عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 01:25 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
الورقة الثانية .. الفرصة الأولى



ونواصل معا الإبحار فى تصحيح بعض الحقائق التاريخية التى غابت فى العصور البعيدة عند جذور قضية العرب فى فلسطين ..
آملين من الله أن يكون إدراكنا لحقائق التاريخ الغائب حينا والمزور أحينا عظة لنا وعبرة ودرسا يعطى الأمل فى تحقيق وحدة الهدف التى كادت أكثر من مرة أن تتحقق عبر التاريخ المعاصر فى المائتى سنة الماضية
وأجدنى شديد التركيز على تلك الفترات التى شهدت البدايات لأنها مجهولة عن الخاصة والعامة إلا من بحث ودقق نتيجة لما اعترى تلك الفترة من الزيف
واليوم نلقي الضوء على الوحدة التى كان من الممكن تحقيقها عقب جلاء الفرنسيين عن مصر وبعد قيام محمد على بالسلطة فيها لنوضح كيف أن الخلافة العثمانية لم تكن كما يشاع كثيرا حصنا للإسلام فى أواخر عهدها بل كانت أداة هدم حقيقية ولها دور غائر فى قضية فلسطين ولولا هذا الدور المشين لما تحقق لأوربا ما أرادت ,,

وقد عرفنا من خلال الحقائق السابقة كيف أن السلطان محمود استعان بالغرب لدرء خطر محمد على وحصره بعيدا عن داخل حدود مصر وتقليص قوته العسكرية
وكان غباء السلطان محمود واضحا فى الصفقة التى أبرمها باستعداء محمد على وجلب البريطانيين والإنجليز والروس لحربه ولو أنه تأمل بعيدا عن الأحقاد موقفه السياسي لتغيرت نظرته الضيقة لأن هذا التحالف كان هو نفسه أداة الهدم الرئيسية بعد ذلك والتى قوضت الدولة العثمانية بأكملها بعد الحرب العالمية الأولى
والحالة كانت كالتالى ,,
بريطانيا وفرنسا " بعد نابليون " وروسيا كانوا جميعا متوحدو النظرة فى خوفهم من الدولة العظمى التى أرساها محمد علىّ على ضفاف النيل وضمت مع مصر قطر السودان الشقيق كله بالإضافة إلى أنه بسط نفوذ دولته على سائر بلاد الحجاز بعد أن اقتنصها من الوهابيين فى الحرب الشهيرة التى امتدت عبر معارك طويلة وقاد فيها الجيش المصري ولدى محمد على طوسون باشا وإبراهيم باشا ,,
وكانت تلك الحرب لا تعنى الدولة المصرية فى شيئ بل كانت استجابة من محمد على للسلطان العثمانى الذى هلكت جيوشه أمام قوة جيش الوهابيين بعد أن خرجوا عنه وتسببت تلك الحروب بين العثمانيين والوهابيين فى منع الحج لعامين متتاليين
فلجأ السلطان محمود إلى محمد على ليعينه على ذلك فى مقابل إقراره على ولايه مصر
واستجاب محمد على فأرسل الجيوش المصرية المتتابعة بقياد طوسون باشا الذى إستولى على المدينة ومكة والطائف ثم جاء إبراهبم باشا فغزا الدرعية معقل الوهابيين وأجلاهم عنها وتم الصلح بينهم على أن تنتهى الحركة الوهابية لتعود بلاد الحجاز إلى سلطة السلطان العثمانى ولكن تحت راية محمد على ..
وما إن فرغ محمد على من حرب الوهابيين حتى فوجئ بالسلطان يطلب معونته فى حرب اليونان التى أعلنت إستقلالها وساندتها الدول الأوربية فى ذلك فجاءت الجيوش العثمانية ودخلت حرب اليونان فلقيت الهزائم الساحقة فاستنجد السلطان بمحمد على ثانية معولا على الجيش الخرافي الذى أسسه واستكمل عدته فى هذا العهد وكان قوامه الجنود المصريين وتم تأسيس خططه الحربية وتدريبه على يد الكولونيل سيف " سليمان باشا الفرنساوى " والذى يعد الأب الروحى للجيش المصري الحديث
وكان على مقعد القيادة العامة إبراهيم باشا بن محمد على الذى صنع أسطورته بالقيادة فى تلك الحرب ,, حرب اليونان
وأبحر الجيش المصري بقوام أربعين ألف مقاتل مع المدافع والأسلحة الحديثة فى صحبة الأسطول المصري الجديد وخاض حرب اليونان لتنقلب الدفة على الحلفاء الأوربيين
وكانت تلك الحرب هى السبب الرئيسي الذى أظهر قدرة الجيش المصري ومدى خطورته فى ذلك الوقت وكانت تلك السمعة الخرافية هى نذير الكوارث فيما بعد عندما أدرك الأوربيون أن الدولة المصرية وضعت لها موضع قدم فى شئون العالم وهذا تبعا للسياسة الإستعمارية كان أشد خطرا على أوربا من السلطنة العثمانية
فأغروا السلطان العثمانى بقبول الصلح وعوضوه عن أسطوله المدمر وفاوضوا محمد علىّ على إنهاء الحرب وتم الصلح فعلا
وبعد الصلح توددت إنجلترا وفرنسا إلى محمد على وبدأ التخطيط الكبير لانهاء سطوة الدولة المصرية الحديثة
ورغم أن الحلفاء الأوربيين كانوا أعداء أصليين للسلطان العثمانى إلا أنه وقع فى فخ مشورتهم فبادر بانكار ولاية محمد على وسعى فى عزله وأرسل إليه جيشا عرمرما لكى يعزله فما كان من محمد على إلا أن أرسل الجيوش المصرية بأساطيلها لغزو سوريا
وانكسر الجيش العثمانى أمام الجيش المصري فى أربع معارك كانت آخرها معركة " قوله " والتى دارت فى قلب الأراضي التركية وبدا واضحا أن السلطنة العثمانية على وشك الإنهيار
وهنا تدخلت روسيا وإنجلترا وفرنسا فى الحرب إلى جوار العثمانيين أعداءهم القدامى ضد محمد لتسير الأمور سيرها إلى معاهدة 1940 م والتى حصرت نفوذ محمد على داخل مصر وكان من شروط الصلح إعتبار مصر دولة مستقلة
ومن هنا بالتحديد بدأت الدول الإستعمارية الكبري فى التخطيط لانهاء الخطر المصري والعربي نهائيا عن طريق زرع اليهود بفلسطين كفاصل بين مصر والشام مما يحقق غرض الحلفاء وهى نفس فكرة نابليون القديمة مع إختلاف الغرض
والذى يثير الحسرة هنا ما يمكن استخلاصه من تلك الأحداث وهى على الترتيب

