عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 01:27 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الورقة الثالثة ..


بدء عهد النوم الطويل


يظن الكثيرون أن الخمول العربي الذى لا زلنا نعيشه اليوم وضياع هيبة العرب بين الأمم إنما هو امتداد طويل لغفوة المغول عندما أسقطوا الخلافة العباسية .. وأنه منذ ذلك العهد ضاعت الوحدة العربية والحس القومى الإسلامى الذى قامت عليه ..
وهذا خطأ فادح فضلا على أنه جهل بالتاريخ والحقائق .. ليس مجرد عدم إدراك لحقائق دقيقة خافية .. بل هو جهل بما هو منشور ومعلن ومتردد !!
فالحقائق التاريخية المعنية كاد أساتذة التاريخ والسياسة يصابون بالشلل وهم يلفتون النظر إليها داعين أولى الأمر إلى تأمل نوايا الأعداء التى لم تصبح نوايا بل أعلنت عن نفسها فى وثائق ومذكراj ساستهم وزعمائهم على نحو يقطع المجال أم أى شك فى أن الغرب من المستحيل السعى وراء سياساته المعلنة وتصديقها مهما تزيت بزى البراءة ,
ولذلك موضع آخر فى تلك اليوميات ..

أما ما سيتم تناوله فى يومية بدء السبات فهى إلقاء الضوء على أوجه وأشكال القوة العربية التى نالت من القوة ما لا يستهان به ولا يمكن القول معها بأن الحضارة والإتحاد العربي انتهى منذ إنهيار الدولة العباسية وإستكمال ما بدأناه فى الفصل السابق حول دولة محمد على
فعندما داهم التتار البلاد الإسلامية وتملكوا خراسان وما بعدها وطرقوا أبواب الخلافة العباسية ببغداد وبالرشوة المعروفة لأحد وزراء العباسيين تمكن المغول من اقتحام العراق معقل الخلافة وفعلوا بها الأفاعيل وكان أشدها أثرا تدمير المكتبات العملاقة التى ظلت تزخر وتكتنز علوم الحضارة الإسلامية منذ عهد هارون الرشيد الذى أسس بيت الحكمة
ثم واصلت جيوش التتر اقتحام البلدان حتى حدود مصر التى كانت تعانى ساعتها صراعا على السلطة تصدى له المظفر سيف الدين قطز وخلع الخليفة الطفل وتولى ولاية وأخذ فى تعبئة مصر للمعركة الكبري
وتعبئة مصر كلمة فى مكانها تماما فسيف الدين قطز لم يعنى بتجهيز الجيوش فقط بل كان أول من حشد الجيش والشعب معا منفذا أعلى أسلوب استراتيجى للمعارك الكبري ويروى المؤرخون أن التعبئة التى تمت من على منابر المساجد وألسنة أولى الأمر جعلت الشعب كله يقف صفا واحدا خلف قيادته وجنوده إلى درجة أن اللصوص توقفوا عن السرقة وكل ذى شر طوى عن الناس شره
وهو الأمر الذى أطاح بأى فرصة لأمراء المماليك من منافسي قطز للتأليب إليه واضطروا للخروج معه صاغرين فى موقعة عين جالوت والتى كانت هزيمة المغول فيها ساحقة ثم تولى مصر بعدها الظاهر بيبرس الذى أتم وأسس للشرعية العربية عندما تتبع فلول المغول حتى أجلاهم وظل منهم من أسلم لله وهم خلق كثير كما تمكن الظاهر بيبرس من درء خطر الصليبيين الذى تجدد ..
واستكمل بيبرس منجزاته عندما بحث عن من يسد مكان الخلافة فوجد ضالته فى أحد المنتمين للنسب العباسي فدعاه خليفة وعادت الدولة العربية قوية منطلقة من مصر التى انتقل إليها مجرى الحوادث خلال تلك الفترة وحتى نهاية دولة المماليك على يد الجيوش العثمانية ,,

وجاء عصر الخلافة العثمانية التى بدأت مزدهرة وقوية للغاية منذ عهد المؤسس عثمان ارطغرل ودخلت أوربا لتعيد نشر السطوة والسلطنة الإسلامية للخلافة فى أوج قوتها ,
وكانت التأثيرا الإيجابية لنشأة الخلافة العثمانية أنها فتحت أوربا وتوسعت فيها وقهرت الغرب الذى ما فتأ يحارب بحروبه الصليبية فى بلاد الشرق المسلم , بمعنى أصح أنها أنهت عهد الحملات الصليبية وتمكنت من رد الثأر المستحق لفظائع الغرب فى بلاد الإسلام
وكانت أقوى فترات الخلافة بعد تمكن السلطان محمد الفاتح من فتح العاصمة الرومانية القسطنطينية ثم بلغت الدولة أقصي اتساعها فى عهد سليمان القانونى ..


