عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2011, 10:01 PM
المشاركة 150
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (15)



عـرسُ الوفـاءِ



ألقيت في الحفل التكريمي لأستاذي
المربي الكبير هاشم الصيَّادي في
المركز الثقافي العربي في حماة



من مهبطِ الوحيِ في تسبيحةِ السحرِ
من رفرَفِ النُّورِ في إشراقةِ القمرِ


من نبضِ قلبيَ من أحلى هوىً وندىً
من كوثر الحبِّ من ترنيمةِ الوترِ


منَ الصفاءِ ومنْ كنزِ العطاءِ ومنْ
محضِ الوفاءِ من الأهدابِ والحورِ

لصانعِ المجدِ للبانيْ صروحَ هُدىً
منْ أصغريهِ لمن أسلمتُهُ قَدَري

جمعتُ أضمومةً من روضةٍ حَليَتْ
وجئتُ أنثُرُها في حفلهِ العَطِرِ


* * *

يا مُنقذي من ظلامِ الجهلِ تمنحُني
جناحِ نَسرٍ على التَّحليقِ مُقتدِرِ


أَرشدْتَني بجميلِ النُّصحِ تهتفُ بي
إلى الأمامِ لَجنْيِ الشَّهدِ من إبرِ

اِقرأْ وجوِّدْ كتابَ الشعرِ في بلدٍ
عاصيهِ* أصبحَ مِطواعاً على العُصُرِ

تَلقَ الوفاءَ كَذَوْبِ الشهدِ مُمتزجاً
بكلِّ حرفٍ بشالِ الحُسنِ مؤتزِرِ


وامدُدْ يديكَ لمنْ غذَّيتَهم أَدباً
تَجِدْ عطاءكَ مثلَ النقشِ في الحجرِ


* * *

ماذا أقولُ وهل تسطيعُ قافيتي
ردَّ الجميلِ بما أبدعتُ من صُورِ


أنا الذي لم أدعْ للشعرِ صَومعةً
إلا نقشتُ على محرابِها سُوَري


وما عبرتُ صحارى الوجدِ محترِقاً
إلا تطايرَ من كثبانِها شَرري


وكم أثرتُ من الأشواقِ زوبعةً
صيفيَّةَ السُّحبِ لم يهطُلْ بها مطري


وطوَّقتْ أَحرفي جِيدَ الجمالِ بما
نضَّدتُه من لآلي السِّحْرِ في السَّحَرِ

وعدتُ بالشيبِ والإخفاقِ يحملُني
موجُ النَّدامةِ في دوَّامةِ السَّفرِ


* * *

هذا شريطٌ حصادُ الذِّكرياتِ بهِ
سجلتُه بدموعِ الصَّحوِ والخدرِ


فيهِ الوفاءُ بنبضِ القلبِ مرتهنٌ
يداعبُ الشوقَ في سمعي وفي بَصري


أيامَ كُنتَ وكان الفصلُ يجمعُنا
بصُحبةٍ كالنجومِ الزُّهرِ كالزَّهَرِ


وأنتَ كالبدرِ تجلو ليلَنا بيدٍ
تَجري على اللَّوحِ تروي أَروعَ السِّيرِ


لقَّنتَنا العلمَ والأخلاقَ مُدَّرعاً
بالصَّبرِ حيناً وأحياناً بذي خَطَرِ


ينهلُّ كالمُزنِ في توضيحِ مسألةٍ
عَزَّتْ على كل غوَّاصٍ على الدُّرَرِ


ونقرأُ الحبَّ في عينيكَ نلمَسُهُ
في راحتيكَ وفي التَّهديدِ والنُّذُرِ


حتى أضأتَ ظلامَ الليلِ في شُعَلِ
أوقدتَها من شظايا النفسِ والعُمُرِ


* * *

هذي غراسُكَ .. طِبْ نفساً فإنَّ لهمْ
