عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2012, 11:14 AM
المشاركة 796
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع الجزء الاول:
(6) - بديهي أن الكتابة الواعية التي تقصد موضوعهاالمكتمل كالمناخ الاجتماعي في المجتمعات القروية مثلاً لا يمكن أن تحيط بكل عناصرهوتفاصيله المهمة وأنها في أحسن حالاتها ستتشكل من عناصر انتقائية يتم إعادة بنائهامن منظور رؤية الكاتب.
وفي رواياتك وقصصك عن القرية لم تتطرق للعلاقات العاطفيةأو حالات الحب والعشق الحارق الذي يتأجج في أحشاء كل تجمع بشري ولا سيما في القرىالتي تتداخل حياتها بالطبيعة وبالأحلام العاشقة . فما تفسيرك لذلك ؟
ومن جهةأخرى فكما عشنا في المجتمع القروي رأينا أن ثقافته تعبر عن مذخور الثقافة الشفاهيةوالتي لم تكن تتحرج في الحديث اليومي عن استخدام المثل المسكوك والقصة العابرة التيتتعامل مع مفردات الجسد الأنثوي والرجولي وبطريقة عادية وصريحة عن كل مستوياته، فهلتعمدت إغفال تلك الخاصية الأسلوبية أم أنك تدخرها للمستقبل ؟

* - سأبدي لكما كنت تجهله فأنا لا أصنع هيكلة تفصيلية للرواية قبل كتابتها وإنما أحدد إطاراًأكتب في حدوده ولا أقول " أفقه " ينسج البناء الروائي، وعادة ما أكون قد اعتمدت علىرموز إيحائية كالمثل أو الحكمة الشيخية أو المسمى أو الذكرى المرتبطة دون تأثرمباشر بالذات وإنما بالمخزون الاجتماعي وما ألم به من ثقافات حكائية مروية ممنسبقوا زمن المعايشة، هذا ليس نفياً للذات وإنما لاستراتيجية مرجعية اجتماعية كتابيةبمنظوري العصري .
إن كثيراً جداً من الحقائق التي تحتاج إلى تفاصيل وتوظيفات لمانظر لها في كتاباتي - قصة أو رواية - وذلك لأن هذا غير ممكن على الصعيد الإبداعيالكتابي الذي أعوم فيه وإلا لكنت كاتباً منوعاً كـ" الجاحظ " مثلاً و لوضعت كل شأنفي كتاب وهكذا .
الكتابة في خصوصيات المجتمعات " إبداعاً " هي من أصعبالكتابات - في نظري - لأنك تحتاج إلى الموازنة بين انتقائيتك لزاوية الإلتقاط وبينالحرص على حقيقية الانتمائية الخاصة، وكان بداخلي رغبة كبرى في اعتبار الزمنالمرحلي هو خط سفري في الكتابة عن هذه المكاتبة الاجتماعية تحديداً .. لكنني اكتشفتأنني لست كاتباً تاريخياً لذلك وجبت علي الانتقائية فأنا محدود بزمن يتحدد فيهالعمر والقدرات الذاتية والموانع المؤسساتية والاجتماعية التقليدية وأمور أخرى. أنتتعلم أنالروائي يحمل كشفاً وتفصيلاً .. لكنك لا تستطيع أن تنفصل عنه - بأي حال - رؤيتك الخاصة وإدارتك لبناء عملك الروائي في إمكانية الواقع الذي لا يمكن تزويرهولا صبغه بما ترغب.. نعم ..
لقد سألني أحد القراء هذا السؤال تحديداً :
- أين عاطفة الحب والعشق في رواياتك ؟
لا أجد جواباً شافياً وربما كان هذا عيباًفي أعمالي القصصية والروائية عن القرية الجنوبية .. رأيت أن المزارع الذي يخبط فيطرف الخبزة ليزيح رماد " الملة " عنها .. ويسرح بعد صلاة الفجر إلى الوادي ولا يعودإلا بقدمين مبلولتين بالطين ثم يتعشى ما قسم له لينام منهكاً .. لا وقت عنده للحبوالمغازلة .. بالطبع حبه وهبه لزوجته وعائلته وأرضه .. أو ربما هكذا كان نفسياً .