أولا ,,
طموح محمد على فى إرضاء السلطان العثمانى ليستقل بعد ذلك بمصر حسبما كان يتوقع مكافأة له على حرب الوهابيين كان هو السبب الرئيسي الذى أدى إلى حماسة محمد على للقضاء على الوهابيين بالرغم من أن العدو الرئيسي كان السلطنة العثمانية
ولو أن محمد على إنتبه لتوحد الأهداف والمصالح بين مصر والوهابيين بعيدا عن الطموحات الشخصية لكل منهما لتم الإتحاد بينهم فى مواجهة السلطنة العثمانية ولكان للحوادث مجرى آخر تماما بعد ذلك ,,
ولم يكن هذا الإتحاد غريبا لأنه لا وجود لأى عداء فى الأصل بين عرب الحجاز ومصر وبالرغم من أن الوهابيين حاربوا أثناء دعوتهم بعض قبائل الحجاز المعارضين لهم إلا أن تلك الإختلافات كانت ـ لو توفرت السياسة السليمة ـ ستنتهى تماما بين القبائل المتناحرة وبعضها وبين تلك القبائل ومحمد على

ثانيا ..
وقوع محمد على فى الخداع مرة أخرى ومده السلطنة العثمانية بالمعونة فى حرب اليونان مما كشف عن قدرة الجيوش المصرية وأدى إلى تغيير أولويات الأجندة الأوربية وبالتالى برزت فكرة زرع اليهود فى موطن فلسطين ورجحت كف هذه الفكرة وكان من المتوقع أن يتم تجميع اليهود فى وطن بديل بالأرجنتين

ثالثا ,,
لو أن السلطان العثمانى أدرك حساسية مركزه وشرفه كمتحدث باسم الخلافة الإسلامية ودانت له لذلك الأقطار العربية ومن ضمنها مصر بكل قدرتها كانت الأمور ستتغير لأن التحالف بين قدرات الجيش العثمانى والجيش المصري مع إخلاص النوايا كان كفيلا بقلب المعادلة لصالح المسلمين لا سيما وأن أوربا لم تكن متحدة المصالح بل على العكس كانت متنافرة وتجرى بينها الحروب بصفة مستمرة لكنهم ظهروا أكثر ذكاء وعقلا من المسلمين عندما تناسوا خلافاتهم مؤقتا واتحدوا فى مواجهة الخطر الإسلامى فتم لهم ما أرادوا

رابعا ,,
لو أن محمد على وهو من هو على براعته السياسية الرهيبة وعقله الراجح تمكن من مد جسور الإتصال بينه وبين انجلترا مثيرا الخلاف المتوارث بينها وبين فرنسا ومتخذا من الإنجليز حلفاء مصالح لوقفت إنجلترا إلى جواره فى حربه مع السلطنة العثمانية ولأصبحت الدولة المصرية هى قبلة الخلافة وتحت سيطرتها السودان والحجاز والشام بأكمله حتى حدود الدولة التركية وساعتها كانت فكرة إنشاء وطن قومى لليهود ستموت فى مهدها نظرا لأنها كانت فكرة الإنجليز لحماية مصالحهم ولم تكن مصالحهم الإقتصادية لتتعارض مع المصلحة الإسلامية وبالتالى فلم تكن لتتحد مع أوربا لأخذ اليهود حليفا بديلا .. لأن مصالح الإنجليز كانت تتمثل فى طريق المواصلات المار عبر مصر إلى مستعمرات البريطانيين فى الهند وهذا الأمر لو تمت كفالته ما كان لينتقص شيئا من مصالح المسلمين والعرب

وهذه الصورة وبالشكل الذى تمت عليه مثلت ضياع أول فرصة ليس لإفلات العرب والمسلمين من آفة اليهود فحسب بل كانت جذوة القومية العربية التى قادها محمد على وإبراهيم باشا الذى أعلن تنصله من أصله التركى معتزا بإسلامه وبمصريته وعروبته ..
كانت تلك الجذوة ستولد فى وقتها المناسب لتتكون شيئا فشيئا الدولة العربية الإسلامية المتحدة
وهذه الفرصة كانت بحق أول وأقوى فرصة للعرب والمسلمين فى تاريخهم الحديث


وللأوراق بقية ,,