في كلِّ علمٍ كتاباً واضحَ الفِكَرِ


يا مُسكِرَ الجيلِ من أنخابِ كرمكِ لا
تعتبْ على الناسِ والأيامِ والقدرِ


إنّا شريكانِ في النَّجوى يوحِّدُنا
همٌّ مقيمٌ مع الأحلامِ في السُّرُرِ


أما ترانيْ وقد شابَ الهوى بدمي
وأقفرَ العُمرُ إلا من لَظى الذِّكرِ


حتى وصلتُ إلى بيداءَ مُوحشةٍ
إلا من اليأسِ ظِلَّاً يَقتني أَثَري


أنَّى رحلتُ عيونٌ منه ترصدُني
وحيثما كنتُ ضاقَ الكونُ في نَظَري


وما ظفرتُ بوصلٍ في ربيعِ هوىً
حلَّ الخريفُ يُداري ذلَّ معتذرِ


كأنَّني ما عزفتُ الشوقَ أغنيةً
عذراءَ رنَّحتِ الأنسامَ من سَكَرِ


وما حملتُ يَراعاً مُشرقاً أبداً
يهدهدُ الهمَّ بالإبداعِ في سَهَري


* * *

فدعْ ملامةَ من باعوا ضمائرَهم
في سوقِ مُحتكرٍ بالصِّدقِ مُتَّجِر

مداهنونُ لهمْ في كل معتَرَكٍ
وكرٌ تسوَّرَ بالبُهتانِ والأَشَرَ


وجُلُّهم من فراشِ الليلِ رفَّ على
أضواءِ مُحترقٍ في عيشِه البطِرِ


* * *

يا واهبَ النفسِ أعصاباً تَناهبَها
سكْبُ العطاءِ بمدروسٍ ومبتَكَرِ


اِفتحْ كتابَكَ .. اِقرأْ .. نَستمعْ شغَفاً
وحدِّثِ القومَ عن أيامِكَ الغُرَرِ


ولا تلُمني إذا قصَّرتُ إن يدي
مشلولةٌ ولساني قُدَّ من حَجَرِ


أُصارعُ الغدرَ حتى كادَ يصرعُني
بأَكؤسٍ من سُمومِ الزَّيفِ والكَدرِ

أعدى عليَّ زماني كلَّ خائنةٍ
راحتْ تمزِّقُني بالنابِ والظُّفُرِ


حتى وصلتُ لحالٍ كم شقيتُ بها
إذ عدتُ أجمعُ بعضَ القوتِ بالإبَرِ


ومن رآني على ذي الحالِ ألهبَني
لسانُهُ بغليظِ القولِ مُسْتَعِرِ


فأُشعلُ الشِّعرَ إيذاناً بعاصفةٍ
فاسألْ قوافي اللَّظى والعَصفِ عن خبري


وكم طلعتُ على الدُّنيا بقافيةٍ
حمراءَ تقدحُ تحتَ الليلِ بالشَّررِ


وكمْ دفنتُ يراعي في مساومةٍ
تحتَ الرَّمادِ لكي يَخفى بهِ أَثري


* * *

فاعذرْ فديتُكَ تلميذاً أضرَّ به
عصفُ الهمومِ ونابُ الدهر من صَفَرِ


عرفتَهُ في ربيعِ العمرِ مجتهداً
طوراً .. طوراً بليداً قاصرَ النظرِ


واغفرْ جموحَ يراعٍ حشوهُ ألمٌ
يُعاكسُ القدرَ المكتوبَ من ضَجَرِ


ما لانَ للدَّهرِ يوماً في مُنازلةٍ
حتى يُوارى أبيَّاً أضيقَ الحُفَرِ


هناك يبرأُ من آلامِ غربتهِ
فالعيشُ في عصرِنا كالعيشِ في سَقَرِ


هذا يُعربدُ مَزهوَّاً بمرتَفعٍ
وذاكَ يهبطُ مَذموماً بمنحدَرِ


وذنبُ كلِّ لئامِ الناسِ مغتفرٌ
وذنبُ كلِّ كريمٍ غيرُ مغتفَرِ


* * *