* كأنك بهذا تجرد القروى من عاطفة الحب و ما نعرفه من قصص العشق وما نحفظهمن قصائد الغزل ولعل الذي يذكر أو يطلع على ما دون من شعر شعبي ل "أحمد بن جبران" و"أبو سحاب" مثلاً سيرى مرموز الحب وصريح عباراته في كل ما قالوه !
- واستطردعبدالعزيز : ربما كان ذلك صحيحاً ولكنني أتحدث عن الغالبيةً من الناس غير الشعراءويمكنني القول أيضاً بأن هذا لا يعفيني من اعتبار هذه المسألة موجودة في كل إنسانوكل المجتمعات .. فلو نظرنا لفصل في " البئر " في رواية "الوسمية " لوجدت أن سببرمي المرأةلنفسها في البئر .. كان بسبب علاقة - عاطفية - غير مشروعة وفي وقتها ..
وأنت تعلم أن مجتمعنا محافظ ونحن نحترم هذه المحافظة !
إن هذا سيسببإشكالية في مفهوم القارئ القروي والشعبي عموماً ..وقد جاء لي رد الفعل القاسي تجاهفصل في رواية " الوسمية " بعنوان " أحمد يتعلم أشياء جديدة " باعتباره فصلاً غيرملائم أو شبه ذلك ..و في مجموعة قصص " أسفار السروي " بقيت ولم يعلم أحد زمناًأعاني فيه الإحباط من أحد القراء .. اسمه " ابن السروي " ظاناً أنني قد تعمدت إسباغصفات كل أهل جبال " السراة " في شخصيته والتشهير به .
الأسماء الموجودة فيأعمالي هي أسماء تقريبية لا لشخوص الأعمال بالطبع .. أحرص على أن تكون من واقعالبيئة لكنها بعيدة عن الحدث بذاته أو شخصية بعينها.. تصور كم من صالحة بنت أحمدستسأل عن رواية " صالحة " وكم من "أبو جمعان " وكم من " مليحة " و"عزيزة " و" عطرة " وغيرهم .. نحن في واقع اجتماعي شديد المحافظة إلى درجة كبيرة وأنا أحمل على عاتقيقلماً وليس بندقية.

(7) - ما سر ولعك بالمرأة وغنى وتعدد علاقاتك بها فيحاضرك حتى لتعد من ذوي الثروة في هذه العلاقات ( ثقافية / صداقية / عاطفية ) معالمرأة سواء من داخل المملكة أو خارجها ؟
أيعود ذلك إلى فقر العلاقات العاطفيةأو انعدامها في صباك في القرية أو يعود إلى حالات العشق والتوله التي تصيب الرجلبعد الأربعين؟

