عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 01:22 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي
نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي



لم يعرف التاريخ العربي الحديث أزمة شائكة للعرب والعروبة وقضية الإسلام .. بقدر ما عرف أزمة المسجد الأقصى وقضية فلسطين المحتلة وتتباعد الخطوط والخلفيات بين المعلوم والمجهول فى هذه القضية التى تم تفريغها من مضمونها الأساسي ككارثة حلت بالعروبة .. قبل أن تكون قضية وطن محتل وشعب أسير ..
وأتى تسطيح القضية ومحاولة حصرها فى نطاق بالغ الضيق .. راجعا إلى الجهل وعدم القصد .. وفى أحيان أخرى أتى متعمدا فى سياسة المصالح والتشرذم الذى غرقت فيه أنظمة الحكم العربي حتى النخاع ..
وبدايات القضية عند الغالبية العظمى تبدأ من حيث خرج للوجود وعد بلفور وزير الخارجية البريطانى الشهير فى أعقاب الحرب العالمية الأولى .. حيث تضمن الوعد تصريحا باستقطاع أرض فلسطين لتكون الوطن المختار لليهود لتصبح إسرائيل أول دولة تبنى على أساس دينى ..
هذه هى البدايات التى يتناولها بالقضية الفلسطينية كأنها هى البداية الأساسية لأزمة الأقصى ..
بينما البداية الحقيقية كانت قبل وعد بلفور بمراحل ..
كانت البداية فرنسية .. وليست انجليزية ..
الورقة الأولى ..

البداية والفكرة


كانت البداية مع نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي الأشهر .. وواحد من الرموز التاريخية الكبري فى التاريخ الأوربي ..
فنابليون هو المؤسس والمثير الأول لفكرة الوطن اليهودى الموعود الذى يلملم شتات اليهود من بقاع العالم وينتزع منهم فكرة " الجيتو " أى حى اليهود فى أى مدينة حيث يعيشون فى بعد كامل عن العالم الذى يحيط بهم ..
ولم يكن قبل نابليون وفكرته أى تلميح عن استقلال اليهود وتجمعهم فى وطن واحد حتى بين اليهود أنفسهم الذين كانوا يفضلون العيش حيث هم فى الشتات مندمجين مع الأوطان التى ركنوا إليها ..
وبدأت فكرة نابليون مع تنفيذ فكرته التوسعية بحملته الشهيرة على مصر .. واستعداده للزحف إلى الشام ..
هناك وقف التاريخ متأملا ورقتين حررهما نابليون عرفا فيما بعد .. بـ " الورقة الإسلامية " و " الورقة اليهودية "

وكانت الورقة الإسلامية
هى النداء الموجه من نابليون إلى الشعب المصري والعربي المسلم يقول فيها ما معناه أنه آت إليهم لتخليصهم من عناء الاحتلال العثمانى الذى سلب ثروات البلاد ورزق العباد ولم يكن هذا حقيقيا بطبيعة الأحوال .. إذ أن الورقة الإسلامية كانت عبارة عن خدعة إستراتيجية الغرض منها اكتساب التأييد الشعبي للحملة الفرنسية مما يسهل المهمة للقوات الفرنسية مع تأييد أو تحييد القوى الشعبية عن مناصرة المماليك والعثمانيين ..
أما الورقة اليهودية
فلم تكن أبدا كنظيرتها الإسلامية .. إذ كانت ورقة إستراتيجية لهدف عملاق سعى إليه إمبراطور فرنسا وكان يعنى كل حرف ورد فى هذه الورقة ..
إذا أن الورقة اليهودية كانت عبارة عن نداء موجه إلى اليهود بصفتهم الدينية يدعوهم بهمة وحماسة إلى النهوض من كبوتهم وإغفاءتهم والإسراع إلى ميراث الأجداد فى فلسطين على اعتبار أنهم الورثة الشرعيون لأرض الديانات .. وقام باللعب على أوتار الدين اليهودى والشتات الذى يعانى منه الشعب اليهودى وهم شعب الله المختار على حد الزعم اليهودى ..
وجرى توزيع الورقة اليهودية بكثافة وإعلان طاغ بأساليب ذلك الوقت .. على أبواب القدس .. غير أن التوزيع لم يقتصر بالطبع على أبواب القدس والأرض الفلسطينية .. بل جرى توزيعه بكثافة أكبر فى الدول والأقطار الأوربية التى يتركز فيها اليهود ..
وكان الدافع لذلك ندرة الوجود اليهودى بالقدس حيث لم يزد عددهم على 175 يهوديا ..
واجمالى اليهود بفلسطين كلها لا يزيد على الألفين .. ولم يكن بقدرة مثل هذه المجموعات الضئيلة أن تفعل شيئا أو تقدم خطوة ايجابية فى الهدف الذى سعى إليه نابليون .. لكن التوزيع فى القدس أولا كان الهدف منه لفت النظر للوطن المقترح حيث يؤدى النداء مفعوله مع القوى اليهودية المؤثرة فى شتى أنحاء العالم
وكان هدف نابليون من الوطن اليهودى يشي بالعبقرية العسكرية النابهة التى تمتع بها هذا الإمبراطور الفرنسي المثير للجدل .. فلم يكن دافعه التعاطف مع اليهود بأى حال من الأحوال .. بل على العكس كان نابليون يحتقرهم .. لكنه تجاوز عن مشاعره فى سعيه الحثيث لتوسيع رقعة الإمبراطورية الفرنسية فى ذلك الوقت .. باستكمال الاستيلاء على رقعة الخلافة العثمانية فى المشرق .. ولأنه دارس جيد للتاريخ .. وقائد عسكرى ذو نظر بعيد ..
فقد تمعن نابليون فى المشرق العربي وفطن إلى حقيقة تاريخية ثابتة وهى أن مصر مفتاح أطماعه التوسعية ولا يستقر له حكم مصر إلا بتأمين البوابة الشرقية الطبيعية وهى التى تحتلها سوريا الآن .. غير أن غزو مصر وسوريا لن يستقر بالتبعية طالما ظلت البوابة الطبيعية بينهما مفتوحة وداعية إلى اتصال الشعبين على النحو الذى يهدد استقرار الحكم بهما ..
فكان لابد له قبل التفكير فى غزو مصر وتأمين بوابتها الشرقية أن يقوم بوضع حد فاصل ونهائي لاتصال الشعبين مما يحيل اتصالهما واتحادهما إلى ضرب من المستحيل ..

