة الجزر اليابانية
فما كان من اليابان إلا أن قامت بضرب الأسطول الأمريكى فى بيرل هابر فى أكبر كارثة شهدها الجيش الأمريكى فى تاريخه مما أدرى بروزفلت لحسم التردد واختيار قرار الحرب والدخول الفعلى إلى جانب الحلفاء وهو ما كان يسعى إليه البريطانيون من البداية لإقناع الأمريكان به وفشلوا حتى نفذ جهاز المخابرات تلك العملية
بينما فى العالم العربي والإسلامي لا توجد وثائق فى الأصل لأى وقائع سرية جرت فى تاريخ المنطقة ـ وما أكثرها ـ وكان السبيل الكاشف الوحيد الذى تمكن الباحثون عن طريقه من كشف تلك الأحداث هو الوثائق الأجنبية التى تم الإفراج عنها وهذا بالطبع فى مجال الحوادث التى جرت ببطولة الطرفين ..

مثال ذلك الدور العربي المناوئ فى حرب فلسطين و فضيحة إيران كونترا وبعض أسرار حرب النكسة وأكتوبر 1973 فيما يخص بعض الممارسات العربية وأيضا حقيقة منظمة الفرانكفونية وأسرار ووقائع حرب الخليج الأولى والثانية ..
ومؤخرا مذكرات أحد القادة العسكريين الأمريكيين التى أفصحت عن دور عدد من الرؤساء العرب فى الإلحاح على إعدام صدام حسين بعد إحتلال العراق عام 2003 م

أما الأحداث التى كانت قاصرة على السياسة العربية وحدها فلا تزال مغيبة فى أكثرها فيما عدا تلك الوقائع المحدودة التى أفصح عنها شهودها بأدلة مقبولة وخرجت بغرض الإنتقام بين أطرافها وهى نادرة فى الغالب .. فيما عدا ذلك فلا زال العالم العربي يتخبط حيرة فى صدد عشرات الحقائق الغائبة عن وقائع تاريخية لا زالت تمثل ألغازا تفوق فى غموضها لغز مثلث برمودا ..
ومن أمثال تلك الغوامض قضية الأسلحة الفاسدة بالجيش المصري فى حرب 1948 م وتفاصيل تلك الحرب كلها و أسرار الإنقلابات فى سوريا .. و دور المنظمات الفلسطينية فى خدمة بعض أغراض السياسة العربية بأسلوب الإغتيال والإرهاب وغيرها وظروف الإتفاقيات السرية التى تمت الجانبين العربي والإسرائيلي عبر أربعين عاما

وما ينطبق على المذكرات ينطبق على كتب التاريخ فى العالم الغربي والعالم العربي .. فالفارق شاسع بالطبع
فما يتم كتابته فى الغرب يكتسب قيمته من جهد الباحث فى التنقيب فلا يضع تحليلا لواقعة تاريخية ما لم يورد الواقعة ذاتها منسوبة لوثيقة مرقمة ومحفوظة فى جهات رسمية وحكومية أو شهادات من معاصريها وإلا يتم رفض الكتاب وما يحتويه
أما فى العالم العربي فالباحثون بذلوا قصاري جهدهم فى التنقيب ولم يمكنهم حسم العديد من الروايات المختلفة للواقعة الواحدة ولم يسعفهم إلا الوثائق الغربية التى عالجت الجانب السياسي العربي فى بعض فتراته

وبالعودة إلى واقع الحال يتبين لنا تناقض الأحداث التى وردت فى مذكرات السلطان عبد الحميد وبين الواقع الفعلى حيث تولى السلطان عبد الحميد الخلافة عام 1876 م وقبل أن يمضي عام واحد بدأت خطوط الإتصالات بينه وبين البريطانيين من جهة وبينه وبين قادة الصهيونية مباشرة من جهة أخرى وكان شرطه الذى أكد عليه ـ كما هى عادة قادة عالمنا ـ السرية الكاملة فى تلك الإتصالات وعدم البوح بها أو التعرض لها إعلاميا

وفى نفس الوقت الذى يمضي فيه المتآمرون فى خطتهم يكون الخطاب الإعلامى للسلطان فى الجانب الآخر تماما وهى سياسة إعلامية كان للسلطان عبد الحميد السبق فيها حيث انتهجها بعده سائر الرؤساء والأمراء والملوك العرب فيما يخص السياسة الخارجية فالخطاب الجماهيري شيئ .. وما خلف الستار والواقع الفعلى شيئ آخر تماما