* - يا سيدي .. مع أن صيغة سؤالك قد تكون مستفزة وخاصة، وربما لا تفيد أو تضر أو تهم أحداً، لكن دعني أسأل متى قد تراني قد نظرت إلى المرأة ( النساء ) كقناص يوجه سهام قوسه العربي القديم إليهن ليحظى بأكبر عدد ممكن منالغزلان والظباء .. لا يلبث أن يهبهن للسكن والنار والافتراس!
هل المرأة صيدةأو مسلاة أو مركز لذةاقتناصية ؟ دعنا .. تقول " عاطفية " لكن وفي مجتمع قام علىمفاهيم معينة تجاه المرأة .. حيث ينشأ المجتمع بكليته راكضاً خلفها في تستر ومن خلفخباء شديد الكثافة .. إنه يعتقد أن سبب شوقه العاطفي الجسدي يكمن فيها وهذا خطأبالطبع .. فالسبب موجود في مفهوم التربية غير المتوازن .. فقدان التوازن العاطفي هوالسبب في دواخل الناس .
عندما نشأنا في عالم قروي واضح الملامح لم نكن نعرف معنىالحرمان العاطفي ولا نظرنا للمرأة بعين الافتراس الجسدي .. لم نعرف الواقع غيرالمنصف إلا بعد أن كبرنا وغادرنا قرانا .. بعد أن اندثرت معــالم الخصائص القروية .. لقد كنا بالبـديهة نحيـا حيـاة حضـارية القيم وليس ( الوصاية ).. الناس وقتهاكلهم يعملون ويشتركون في جهد الحياة وألمها وفرحتها .. المرأة لم تكن كائناً غريباًوبعيداً عن التعامل والمكاشفة المعيشية اليومية .. لم يأكل الرجل المرأة ولا حدثالعكس .. كان الإنسان القروي كاملاً لا تجزئة ولا انفصال ولا تربص أو مفارقة . جاءت " المدينة " البعيدة عما يسمونه خطأ بـ" الحضارة "، فالقيم الإنسانية التي تشكلدواخل الناس وبالتالي سلوكهم بعيدة عن المفهوم الحضاري .. نعيش ونتحرك والغربة تسكندواخلنا كنفق العتمة المعبأ بالظلام والخوف والتردد .
أن الأمر لا يقتصر علىالرجل فقط فالمرأة أيضاً تعاني وبشدة من الغربة والغربة العاطفية ثمتصبح زوجة دونمعرفة أو اختيار ثم أماً محتضنة فمربية هذا إن تم لها التواؤم الزوجي .
لم أكنأعاني في صباي عاطفياً ( من يقرأ " المكاشفات " يجد الجواب ) ولا أدري إن كانللصدفة التي لم أجد خلفها دورافي المسألة بعد الأربعين ولو أفترضناه .. فهوالتعقل والمفهموم العميق لإنسانيتها ودورها الحياتي - الضروري الطبيعي - العظيم .
كثيراً ما نتخفى خلف العورات ليس أمام الآخرين فقط وإنما لعدم مواجهة أنفسنالكي لا نتواجه مع قيمنا التي أملتها علينا ثقافاتنا وذلك في نظرتنا وعلاقتنابالمرأة .. فالترسبات المتراكمة في داخل الإنسان تبقى تنزعه من إنضباطاته وتوازنهبصورة حادة .. لكنها لا تكون فالتة بحيث تصبح على نفقة الآخرين في سبيل غنيمة الذات .. ذلك يعود للدوافع الاجتماعية التي نشأت عليها تلك الترسبات.. والحقيقة ( التيأراها ) أنه لا خيانة للذات بالمفهوم الثقافي الإنساني وبالذات في مسائل العواطفالتي تتحول بصورة أو أخرى إلى الغراميات أو العشق وهذا لا يحدث إلا نادراً لكنك حينتدخل في هدأة الحوار الذاتي الخفي .. لا تجد الأمر اختيارياً بحتاً .. العشق لايصلح لأن تزنه دوماً بالعقل والحساب الرياضي وإذا ما فعلت فقد تساهم في قتل أجملمساحة في حياة وساحة قلبك .

دعني ..
فأنا لا أحب أن يوصف وجه الحبيببالقمر أو الشمس أو حتى الشمعة ولا أن يكون الحبيب مصدراً للسهر والهيام والعذابفهذا لا يختلف كثيراً عن طريقة حفر القلب أو رسمه بالطبشور كنصف تفاحة مفرغةيخترقها سهم !!

(8) - هناك تجربة حب رائعة ومعقدة تجلت في روايتك " في عشقحتى " التي تعد واحدة من الروايات المتميزة محلياً وعربياً، وسؤالنا يتجاوز الروايةإلى بطلة الرواية .. حول ما الذي يميز هذه البطلة لتأخذ موقعها الحارق في الرواية ( هل هو الجمال / الثقافة / الحنان / الشخصية .. إلخ ) ولماذا لم تستحضر جزءاً أوبعضاً من تجاربك الوجدانية هنا لتكتب نصها المحلي ؟

* - رواية ( في عشق " حتى " ) هي حكاية مختصرة لامرأة عشت ولا أزال - بعيداً - هائماً في عشقها مع تعددالتجارب وأشكالها .. لقد تعذبت بها ولم تتعذب بي لكنني على ما يبدو وقعت فيما قالعنه الكاتب الفيلسوفشو " عندما تجد نفسك في مسار ضد مصلحتك تجاه امرأة ما .. فأعلم أنك تحبها " أنا شخصياً لا أستطيع أن أحيا بلا امرأة - حبيبة - تحديدا ولمأسأل ذاتي إن كان هذا مطلب خاطئ أو مصيب .. لا اتخذها كملهمة .. ولا أوظفها كتابياًبالضرورة .. لكنها حاجة ضرورية إنسانية ودافع حي جميل للإبداعوالحياة .. قد تظنونأنني رجل بشوارب وعقلانية لكنني لا أنبذ عني صفة الجنون .. وأقل ما فيها العاطفيةالمحرقة والبساطة والألفة تجاه كل الناس.. إنني أحزن لقتل بعوضة أو ذباب .. بالرغممن أذيتهما .. وفي ذات الحال أنا شديد الصعوبة تجاه الحق الذي أؤمن فيه وبه إنني معالحياة والفرح والأمل، و" حتي " قد لا تكون رواية محددة بكل عواطفها عن " حتى " ذاتها والتي أحيا ما حييت أحبها .. لقد كانت رواية دون قصد مبيت .. تدخل بصورة أوبأخرى في عالم القرية وما يحكمها من .. استشهاداتها .. الخ كانت قروية لأننياستيقنت ذلك من حب صبياني قروي .. إينما أذهب يظل مرجعيتي في الذاكرة : غير أنالوعي الرجولي في سن ما أعتقد أنواعاً أخرى وصياغات أخرى .
" وحتى " كما تعلمكلمة عذبت " الأصمعي " والنحويين لدرجة أن دارساً قضى وقتاً لنيل درجة " الدكتوراه " في " حتى " !.. أنا لا أحب المواقف الانهزامية على ألا تكون على حساب الغير .


