الموضوع: أنت طالق...!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2014, 04:23 PM
المشاركة 39
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ ياسر

تقول في مداخلتك بتاريخ 12/3/2014 : " رجوعا إلى المقدمة التي تعتبر مفتاح النص الإبداعي، فهي في المجمل تبين الحالة النفسية للبطلة ليأتي باقي القصة كتبرير لهذه الحالة النفسية كعقدة تحتاج إلى الحل وهذا ما جعل النص قريبا من الخاطرة... فالمقدمة لم تفتح النص على حدث معين.....والقصة تبنى بأحداث حقيقية يقوم بها البطل آنيا، و الفلاش باك مجرد استكمال للصورة و تفسير لتصرفات البطل" ....

- كأنك تقول في هذه المداخلة بأنه لا يوجد حدث في النص وان النص اقرب إلى الخاطرة لغياب الحدث ..فهل ذلك صحيح ..دعونا ندقق في المقدمة أكثر والنص ككل فماذا نجد؟

في الواقع نجد أن النص يروى لنا حدثا جلي الإبعاد ويتمحور حول ما حصل للبطلة ... فها هي تحمل حقائبها بعد أن وقع عليها الطلاق حيث طلقها زوجها العجوز كما يتبين لنا لاحقا وبذلك دخلت لائحة المطلقات لأنها أصبحت تحمل وشم الطلاق، والوشم عادة ما يستخدم لتمييز مجموعة من الأفراد عن غيرهم من الناس.


ونجد أن بطلة النص سارت بعد حصول الطلاق في دربين ربما متوازيين:


الدرب الأول: درب حقيقي وهو ذهابها إلى منزل والدتها لترتمي في حضن أمها التي يبدو أنها هي بدورها كانت قد وشمت بالطلاق أيضا...

والدرب الثاني: سير افتراضي في شارع المجهول... وفي ذلك كناية على الحالة النفسية التي وجدت البطلة نفسها فيها بعد حصول الطلاق وكنتيجة لما يصيب المرأة في المجتمع الشرقي...فالطلاق مثل نهاية الحياة الزوجية مع ذلك العجوز والذي هو بمثابة طريق مسدود وبذلك كان أيضا من الناحية النفسية وكأنه ارتماء في حضن المجهول..

وفي هذا الطريق الافتراضي الذهني شعرت البطلة بالحيرة والخوف والارتباك ( حيث استفردت في مخيلتها غربان الحيرة تنعب في قفارها ) لكنها ورغما مما أصابها وبهدف إيجاد مبرر نفسي يدفعها إلى الاستمرار (أخذت البطلة تقلب حجارة الواقع تبحث خلف جمودها عن ثورة عشق لم تكتمل) ..تلك هي قصتها مع الشاب نبيل ...

هنا وعند تلك اللحظة تروي لنا القاصة قصة البطلة مع ذلك الـ (نبيل) باستخدام تكنيك الفلاش باك حيث تعيدنا إلى الماضي وتروي لنا الذي حدث قبل الزواج ونجد انه وبمجرد أنها تذكرت حبيبها هذا ( نبيل ) انبعث الأمل في ثنايا الذاكرة، وغشي طيفيه عينيها الناعستين... وذلك بمجرد أن تذكرت البطلة كلماته ( عطر كلماته ها قد انفتحت قارورته ) حينما صاح باستحالة أن يتزوجها احد غيره ( نبيل....! عطرُ كلماته ها قد انفتحت قارورته المنسية في ثنايا الذاكرة، واقتحم أسوارها دون استأذان، لتجد نفسها منغرسة به طريقا ترامت مسافاته، وتعسَرت قراءة عناوين محطاته. ها هو ذا طيفه ينبعث من ردحات الماضي البعيد، ليغشى عينيها الناعستين، ويهرق الأمل صوب دواخلها المرتعشة، ويذكّرها بالوعد الذي كتب صحيفة بقائه السّرمدي بدماء قلبه النابض حبا وألما) ...

