عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2019, 03:51 AM
المشاركة 53
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: مقهى منابر والمقاهي الثقافية
من وحي الشارع / مقهى المقبرة


منذ عامين وأنا أقوم بجولة سياحية في مقابر الشرق الأوسط، وذلك ليس حباً في ثقافة الموت، بل لأن ابنتي الصغرى «منيرة» طالبة دكتوراه في الفنون في جامعة طوكيو، يتطلب جانب من بحثها زيارة المقابر!!
ولقد تجولنا معاً في مقابر الصوفيين في مدينة أصفهان، ومقابر البريطانيين في مدينة عدن، ومقابر الفاطميين في دمشق، ومقابر الصوفيين في مدينة «قونيا» التركية، إلى جانب حزمة محترمة من المقامات والأضرحة ومقابر الأولياء الصالحين.
وكانت ابنتي منيرة بعد زيارة كل مقبرة تعتذر لأنها دفعتني للمشاركة في مسلسل الحزن والكآبة.
وعندما كنا نطلب من دليل سياحي أو سائق تاكسي زيارة مقبرة، يقلب سحنته وهو يقول:
- يا ساتر، كنت أتوقع ان تطلبوا زيارة مجمع تجاري أو سوق، لأن معظم الخليجيات يحببن «التسوق»، أما زيارة مقبرة فأمر بعيد عن الترفيه.
ولكي أتجاوز شبح الموت الثقيل الجاثم فوق القبور، بدأت أنظر إلى جماليات مفرداتها الفنية، وكان بعضها قمة في فن الزخرفة الإسلامية وفنون العمارة في الأضرحة، وتلك المرايا الصغيرة اللامعة الأقرب لبحيرات من الكريستال والتي تزين أسقف وجدران الأضرحة.
وفي قلعة علاء الدين في قونيا، بهرني جمال قبور الصوفيين المطعمة بالسيراميك الأزرق.
ولقد أعجبت بتعامل الأتراك مع الموت، ففي مدخل بناية سكنية في ضواحي مدينة «قونيا» شيد قبر لأحد مريدي الصوفية، وحول هذا القبر يلهو الأطفال بدراجاتهم، ويملأ صخبهم المكان، غير عابئين «بعمو» المدفون هناك.
وفي اسطنبول، جلسنا في مقهى شعبي، تحيط به القبور المزينة بزهور «المحمدي» الحمراء، طلبت فنجان كبتشينو، شربتها على روح المرحوم، بينما ابنتي شربت عصير التوت البري، وسألت الجرسون عن سبب فتح مقهى في مقبرة؟ أجابني: إنهم تحت الأرض وضررهم أقل مما هم فوق الأرض، والسياح الأوروبيون يعشقون هذه الأجواء.
وتخيلت قهوة شعبية في مقبرة الصليبخات، بهدف تنشيط حركة السياحة، لكني تذكرت ان كلمة قبر ومقابر من المحرمات وتدعو للفتنة، ولهذا اكتفيت باحتساء قهوتي وتأمل قبر سلطان عثماني مزين بورد «المحمدي» النابض بالحياة.
| ثريا البقصمي
> كاتبة وفنانة تشكيلية

الابتسامة هي قوس قزح الدموع