وتفتق ذهنه عن أخبث خطة تفرقة فى التاريخ ..
ألا وهى زرع كائن غريب بينهما عند نقطة التقائهما يحول نهائيا بين اتصال القطرين الشقيقين .. وكان لابد له فى رحلة البحث عن طبيعة الكائن المنشود أن يراعى فيه توافر شوط الغرابة عن جو العروبة .. والغرابة عن جو الإسلام بطبيعة الحال وإلا لما حقق الفصل المنشود ..
وكانت الشروط تنطبق على اليهود بجميع اتجاهاتها .. فجد نابليون فى استثارة الحلم الذى غاب عن مخيلة اليهود أنفسهم .. ووعد بتقديم الدعم الكافي بعد استثارة الحلم لتحويله إلى واقع ..

ثم غابت شمس نابليون عن الوجود بهزيمته فى معركة " ووترلو " ونفيه إلى جزيرة " سانت هيلانه " لتحتدم الصراعات بين الإمبراطوريتين الكبيرتين "بريطانيا " و" فرنسا " ..
ولم يكمل الحلم الاستراتيجي بالفصل بين مصر والشام أحد خلفاء نابليون ..
بل كان الأسد البريطانى هو الذى تبنى الكرة قبل سقوطها على الأرض لا سيما بعد استقرار " محمد على " على عرش مصر واليا للخليفة العثمانى محوطا بتأييد شعبي تمثل فى الرموز المصرية بذلك الحين " عمر مكرم " ورفاقه ..
وبدأ الانتباه للأمر بعد انفراد محمد على تماما بالحكم المصري بمذبحة القلعة الشهيرة التى تخلص فيها من المماليك وقضي عليهم قضاء مبرما .. وأقصي زعماء الشعب الذين ولوه الرياسة .. وبعدها انطلق بمصر على طريق الحضارة بخطى جبارة فى شتى الميادين العلمية والفكرية .. والعسكرية .. وفيما يخص القدرات العسكرية انطلق محمد على فى بناء جيش قوى وأسطول ذى شأن .. وكانت النقلة الحقيقية فى استعانته بالمصريين لأول مرة فى تكوين الجيش ..
وبدأ محمد على شيئا فشيئا يبسط نفوذه بالذات عقب الانتصارات المدوية التى حققها الجيش المصري فى الحجاز والشام ... وكان فى بداياته يهادن السلطان العثمانى إلى أن تأكد من قوة جيشه وضعف الخلافة وجيشها مقارنة بجيشه الفتى وأسطوله القوى .. فبدأ يعلن نيته فى الانفراد بمصر بعيدا عن سلطنة الخلافة وتبعيتها .. وهب أيضا يريد الزحف على الشام ..
وهنا كان داعى محمد على إلى تلك الخطوة هو ذات الداعى الذى كان فى مخيلة نابليون ألا وهو طلب التأمين لمصر عبر تأمين البوابة الشرقية وهى حقيقة تاريخية راسخة كما سبق القول ..
وارتجف السلطان العثمانى رعبا من زحف محمد على للشام وتهديده الاستراتيجي للخلافة وانهزمت الجيوش العثمانية أمام العسكرية المصرية ..
وهنا هرع السلطان العثمانى مستنجدا بالقوى الكبري فى العالم بذلك الوقت " بريطانيا " و" فرنسا " ..
ووجد نداء السلطان العثمانى ردا ايجابيا على الفور .. وكان دافع البريطانيين والفرنسيين للمساعدة هو القلق الذى اعتراهم من جيوش محمد على وأسطوله الذى يمثل خطرا كبيرا على الأساطيل البحرية البريطانية والفرنسية مما يخل بالتوازنات الإمبراطورية بينهم فى ذلك الوقت لا سيما وأن محمد على كان يمتلك طموحا غير محدود غير مأمون الجانب
