عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2017, 09:52 PM
المشاركة 36
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النهاية

جلس على الكرسي يتأمل فنجاة القهوة ، ارتشف منه رشفة و أوقد سيجارته ، نفث الدخان على العالم متمنيا إبادة الجميع . في نفسه جرح لن يندمل يوما ، مطرود من جنة النساء ، مغضوب عليه من رقة الأنثى و شغف الحب ، هيهات هيهات... أن يعود الزمن إلى الوراء ، يوم كان فارسا مغوارا يغزو قلاع الحسن ، و تتلقفه الأحضان الدافئة . أطفأ السيجارة غضبا عليها و على كل ما يحوم حوله ، لا يستحمل ضجيج قعقعة الكراسي و لا وقع الأحذية على أرضية المقهى المرصفة ، لا يزال في ربيع العمر و لم يطفئ بعد شموع عقده الثالث ، لكن حب الحياة أعدم في دواخله فأضحى الموت له مأربا ملحّا ، حاجة لا غنى عنها و إلاّ أصبح مجرما خطيرا ، بعد أن عجز مصابه عن تمزيق أربطة عقله . كم تمنى أن يستريح في رحاب الجنون و يكون مطيّة للهبل يقوده حيث السّراب ، فيحسّ متعة و هو يكمّش الأوراق و يجمعها في حجره و تحت أبطه ، فتتساقط و يعيد جمعها طوال اليوم . كل مراده أن ينتشله القدر من ورطته ، و ينسى ، يحس أن النسيان خانه هذه المرّة بل يستبدّ به الموقف كلّ حين ، كلّ لحظة ، يا للمصيبة ، أتكون ثقافة الذكورة هي من فعلت بنا الأفاعيل ! يتذكر أيام مراهقته ، وهو يطوف على حلقات الفرجة و الأدوية العشبية في السوق ، فالمهرّج المحبوب هو من يزيح الأحزمة عن سراويل النكات و يظهر عورات الكلام . و العشاب الرابح هو من يبيع خلطات تقويّة الذكورة و يزيد من منسوب الرغبة ، تذكر أوّل مرة ناوش المومسات ، كانت الأولى امرأة ذبل جمالها و تضخم جسدها ، رغم ترهّله كان لا يزال ناعما ، هي من أعطته شهادة الرجولة ، الّتي كان يبحث عنها ، عندما همّ بالمغادرة قالت له : " انتبه إلى نفسك ، ستتعقبك النّساء . كانت ككشافة تقرأ المستقبل ، أضحى قدره أن يصير ثور تعشير ، يطوف حول المباني العاشقة للحياة ، إلى أن ناله العقاب و قد غرس سكير سكينا أسفل سرته ، كان وبالا على كل ملكوته ، فأفلست فيه الرغبة و أصبح الخجل يعتري بصره . تمنى لو لم تخلق النساء في الكون ، فأحيانا يرى فيهنّ شقاء أصابه في مقتل ، يتذكر الممرّضة التي كانت تسعفه و تداوي جرحه الغائر ، كانت دامعة العين و هي تكتشف أنه لن يعود إلى الحياة .

شريط الذكريات لا ينقطع حبله في ذاكرته فيعيش نفس الدوّامة و نفس الحقد و الأمل عينه يكبر في جوفه و يتعاظم أن مرحبا بموت مريح من حياة بلا نسمة من حياة بلا أنثى . يتذكر زوجته التي أمضت معه سنة قبل الجرح وسنة بعد الجرح ، يتألم و هو يقبل بمرارة تطليقها ، فلا علاقة بين بني البشر تقوم إلاّ على مصلحة عينية ، كانت تشفق عليه في البداية تبكي كلّ ليلة ، بعدها عندما شبعت من طقوس الحداد ، بدأت تتخلف عنه شيئا فشيئا حتى افترقا .

لا يزال فنجان القهوة أمامه يتنظر أن تمتدّ إليه شفتاه عندما مرّت مسيرة نسائية ترفع شعار الإخصاء لمن ارتكب جريمة الاغتصاب ، يحس ترديدها سياطا مؤلمة مؤذية أكثر من الجلد و الرجم معا ، يقوم من مقامه يشتري قنينة وقود ، يكتب شعاره على لوحته ، نعم للإعدام لا لإخصاء الرجولة .