وقد ظهرت أبرز وجوه هذا الأسلوب فى عدد كبير من الأمثلة كان آخرها ما تم كشفه عن خلفيات مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة فى عرفات وأبو مازن وبين إسرائيل ممثلة فى اسحق رابين وشيمون بيريز برعاية النرويج والولايات المتحدة .. حيث اتفق الطرفان على فترة سماح تعقب الإتفاقية يكون فيها للفلسطينيين الحق فى انتهاج خطاب إعلامي هجومى على إسرائيل يختلف إختلافا تاما بطبيعة الحال عن واقع ما أسسته الإتفاقيات وهذا للحفاظ على ماء الوجه أمام الشعوب
التى فوجئت بموقف قادة منظمة التحرير وهو ينقلب من النقيض إلى النقيض فى شهور معدودة وفوجئوا أيضا بأنها أقرت ما ظلت خمسين عاما تعتبره خيانة للقضية وللأمة العربية مثل الإعتراف بوجود الدولة اليهودية وحقها والإعتراف بقرار مجلس الأمن 242 الذى أقسم عرفات سابقا أنه سيقطع يده قبل أن يوقع عليه كما تم إسقاط الدستور الفلسطينى بأكمله وتغييره نظرا لاحتوائه على عبارات إنكار حق إسرائيل فى الوجود والمناداة بالجهاد المتصل ..
وكان مبعث الإنكار الشعبي هو السؤال المنطقي عن جدوى الممانعة فى التفاوض طيلة خمسة وعشرين عاما منذ رفض الفلسطينيين للدخول طرفا فى إتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس السادات وقبولهم بنفس الشروط عام 1995 م فضلا على أن المقابل كان فى أيام السادات أكبر بكثير مما وعد الإسرائيليون به ولم ينفذوا منه بندا واحدا
وبالفعل ظهر عرفات نافيا أن تكون الإتفاقيات معناها أن العداء قد انتهى وأن النضال قد توقف وما إلى ذلك من كلمات الإستهلاك المحلى فى نفس الوقت الذى قام فيه شيمون بيريز بلفت نظر الرئيس الأمريكى بيل كلينتون إلى أن عرفات تجاوز الإتفاق فى فترة الحياد الإعلامى وتعدى الخط الأحمر فى خطابه لشعبه وأن هذا يدفع الحكومة الإسرائيلية للحرج الشديد أمام الكنيست الذى يجد فى نصوص الإتفاقية أشياء ويجد نقيضها فى خطاب عرفات !

غاية القول أن هذا الأسلوب الذى يرجع فضله للسلطان عبد الحميد هو الأسلوب الذى يحكم السياسة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي بالذات فى الإتصالات السرية بين العرب وإسرائيل حيث جرت العادة على قبول إسرائيل وتفهمها لمسلك القادة العرب فى شأن الخطاب العدائي المناقض لإتفاقيات الداخل بينهم
وفى نفس الوقت الذى يؤكد فيه السلطان عبد الحميد بمذكراته أنه تصدى للخطط الصهيونية تكشف الوثائق الغربية ما تم الإتفاق عليه وواكبه التنفيذ الفعلى فور إعتلاء السلطان عبد الحميد لعرش السلطنة

ففي عام 1977 م وعلى إثر اتفاق السلطان مع البريطانيين تم فتح باب الهجرة على أوسع أبوابه أمام اليهود ليصبح عدد اليهود فى فلسطين وحدها أربعة وعشرين ألفا بعد أن كان قبل عام واحد فقط هو عام توليه السلطنة أقل من ثمانية آلاف يهودى
وأيضا وعلى خلفية نفس الإتفاق فى نفس العام ظهرت أولى المستعمرات اليهودية على الإطلاق وهو الأمر الذى لم يجرؤ سلطان عثمانى قبل عبد الحميد أن يعطى الإذن به حيث قام المليونير البريطانى البارون روتشيلد بتمويل صفقة إنشاء أولى مستعمرات اليهود وهى مستعمرة ( بتاح كفاه ) على مساحة رهيبة بلغت 2275 فدانا

وفى نفس الوقت أيضا حصلت بريطانيا على إذن السلطان بالسماح لقواتها بالنزول فى قبرص لمراقبة ما يجرى فى سواحل الشام خوفا من أى تطورات أو مصادمات وسمح لها السلطان بذلك
كما أن بريطانيا حصلت من السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى على منشور بمرسوم سلطانى صدر عام 1882 م يعلن فيه السلطان عصيان أحمد عرابي باشا ويطالب الشعب المصري بنبذه لمخالفته أوامر خديو مصر توفيق باشا ..
وعلى إثر هذا المرسوم قامت بريطانيا بالتدخل العسكري متذرعة بنجدة رعاياها ونجدة الخديو الشرعي للبلاد وقامت بإحتلال مصر فى ضربة جاءت فى توقيتها المثالى حتى يبتعد المصريون تماما عن أى شعور بالأحداث الجارية على قدم وساق بفلسطين بعد إنشغالهم بقضية بلادهم التى تطورت من قضية الخلاص من ديكتاتورية الخديو إلى قضية الإستقلال

