عرض مشاركة واحدة
قديم 02-28-2013, 01:17 PM
المشاركة 390
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عناصر الروعة في رواية رقم 1 ـ دون كيشوت، للمؤلف ميغيل دي سيرفانتس
- لقد كتب عن دون كيشوت دراسات كثيرة، في مختلف أنحاء العالم، وسوف يظل يكتب عنها وعن تأثيرها في الأدب العالمي لسنوات طويلة، وعن هذه الشخصية وعلاقته بالعالم وصفاته وشطحات لياليه التي تبعث على السخرية والضحك ولا تثير الاشمئزاز أو الاستهزاء ولا شك أن هذا التحول في مسار الشخصية كان جزءاً من تغير أكبر وأشمل طرأ على العصر كله..

- المشكلة الأساسية التي واجهت الفارس الإسباني، هي مشكلة إنسانية عامة، وإن كانت تقل في درجتها وخطورتها عند الإنسان العادي ، وأن الجنون الذي يبدر عن ذلك الفارس إنما يعبر عن موقف الإنسان المثالي عندما يواجه واقعاً لا يرتضيه ولا يقبله ولا يملك حياله سوى إطلاق العنان كتعويض عن التغيير الذي يجب أن يحدثه فيه.

- لقد تعاطفت الدراسات التي كتبت عن دون كيشوت، بشكل كبير معه، واكتسبت محاولاته المتكررة واليائسة لإصلاح العالم، لوناً من النبل الذي اعتبروه خير تعبير عن الإنسان كوجود مثالي، وكان أكثر ما بهر هذه الدراسات وأصحابها، أن السخرية وروح الفكاهة التي تسود العمل بأسره قد استطاعت أن تحطم الكثير من الأصنام، وعلى قمتها تلك المفاهيم الخيالية التي كانت سائدة في القرن السادس عشر، وتلك الحكايات غير الواقعية عن بطولات خيالية لأبطال تفوق قدراتهم قدرات البشر..

- يقول أحد النقاد حول هذا العمل: "ما كاد هذا العمل يظهر حتى تبددت أفكار الفروسية كما يذوب الثلج عند طلوع الشمس، واستيقظت الإنسانية كما لو كانت في حلم، وضحك الناس على أنفسهم لأنهم سمحوا لهذا العبث أن يسيطر عليهم لفترة طويلة، وتعجبوا كيف لم يكتشفوا هذه الحقيقة من قبل"...

- لقد تسبب دون كيشوت في موت الروايات الرومانسية القديمة، وأنجب الرواية الجديدة ، فمن يومها تخلّى الأدب الروائي عن حجمه الهائل ومظهره المخيف، وطريقته الطائشة، ونزل إلى مستوى الحياة العادية، وخاطب الإنسان كند له وكصديق مهذب مرح..

- لقد كانت سخرية سرفانتس في دون كيشوت سلاحاً مدمراً للقيم البالية وأداة للتغيير والإصلاح، لذلك ليس غريباً أن أعتبر هذا الأديب، المؤسس الحقيقي للرواية العالمية، ولا شك أن الاهتمام العالمي بدون كيشوت يرجع إلى الهجوم الذي شنته هذه الرواية على الروايات الخيالية الرومانسية وما تحويه من قصص لا أساس لها من الصحة.

- يعد عنصر السخرية واحداً من أهم الجوانب التي جعلت من دون كيشوت عملاً متميزاً فريداً، وقد لاقت الطريقة التي استخدمها سرفانتس لإشاعة المرح والضحك البريء من ناحية، ومحاولة إصلاح المجتمع من ناحية أخرى، استحساناً كبيراً من مفكري ذلك العصر..

- استحساناً حدا بالروائيين منهم أن يحاولوا تقليد هذا العمل بطريقة أو بأخرى وإحداث تغيير في مجتمعهم يماثل ما أحدثه سرفانتس في بلاده.

- لم يجعل سرفانتس بطله إنساناً مجنوناً لا يستطيع التفكير، بل جعله قادراً على تقديم الحجج وإبراز البراهين، وإن كانت المقدمات التي يبدأ منها خاطئة دائماً، وعلى سبيل المثال نجده حائراً يفكر كيف يعبّر عن خضوعه التام لمشيئة حبيبته "دالسينيا" وهي حبيبة لا وجود لها إلا في خياله، وكيف يكفر عن أخطائه لكي ترضى عنه، ولهذا يحاول أن يجد مثالاً يقتديه في الفرسان القدماء.. و

- ربما كان من أهم أسباب بقاء دون كيشوت كعمل أدبي ناجح وخالد عبر القرون، هو أن سرفانتس لم يصور بطله كرجل مسلوب العقل تماماً، لا يثير اهتمام القارئ أو تعاطفه بل جعله إنساناً تتسلط على عقله أوهام معينة، وإن لم تنف عنه صفة الآدمية، فدون كيشوت، لا ينقصه الذكاء، أو الشهامة أو الإقدام، وهي لا شك صفات تثير إعجاب القارئ وتقربه منه، والقارئ إذ يضحك على مغالاة هذا الفارس في محاولته تقليد سلوك عصر من الفروسية قد مضى وولى، فهو يدرك أن لدى كل إنسان نقطة ضعف يمكن أن تجعل منه شخصاً لا يختلف كثيراً عن دون كيشوت.

- ولا شك أن التناقض بين السيد وخادمه من أبرز سمات هذه الرواية، بل إنه ليصعب أن نتخيل دون كيشوت دون خادمه فهما يمثلان إلى حد كبير وجهين أساسيين للطبيعة الإنسانية، فإذا كان دون كيشوت يمثل العقل فسانشو يمثل الجسد أو الغريزة، وإذا كان دون كيشوت يعبر عن مثالية الإنسان غير الواقعية، فإن سانشو يمثل فطنة الإنسان الغريزية التي لا تأخذ في حسبانها الأفكار المجردة بل تسعى إلى إشباع الحاجات الأساسية للإنسان.. ويمكن القول إن التناقض بين الاثنين يولد نوعاً من السخرية لا ينصب على واحد فقط منهما دون الآخر.