وكانت النية البريطانية لديها سبب إضافي ..
ألا وهى نظرتها للقدس وأرض فلسطين حيث كان الحلم الفرنسي النابليونى يدق حيا فى قلب بريطانيا هذه المرة رغبة منها فى مصر وان كانت لم تعلن .. بمعنى استيلاء البريطانيين على الحلم الفرنسي القديم بزرع اليهود فى فلسطين وإرضاء فرنسا بما شاءت من أرض سوريا إلا القدس
وبعد التدخل البريطانى الفرنسي .. تمكنت جيوش الحلفاء من ضرب القدرة العسكرية المصرية لمحمد على وتحجيم الأسطول المصري فى البحر المتوسط .. ووقع محمد على على معاهدة 1840م .. والتى أنهت الخطر العسكرى لمصر باشتراطها عدم زيادة عدد الجيش عن أربعين ألف مقاتل وعدول محمد على عن الشام وحبسه داخل الحدود المصرية خلف سيناء ..
ولما كان هذا الحبس لازما لضمان عدم العودة ـ فقد خفت بريطانيا إلى السلطان العثمانى ـ وهو خليفة المسلمين كما هو مفترض ـ تطالبه بثمن المناصرة .. وكان الثمن إعطاء فلسطين لتحقيق الحلم اليهودى بوطن قومى والسماح لأعداد غفيرة من اليهود بالهجرة من أوربا وباقي أنحاء العالم ووجد السلطان العثمانى نفسه غير قادر على رد المطالب البريطانية ..
لكنه خشى العواقب فوافق على أن يبقي الأمر طى الكتمان ..

ولم تكن المطالبة البريطانية قائمة على غير أساس ..
فمنذ سقوط نابليون فى ووترلو .. والفكر البريطانى جد البحث خلف الحلم الفرنسي القديم بعد اكتشاف الفكرة العبقرية التى تفتق عنها ذهن إمبراطور فرنسا لخدمة أهدافه التوسعية .. وان كان البريطانيون والفرنسيون أيضا قد أضافوا إليها رغبة محرقة أخرى ..
وهذه الرغبة تمثلت فى الخلاص من كابوس جموع اليهود الفقيرة التى أيقظت ورقة نابليون اليهودية الحلم فى أعماقهم ... مما دعا بيهود أوربا الأباطرة فى المال والأعمال إلى خشية تدفق هذه الجموع إلى أوربا حيث يطلبون إلى بنى جنسهم النصرة مما يؤثر على القوى المالية اليهودية التى استقرت بالدول الكبري ولم تكن على استعداد لتحمل عبء هؤلاء الحالمين ..
وكانت موافقة السلطان العثمانى على المطالب البريطانية هى الطعنه الأولى فى صدر العروبة والإسلام ..
وكانت طعنه لها ما بعدها .. حيث قطع الحلم اليهودى بها الشوط الأكبر فى اغتصاب الأرض الفلسطينية بعد توالى الهجرة المحمومة تحت رعاية الخلافة والقوى العظمى .. كل هذا فى إطار اتفاق سري وعلى نحو غامض . بحيث لا تنتبه الجموع العربية المسلوبة الإرادة من الأساس خاصة وأن التواصل العربي ـ العربي كان شبه مفقود فى هذه الأيام .,
وهذه هى البداية المجهولة لقضية فلسطين

وللحديث بقية مع بقية الأوراق