أما أخطر ما تم بخصوص المشروع الصهيونى فى عهد السلطان عبد الحميد
هو حصول أسرة روتشيلد وشركائها من بيوت المال اليهودية على إذن السلطان بتنظيم الهجرات الجماعية مصاحبة لإنشاء المستعمرات الكافية لهم على أرض فلسطين
فتم إنشاء المستعمرات اليهودية على نوعين ..
الأول ..
نوع عملاق تتراوح مساحة المستعمرة الواحدة منها بين 250 فدانا إلى 4000 فدان ويبلغ عدد هذه المستعمرات 20 مستعمرة بلغت مساحتها الإجمالية 24000 فدان .. وتعد أصغر مستعمرة منها هى مستعمرة ( بن شيمن ) على مساحة 250 فدانا وأكبرها مستعمرة ( روش بينا ) وبلغت مساحتها 3800 فدان تقريبا

الثانى ..
وهى مستعمرات صغري تتراوح مساحتها بين 50 و200 فدانا ويبلغ عددها العشرات

ثم تزايدت الأمور تورطا
عندما قام الساسة البريطانيون وغيرهم من المنتمين للمشروع الصهيونى بطرق أبواب السلطنة بطلبات أخرى وتنازلات أشد وكان من هؤلاء الساسة والمفكرين ( موزس هيس ) صاحب كتاب روما والقدس .. وأيضا ليو ينسكر صاحب كتاب التحرر الذاتى ثم ( توماس كلارك ) صاحب كتاب الهند وفلسطين ..
وكان أخطرهم( إدراود لودفيج ميدفورد ) الذى دعا السياسة البريطانية للضغط أكثر على السلطان العثمانى ليقوم بتهجير السكان المحمديين ( هكذا سماهم فى مشروعه ) إلى الأراضي الواسعة الخالية فى شمال العراق ليتم إفساح المجال أكثر أمام المستوطنات التى تتسع كل يوم وأمام دفعات المهاجرين التى تتدفق بالآلاف تنفيذا للمشروع

وعندما بلغ الحلم كيانه الفعلى على أرض الواقع
بدأت الإتصالات المباشرة بين السلطان عبد الحميد الثانى وبين تيودور هيرتزل قائد الحركة الصهيونية الظاهر ونرى فى يومياته التى سجلها كيف سارت المفاوضات بينه وبين السلطان وحاشيته وعلى رأسهم جاويد بيك ..
حيث ذكر تيودور هيرتزل فى مذكراته بتاريخ 15 يونيو 1896 ما نصه
( سوف نقدم للسلطان 20 مليون جنيه إسترلينى منها مليونان ثمنا لفلسطين كلها وثمانية عشر مليونا لمساعدة السلطنة فى التخلص من الديون الأوربية )

ثم يذكر فى يومياته بعد تلك الفترة بشهرين ما توصل إليه من نتيجة لعرضه فيقول
( التقيت اليوم مع جاويد بيك بن الصدر الأعظم خليل رفعت باشا ورتبت الأمور معه ! .. جاويد بيك مستعد لتفهم مشروعنا لكنه قلق بخصوص الأماكن المقدسة التى يجب أن تظل تحت الإدارة التركية حال قيام الدولة اليهودية .. ثم سألنى جاويد بيك عن شكل العلاقة بين الدولة اليهودية وبين دولة الخلافة فأخبرته أننا لا نفكر فى الإستقلال ولكننا نطمح فى نوع من العلاقة مع دولة الخلافة كتلك التى بين مصر وبينها )

ويغادر هيرتزل إسطنبول بعد عدة شهور بعد أن أتم الإتفاق فيقول فى يومياته
( أبلغونى أن السلطان أخذ علما بمشروعى لكنه يعارض فكرة بيع فلسطين لليهود وفهمت أنه يريد عقد الإتفاق بصيغة مناسبة لإنقاذ ماء الوجه ! ..
فبعثت برسالة قلت فيها أن جماعتنا تعرض على جلالته قرضا بعشرين مليون جنيه إسترلينى
وفى نظير ذلك يسمح السلطان لليهود بالمميزات التالية
يصدر جلالته دعوة كريمة لليهود بأن يعودوا إلى أرض آبائهم ! والدعوة من السلطان ستكون لها قوة القانون
• يمنح اليهود الإستقلال الذاتى المعروف فى القانون الدولى !
• تجرى فى إسطنبول مفاوضات حول الشكل الذى تحقق به حماية السلطان لفلسطين اليهودية