ولكن كعادة التاريخ ورغم أن الخلافة العثمانية استمرت ستة قرون إلا أن قوتها الحقيقية استمرت لأربع قرون فقط , بعدها اعترتها عوامل الضعف والإنشقاق والأطماع
وفى تلك الفترة من القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر تمكن الأوربيون من غزو العثمانيين فكريا , ونجحوا فى هدم تمسكهم الفولاذى بالحضارة الإسلامية وشريعتها وسيطروا شيئا فشيئا على البلاط الحاكم , حتى ظهر الفرنسيون وعهد نابليون , الذى تزامن بعد فشل الحملة وقهره مع بزوغ حركة النهوض فى الشرق مجددا على يد محمد على

وجاء محمد على
فانتهت فى عصره الخلافة العثمانية فعليا بالرغم من أن الأوربيون ردوه إلى مصر إلا أن الجيش المصري كان قد دمر سائر القوة العسكرية للعثمانيين وظلت بحالتها تلك تعانى نزعات الإحتضار حتى سقوطها النهائي فى الحرب العالمية الأولى
.. وجاءت دولة محمد وجددت حلم التوحد وكادت بالفعل تحققه بفضل براعة محمد على وابراهيم باشا ولده وقائد جيشه الذى كانت أعماقه متشربة للحلم الإسلامى والأهم أنه كان سياسيا محنكا بالرغم من صغر سنه وكان أحد الندرة الذين انتبهوا لمدى العداء والحقد الدفين لدى الدول الغربية على أى لمحة من لمحات التوحد العربي والإسلامى
وقد عبر إبراهيم باشا أثناء المفاوضات بينه وبين الأوربيين عندما أسقط الجيوش العثمانية
فقال للقنصل الفرنسي ردا على مقترحاته
" فى الواقع أيها القنصل أننى فى دهشة لموقف الدول الأوربية التى أيدت اليونان فى استقلالها وكفلته لها عن الدولة العثمانية فلماذا تقفون عكس هذا الموقف أمام الدول الإسلامية وما الذى يضيركم أن تحوز مصر والعرب حقها الطبيعى فى الإستقلال بعد حرب عادلة انتصرت فيها
ثم أردف
" لماذا تحملون كل هذا الحقد للإسلام والمسلمين ,, "
وتوفي إبراهيم باشا وضاعت الفرصة الأولى بالعصر الحديث بالرغم من أن حدود مصر كانت فى تلك الأيام هى الحدود اللازمة لبسط دولة الوحدة لأنها امتدت إلى السودان بأكمله ووقف عند حدود الصومال وأثيوبيا على مقربة من منابع النيل .. فضلا على فتحها الشام بأكمله وهو الذى تنازلت عن بعضه فى اتفاقية 1840 م ..
كما امتدت الحدود فشملت الحجاز كله
وكانت وفاة إبراهيم باشا ومن بعده وفاة محمد على نفسه ومقدم عباس الأول هو الضربة التى وأدت الحلم لأنه عباس قوض جهود من قبله وجاء من بعده سعيد باشا ففتح باب جهنم باستجابته لمشروع قناة السويس الذى اكتمل فى عهد إسماعيل .. وكان عهد إسماعيل غريبا ويليق بشخصية إسماعيل نفسه الذى حار التاريخ والمؤرخون فى الحكم عليه
فالخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على ورث الحنكة والإرادة عن جده ووالده لكنه لم يرث عنهما حفاظهما المشدد على الثوابت وأول تلك الثوابت عدم الثقة بالدول الغربية ففتح الباب أمام القروض والتى ذهب نصفها للتطوير ولتقوية الدولة وذهب النصف الآخر للمنافع الشخصية لهوى الخديو الذى دفع ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه " بمقاييس ذلك الوقت 1832 م " فقط ليحصل على اعتماد الباب العالى لتغيير وراثة العرش لتصبح فقط فى أكبر