عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2012, 03:48 PM
المشاركة 3
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:100%;background-color:black;border:3px double red;"]
أضواء على الأدب الموريتاني


تمهيد
لا نبالغ إذا قلنا إن الكثرة الكثيرة منا لا تكاد تعرف شيئا عن الأدب الموريتاني؛ قديمه ومُحْدَثه، قصيده ونثره. ولعل هذا ما حدا أحد الباحثين على وسْم هذا الأدب بـ"الحلْقة المجهولة" في سلسلة الأدب العربي. والحق أن لبلاد شنقيط كياناً أدبياً قائماً يشترك مع عموم الأدب العربي في أمور عدة، بقدر ما يستميز منه بخصائصه الأثيلة التي هي نَتاج بيئته ومحيطه الشامل. ومحاولة منا لتقديم صورة – ولو تقريبية وعامة – عن الأدب الموريتاني ونقده، ارتأينا أن ندبّج هذه الورقات التي هي – في الواقع – قراءة واصفة لإحدى الدراسات الموريتانية المعاصرة القيمة التي نهضت بعبء التعريف بأدب الشناقطة قديمه وحديثه، عامّيه وفصيحه، إبداعه ونقده جميعا.
لقد اتجه اهتمام الدرس النقدي العربي ردْحا غير يسير من الزمن إلى آداب المركز (مصر والشام والعراق خاصة)، فتناولها تناولا شاملا، وكتب عنها دراسات وأبحاثا غزيرة ومتنوعة. على حين لم يلتفت إلى آداب الأطراف/ الهوامش إلا لماما وعرضا. ولذا كان نصيب الأقطار المغاربية عامة والقطر الموريتاني خاصة من ذلك الدرس ضئيلا جدا، وذلك لاعتبارات سياسية وجغرافية وثقافية. وهكذا، ظهرت بعض الأصوات في موريتانيا تنحو باللائمة على أدباء المشرق ونقاده وتعيب عليهم تغييبهم أدب موريتانيا وتهميشه وإقصاءه من اهتمامهم. والواجب أن قضية التعريف بالأدب الموريتاني يجب أن ينهض بها أبناء موريتانيا ودارسوها، ولا ينبغي لهم أن يركنوا إلى الراحة والخمول منتظرين قيام الآخرين بالتنقير في تراثهم الفكري والأدبي والتعريف به. وهذا الأمر ينسحب على سائر الأقطار المغاربية، وهكذا ألفينا مثلا الأستاذ عبد الجبار السحيمي يكتب في الأعوام السبعين مقالا في صحيفة (العلم) يتهم فيه النقد المشرقي بالنظرة الشوفينية الضيقة لتعامله مع أدب المشرق دون أدب المغرب.([1])
لا شك في أن ثمة جملة من المثبطات والصعوبات التي تقف في طريق الأدب الموريتاني، وتجعل الاقتراب منه، والتعرف إليه، وتكوين نظرة حقة عنه أمرا عسيرا. ومنها على سبيل المثال أن أغلب أدب موريتانيا ما يزال مخطوطا حبيس الرفوف في الخزائن الخاصة، والمكتبات العمومية، والخزانات التابعة للزوايا والتي يَضِنُّ القائمون عليها على القراء والمثقفين ولا يخرجون كنوزها للناس ولا يسمحون للدارسين بالاطلاع عليها وتحقيقها ونشرها. وإذا لم يبادر المتوفرون على هذه الكنوز بتحقيقها وطبعها وإذاعتها بين الناس، أو تمكين الجهات المختصة من ذلك، فإنهم سيتحملون جريمة اندثارها أمام الأجيال القابلة. بل يجب في مثل هذه الحال أن تتدخل السلطة السياسية لإرغام هؤلاء الذين يحتكرون هذه المخطوطات على تسليمها للدارسين المحققين، أو إغرائهم قصد بيعها للخزانات العمومية. لأن هذه المخطوطات إنما هي ملك للجميع، ولا يجوز الاستحواذ عليها وإخفاؤها. ثم إن من شأن تحقيق هذه الكنوز وطبعها ونشرها أن تؤدي إلى تغيير جملة من الأحكام التي أمست "مسلمات" في دنيا النقد العربي. يضاف إلى هذه الصعوبة صعوبات أخرى؛ منها أن كثيرا من الأدب الموريتاني قد تعرض إلى الإحراق والنهب على يد المستعمرين، وضاع حظ كبير منه نظرا لغياب الحفظ والصيانة وقلة التدوين. أضف إلى هذا الصعوبات القبلية، ونَدرة وسائل النشر...إلخ.
وبالرغم من هذه العراقيل جميعها، وبدافع من الغيرة والعزيمة الأكيدة على التعريف بأدب موريتانيا والبحث عن مكانة تليق به ضمن خارطة الأدب العربي، قام عديد من الدارسين الموريتانيين في العقود الأخيرة وشمروا عن سواعد الجد والاجتهاد والبحث تحدوهم الرغبة في تقديم صورة لائقة بأدب بلدهم، فظهرت – نتيجة لذلك- دراسات وأبحاث ومقالات قيمة تصب في هذا الإطار. وقد لاحظ الأستاذ أحمد ولد حبيب الله في مقدمة كتابه (تاريخ الأدب الموريتاني) أن التعامل مع الأدب الموريتاني أخذ منحيين اثنين، هما:
أ- منحى يعتبر الأدب الموريتاني كتلة من المفاهيم والأحداث والقيم التي ينبغي أن تظل محروسة أو أسرارا قبلية أو مقدسات لا يجوز نبشها وإذاعتها أو مجرد الاقتراب من حرمتها وحرمها، ويجب أن تبقى مستقلة عن الوجود أو الوعي الموريتاني المعاصر. و"هذا منحى موجود بالقوة على حد تعبير المناطقة"([2]).


فريد أمعضشو
[/tabletext]