فاحبسْ دموعَكَ إن حدَّثتَ في سَمَرٍ
تلقَ الصفاءَ يُضيءُ النفسَ في السَّمَرِ


واطرحْ همومَكَ في بحرِ الحياةِ وطُفْ
في جنَّةِ الحبِّ بينَ الماءِ والشَّجرِ


* * *

هذي جهودُكَ رغمَ العاصفاتِ نَمتْ
وأَينعتْ وزهتْ بالزَّهرِ والثَّمَرِ


فما لكَ اليومَ تأسى كلما ذُكرتْ
تلكَ العهودُ وتُدمي قلبَ مدَّكرِ؟


إنِّي عرفتُكَ طَوداً شامخاً أبداً
وما أظنُّكَ هيَّاباً على كِبرِ


وأنتَ في العينِ ما دامَ الضياءُ بها
وأنتَ في القلبِ حتى آخر العُمُرِ


وأنتَ من أنتَ في دفعِ الخُطوبِ وكمْ
سخرتَ منها فمالتْ عنكَ في حَذَرِ


* * *

يا رائدَ العلمِ والأخلاقِ دمتَ لنا
أباً تقيَّاً .. نقيَّاً .. خالدَ الأثَرِ


أيقظتَ فينا حُداءَ المجدِ في زمنٍ
كانتْ ذئابُ الخَنا تعويْ على النُّهُرِ


وقدتَنا نحو شُطآنٍ مذهَّبةٍ
بالعلمِ نجري على الألواحِ والدُّسُرِ

فكنتَ كالبحرِ تخشى الشُّمُّ غضبتَهُ
وحين يهدأُ يصحو الأُنسُ في الجُزُرِ


* * *

يا هادياً في دُجى الأجيالِ يا علماً
نسعى إليهِ من الوديانِ والحفرِ


دارَ الثقافةِ كم شرَّفتَ منبرَها
إذْ كنتَ في ساحِها الوثَّابِ كالنَّمِرِ


لئنْ تعمَّدتُ إغفالاً لما شهدِتْ
لكَ المواسمٌ من صفوٍ ومن كَدَرِ


فذاكَ أنَّ بياني عاجزٌ وهنتْ
منهُ الحروفُ فلم أَبلغْ بهِ وَطَري


* * *

يا بسمةَ الزَّهرِ في فصلِ العطاءِ أتى
فصلُ الوفاءِ وهذا أولُ المطرِ


إنَّ النفوسَ ظِماءٌ فاروِ غُلَّتَها
من خمرِ كرمِكَ من تاريخِكَ العَطِرِ


وابسمْ فديتُكَ تغنمْ في الحياةِ رضىً
والعمرُ يُزهرُ رغمَ الشيبِ والغِيَرِ


* * *

يا ملهِمي كُلَّ ما أبدعتُ من كَلِمٍ
عذراً لماضيَّ فاقبلْ راضياً عُذُري


أيامَ كنتُ عَقوقاً مزعجاً شرساً
أُلقيْ بنفسي إلى الإيذاءِ والضَّرَرِ


وكنتَ بالحبِّ تدعوني إلى هدفٍ
أسعى إليهِ بطولِ الدَّأْبِ والسَّهرِ


حتى وصلتُ بأفكاري لمنطلَقٍ
من الظَّلامِ إلى الأضواءِ والظَّفَرِ


* * *

يا غارسَ الكرمِ عندي كلُّ مُسكرةٍ
تصبو إليكَ فهاتِ الكأسَ وابتدِرِ


غداً يطوفُ على العُشاقِ سامرُهُمْ
بأكؤسٍ من حُميَّاً غرسِكَ النَّضِرِ


واغفرْ فديتُكَ لا تعتبْ على نَفَرِ
يُكدِّرونَ صفاءَ النبعِ بالعَكَرِ


فغايةُ العيشِ إيثارٌ وتضحيةٌ
وصاحبُ الفضلِ فيهِ أسعدُ البشرِ


وأنتَ من آثرَ الأجيالَ فاغتنمتْ
عُرسَ الوفاءِ تُباهي الكونَ بالخَيَرِ



* العاصي .. النهر الذي يشطر مدينة حماة