أنجال إسماعيل نفسه .. ثم تراكمت الديون أكثر وأكثر حتى باع إسماعيل نصيب مصر فى قناة السويس لانجلترا والتى أتم صفقتها روتشيلد اليهودى الممول للمشروع القومى لدولتهم فى فلسطين .. وبالرغم من أن مصر حصلت فى عهد إسماعيل على حقوقها المهدرة بمعاهدة 1840 م وقامت بإعادة هيكلة الجيش المصري وفتحت بقية السودان والصومال وأثيوبيا وأريتريا لتملك منابع النيل وتعضد وجودها كدولة عملاقة فى عصرها إلا أن الديون منعت استمرار التطوير بطبيعة الحال
ليضيع حلم إسماعيل سريعا ويجد جزاءه المناسب عندما تولى الخديو توفيق ولده الأكبر ولاية مصر بمؤامرة دبرها الإنجليز وكان أول ما فعله توفيق هو نفي والده الذى بذل المال الفاحش ليصبح ولده خديو لمصر من بعده
وبوصول توفيق إلى سدة الحكم وخيانته الشهيرة دخل البريطانيون مصر واحتلوها عام 1882 م لتصبح الساحة مفتوحة أمام اليهود لإتمام مشروعهم لزوال الخطر الذى كان يعترض الجهر بتكوين الدولة .. وجاء تيودور هيرتزل الزعيم الصهيونى المؤسس لمؤتمر بازل الشهير إلى مصر وقابل اللورد كرومر فى مصر راجيا أن يسمح له بقطعة أرض من سيناء أيا كان حجمها لتكون فى المشروع المقترح للدولة اليهودية ,,
فتردد كرومر واستشار وزارة الخارجية البريطانية ورياسة الوزراء ليأتى الأمر المباشر لكرومر بعدم إثارة الموضوع لأن حصول اليهود على قطعة من سيناء ولو كان بحجم الطابع كفيل بانتفاض ما يخشاه البريطانيون وهو إدراك المصريين والعرب بالتالى للمشروع اليهودى وهو لا يزال فى مهده والعرب بأكملهم نائمون مخدرون ..
وجاءت الحرب العالمية الأولى وما تبعها من وعد بلفور وانهيار العثمانيين ..
وكان الوضع السياسي للعرب كالتالى ..
مصر تحت الإحتلال الإنجليزى وتجاهد عبر زعمائها للخلاص منه بتفجر الثورات أى أنها غير متنبهة لما يجرى وراء الأستار
أما عن القوى العربية الموجودة فى ذلك الوقت فلم تكن هناك إلا العراق والحجاز والشام من كافة الأقطار العربية التى لم يتكون بعضها فى دول محددة كما هو اليوم والبعض الآخر كان تحت الإحتلال الأوربي منعزلا تماما عن مشكلة فلسطين لبعده الجغرافي وبعده السياسي .. وكانت الحجاز تحت يد الشريف حسين وفيما بعد وباتفاق مع بريطانيا التى كان لها النفوذ الأكبر فى المنطقة عقب اتفاقها الودى مع فرنسا عام 1907 أعطت ولدى الشريف حسين الملك فيصل والملك عبد الله إمارة العراق وإمارة شرق الأردن على الترتيب
أى أن الغفلة شبة كاملة ,, ومن بيدهم الحل والعقد وفيهم الإخلاص مشغولون بطبيعة الحال بقضايا أوطانهم ..
كما أن أصحاب الحلم اليهودى كانوا كامنين فى إنتظار الفرصة وحلفائهم يؤجلون الأمر .. وبالرغم من أن النية اليهودية كانت غائبة فى أغوار سحيقة لا أنه لا يمكن القول بهذا الأمر كعذر احتجاج على غياب هذه المؤامرة وتفاصيلها عن سائر العرب
لأنه بعد المؤتمر الصهيونى الأول ورحلات هيرتزل شرقا وغربا لم يعد الأمر سرا ولكن غياب أى طابع عربي متحد فى تلك الأيام كان هو السبب الرئيسي فى غياب العرب بأكملهم حتى عن مجرد أدراك خيوط الحوادث