( 9 ) - تميزت شخصيتك في سنوات الطفولة والصبا وحتى السنوات الأولىالتي قضيتها معنا في الدمام بالتأمل والأناقة مع ميل للانطواء،ولم تكن ترتاح أوتشارك في الأحاديث التي تخوضها مجموعة كبيرة من الأصدقاء، فاتخذت شخصيتك ملامحهاالجادة المبكرة والزاهدة في الآخرين، وفجأة وجدناك تحيل كل شيء إلى سخرية مرة أوهازلة،ثم ما لبث هذا التحول أن تغلغل داخل تكوينك الكتابي واليومي فأفدت منهالكثير في حياتك وأعمالك الكتابية حتى أصبح الحديث معك متعة خاصة يتعشقها الكثيرونوالكثيرات .
هل يمكن أن تضع أيدينا على جذور ذلك التحول الهائل في تكوينك منالانطواء إلى الهزل وإلى السخرية وحب الدعابة ؟

* - جزاك الله خيراً .. ربما نشأت على أن استمع أكثر مما اعتدت على يد جدي المرحوم .. لكنني أرى أننيثرثاراً أحياناً وطويل الحكاية والتفاصيل المملة .. لقد لاحظت هذا في أحايين كثيرةولم أجد لي - ربما نوعاً من المجاملة أو الاحترام .. لا أدري - ! .
ثم لماذا لايكون صمتي نوعاً من الخجل أو عدم القدرة على المشاركة في أمور لا أرغب الخوض فيها . أما السخرية فأنا لا أسخر من الآخرين بل أحملهم في عمق قلبي .. و ..
- يا عبدالعزيز .. الله يوفقك ويزوجك واحدة ما تسمع ! .. لذلك أرجو أن تجيبني على هذهالتفريعات بشأن السخرية المقصودة هنا.. هي روح النكتة والمفارقة والدعابة وليسالمقصود بها السخرية من الآخرين،فأنا أعرف أنك تمقتها ولكنني أسألك عن السخريةالتي تحول المأساة إلى ملهاة لتستطيع التغلب على قسوتها .
هل كانت النكتةتستهويك وأنت طفل ؟
* - أنت تعلم أن الثقافة القروية العامة مشبعة بروح التهكموالمفارقة لكنني كنت استمتع بها كمستمع ولم أكن أشارك آنذاك في إنتاجها .
- هلكنت ترويها للآخرين في طفولتك ؟
* - نعم ولكنها لم تكن أحد مشاغلي الرئيسية .
- اذن كيف حدث هذا التحول في تكوين التعبير عن شخصيتك وعن آرائك عبر استخدامآلية السخرية ؟
* - ربما اسميه تطوراً وليس تحولاًً فالبذور الأولى التيتستمتع بالنكتة والمفارقة موجودة ولكنني بعد أن تزودت ببعض المعرفة ومارست الكتابةوأصبحت لدي اسئلتي المقلقة حيال العالم الخاص والعام وجدتني مدفوعاً لهذه الطريقةالتي رأيتها تساعد الإنسان على التخفيف من المرارة في كافة ظروف الحياة .. ثم أضفإلى ذلك القراءات الهامة التي عشقتها للجاحظ وابي حيان التوحيدي الذي كان يهتم " بالملح " وكذلك في قراءاتي لابن إياس .. هذه القراءات جعلتني أتلمس فعالية الكتابةالساخرة أو المفارقة وقدرتها على التأثير الهائل في القارئ . ولذا يمكن القول بأننيحاولت استخدام هذا الأسلوب - أحياناً - لإيصال الرسالة الفنية لكتاباتي عبر الدعابةالتي أتوقع أن يستقبلها القارئ بنفس روح الدعابة والمرح فتقيم بيننا جسوراً منالتواصل وقبول بعضننا البعض .