ثم تكمل القاصة رواية ما جرى للبطلة بعد ذلك اللقاء فتخبرنا بأنه وعلى الرغم من تمسك نبيل بها وغيرته الملتهبة عليها لكنها تزوجت ذلك العجوز وحسب مشيئة والدها ( بقدم سطلة والدها الذي اقسم ان زواجها يتم ذات ليلة كسرت فيها آخر الفوانيس للقيا الحبيب ) حيث انقطعت في تلك الليلة عن لقاء الحبيب ( نبيل)، ودخلت نفق الحياة الزوجية مع ذلك العجوز والتي شبهتها القاصة بدخان خانق...والذي زاد حدة قسوتها أن نهاية علاقتها من الحبيب حدثت في نفس ليلة زواجها وحيث انتهت قصة حبها تحت وقع الدفوف وزغاريد النساء ..فكان ذلك الزواج من العجوز أشبه بـ (بذرة ورد غريبة زرعت بارض تمادت مساحاتها جفافا وتعذر عليها استنشاق الهواء عبر مساماتها الضيقة ) وفي ذلك وصف للحالة النفسية الرهيبة التي أصبحت عليها البطلة...وما اجمله من وصف وتصوير...

وتخبرنا القاصة بعد ذلك عن طبيعة الحياة الزوجية حيث ( اصبحت خادمة البيت وجارية السيد العظيم)..وكان خروجها من تلك الحياة الكارثية مستحيلا كما ان شكواها لوالدتها لم يغير شيئا ثم توالت في حياتها سلسلة من الأحداث السوداء ( كمسلسل توالت حلقاته) ولم يكن بوسعها عمل شيء سوى رفع راية الاحتجاج الصامت ..ثم جاء مرضها ( واستقالتها من عالم الاحياء) كنوع من الاحتجاج الإضافي على واقعها المرير وقد استمرت في تلك الحياة ثلاث سنوات حتى جاء اليوم الذي استشاط فيه ذلك الزوج العجوز ( استشاط غضبا لمنظرها وهي تذوب في فراش المرض كقطعة سكر في بركة ماء ) فاسقط عليها الطلاق...


فكانت كلمة الطلاق (مثل نسمة هبت عليها من شواطئ الأمل) ...اخترقت (جدار العتمة) التي كانت تلفها فتبعثرت أشواك المآسي وشعرت هي بالطمأنينة ...

وبعد الطلاق نجدها قد سارت والأمل يملأ قلبها إلى منزل والدتها والتي عرفت لمجرد رؤيتها بمأساة الطلاق... وربما لانها هي نفسها كانت قد اختبرته او لان الطلاق أشبه بالوشم وهو يفضح مكنونات القلب والنفس...

وعلى الرغم من كل شيء وخلال لحظات انجذبت نحو أمها بمغناطيس الأمومة وهنا يكتمل الحدث...لكننا لا نعرف اين سوف تسير الامور فالنهاية الحقيقة تظل مفتوحة على كل الاحتمالات...

إذا :
- لدينا حدث متكامل له بداية ونهاية والحكاية كلها تروي لنا قصة فتاة أحبت شابا اسمه نبيل انفصلت عنه لتتزوج من رجل عجوز بأمر والدها عاشت معه حياة مريرة لمدة ثلاث سنوات وانتهى زواجها بالطلاق فعادت إلى منزل والدتها...وهذه حبكة مكتملة الأركان على الرغم من الأسلوب الذي استخدمته القاصة في رواية الحدث حيث بدأت من حيث يجب أن تنتهي أي أنها قدمت النهاية ثم روت لنا مجريات القصة لتكتمل الحبكة وربما أنها نجحت في هذا الأسلوب من جعل الحدث نفسه أكثر أهمية من النهاية ( الطلاق ) التي جاءت في المقدمة...

- البطلة ليست سلبية إلى ذلك الحد... صحيح أنها تعايشت مع زواج لا يحتمل لمدة ثلاث سنوات لكنها من ناحية اخرى تمارضت وصمتت فكان ذلك بمثابة حرب استنزاف شرسة تشنها ضد زوجها العجوز التي أجبرت على الزواج منه وحولها إلى خادمة وما الى ذلك... حرب استخدمت فيها سلاحي الصمت والمرض,,,, وقد أثمرت مقاومتها السلبية تلك بل حربها الشرسة في نهاية المطاف فدفعته لطلاقها بعد أن أعياه مرضها ..

- ما أن وجدت نفسها في لحظة ما بعد الطلاق حتى أخذت تبحث في ثنايا الذاكرة عن حبيبها الذي كان وبما يبعث في نفسها الأمل للاستمرار..وانطلقت نحو منزل والدتها ...

قصة رائعة بحق..ومخيلة عجيبة... ووصف وتصوير استثنائي شديد الابهار...يبدو سهلا لكنه ممتنع حتما...