ثم مرت السنون وجاءت الثلاثينات والأربعينات حاملة معها تركيزا أشد للصورة على نحو ذهب به الشحوب بعض الشيئ ..
فقد نالت مصر الكثير من استقلالها بعد تصريح 28 فبراير والدستور الملكى وإعلان استقلال مصر عن الدولة العثمانية التى سقطت وانسحاب الإنجليز عن الإحتلال الظاهر لتتركز قوتهم فى القناة ..
ومضت المفاوضات والجهود الحثيثة والتى كانت ستتصل إلى الاستقلال الكامل لمصر والسودان لولا دخول الحرب العالمية الثانية التى قلبت الأمور وأجلتها
وفى الجزيرة العربية تمكن عبد العزيز آل سعود من إمتلاك قبضة الحكم مؤسسا لدولته العريضة فيها تحت إسم المملكة العربية السعودية .. وظل الملك فيصل بالعراق كما هو بينما ظل شقيقه عبد الله على إمارة شرق الأردن والقدس الشريف تحت الحماية البريطانية الكاملة
هنا ..
ظهر حلم الخلافة مرة أخرى ودعت إليه مصر لا سيما الشيخ المراغي شيخ الجامع الأزهر الذى كان أشد المتحمسين لعودتها للعرب لكنه فى نفس الوقت عارض أن تكون الخلافة فى الملك فؤاد لافتقاره القدرة على تمثيل مصر فى هذا الشأن العظيم .
ومع ظهور حلم الخلافة ظهر الطابع العربي الأصيل المستقي من الحكمة المأثورة " آفة العرب الرياسة "
وكان المتنافسون على الساحة هم الفاعلون فى القومية العربية ساعتها وهم مصر والسعودية والأردن والعراق ..
وتنافس ملوك الدول الثلاث الأولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية دونما نتيجة .. لكن فكرة الخلافة التى سقطت لم تسقط معها فكرة القومية العربية التى استيقظت من جديد ونبهت إلى وجود معيار اسمه الأمن القومى وهو نفس المعيار الذى دعا مصر للإنتباه لما يجري على ساحة فلسطين ..
ومع تردى الأحوال السياسية داخل مصر وانحسار قبضة الإنجليز بشكل شبه نهائي عن أمور مصر تفجر الخلاف الرئيسي بين الملك فاروق وبين القوى المختلفة على الساحة السياسية وهى الجيش بتنظيم الضباط الأحرار .. والوفد برياسة النحاس .. والإخوان المسلمون بقيادة البنا ثم حسن الهضيبي .. وأحزاب الأقلية الغائبة عن الوعى
ثم جاءت المؤامرة الصهيونية وقد اكتمل طورها إلى أرض فلسطين عام 1948 م ليدعو الملك فاروق لمؤتمر القمة العربي الأول فى أنشاص .. وللأسف لم يكن انتباه الملوك العرب ساعتها ـ بالرغم من إخلاصهم ـ ليتناسب مع خطورة القضية ..
ويرجع ذلك إلى أنهم جميعا كانت لهم أغراض أخرى وراء الإعلان عن الدفاع والحرب المقدسة ..
وفى الورقة القادمة سنتعرف على أكثر من مفاجأة وأولها كيف أن الحلم الصهيونى كان ركاما من بدايته ولم يكن له أن يولد نهائيا .. ليس لضعف اليهود بل لقد حشدوا كل قوتهم وطاقتهم وليس لقوة العرب أيضا بل لأن الغرض كان يحكم كل تحركاتهم ..
والعرب فى ذلك الوقت كانوا ممثلين فقط بدول المواجهة ومعهم العراق وهم الذين شاركوا فى حرب فلسطين أو حرب النكبة والتى كان من الممكن أن تكون نكبة حقيقية لليهود ومن وراءهم .. لولا أحداث سيأتى ذكرها .. تثير ولا زالت تثير الحسرة وكانت تلك السنوات بداية حقيقية لانتهاء زمن بل وأحلام الوحدة بين العرب سواء بالتاريخ أو العقيدة أو اللسان .. وكانت بداية لعهد النوم الطويل

وللحديث بقية ,,