الموضوع: أنت طالق...!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2014, 01:11 AM
المشاركة 38
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


بداية أعتذر للأشخاص الحقيقيين الذين انبنى النص على بعض تصرفاتهم و سيرهم و هذا أضعف الإيمان ، فالكتابة المستندة إلى أحداث واقيعية هي أصعب أنواع الكتابة ، إذ تتقلص مساحة التخيل ، و تدخل الرقابة الذاتية على عملية البناء و تكبل حرية التصرف بقيود الحدث ، و شخصيا لدي بعض المحاولات في هذا الأدب لكن لا أظنها يوما سترى النور لاعتبارات شتى ، ربما في العمل الروائي يمكن صياغة عمل واقعي وسيرة ذاتية نظرا لما تتيحه الصفحات من الاستطراد لجعل الشخصية قريبة من الجمهور و تجعل تصرفاتها مقبولة و لا يلفها الغموض .

و لكن بما أن هذه ورشة يقصد منها أساسا دراسة النص و الوقوف على سبب نجاحه أولا ثم الانطلاق منه لمعرفة أو تلمس ما يجعل النص القصصي موفقا ، و ما هي الأشياء التي تزيد من متانة العمل الإبداعي و تبوئه مكانة رفيعة فلا بأس من مواصلة قراءة هذا العمل ، و اعتباره عملا متخيلا و لو افتراضا .

من حيث نجاح النص فربما الكل يجمع أن نقطة القوة فيه هي اللغة و الصور الشعرية التي يحملها إضافة طبعا لما ذكره الأستاذ أيوب حول حركية النص و استحضار الحواس ، والتضاد ، وغيرها من المحسنات التي برعت الأستاذة مباركة بشير أحمد في صياغتها ، وهذا لن يتأتى إلا لأديب متمرس ماسك بناصية اللغة ، قادر على توظيف ألفاظها في متواليات زخرفية متناسقة ، بارع في توظيف الانزياح الدلالي و استدعاء استعارات مبتكرة ، يبصم بها خصوصيته الأدبية كماركة مسجلة باسمه .
وهذا لا يمنع أيضا من الوقوف عند نواقص النص التي يمكن أن يشتغل عليها الكاتب عامة لترفع من جودة بناء القصة ، لذلك ارتأيت أن أضع هنا بعض الملاحظات التي أراها نالت من النص و قضت استرخاءه على عرش الجودة . هذا طبعا في نظري المتواضع .

ـ ربما أن سلبية بطلة النص لا تحتاج إلى مزيد من الشرح ، فكونها لم تأت بفعل يقوي تواجدها في النص فلافاعليتها جعلت النص لا يشع بالحياة ، السلبية هنا ليست بمعناها الأخلاقي بل بمعناها الحركي فربما لو قلنا أنها استقلت سيارة أجرة و بادلت المارة التحية و غيرها من الأحداث لكانت حياتها فعلية .
ـ المقدمة أو مدخل النص لم تساعد النص وليس فيها صراع حقيقي ، بل محاولة على احتشام لإظهار الصراع ، فلربما لو خرجت البطلة من بيتها واستقرأت العالم حولها وأحست بولادة جديدة و بعد ذلك جاءها الشعور بالحيرة و هي تخطو نحو المجهول لكان الصراع واضحا .
ـ هناك سيطرة الفلاش باك على القصة دون أن تنتفض البطله و تستعيد اشراقتها و تقتنع بوضعها الحاضر ، كأنها فقط تسترجع الماضي لتبرر عجزها الحالي .

هذه نقاط سبق الإشارة إليها والآن أدخل إلى صلب البناء :

كان لايزال ربيع عمرها يدرج على سلالم النضوج الأنثوي، تلك الفاتنة، عندما تقاطرشهد السعادة من أنفاسها الملتهبة شوقا للقاء.

اللقاء هنا كلمة غريبة في هذه الجملة ، هل هو لقاء النضج أم لقاء الحبيب ، وكان الأحرى هنا توضيح هذا اللقاء ، أو لقاء بمعنى الزواج، والنضوج الانثوي هنا ثقيل يمكن اسبداله بكلمة الرشد .
نبيل....!عطرُ كلماته ها قد انفتحت قارورته المنسية في ثنايا الذاكرة، واقتحم أسوارها دون استئذان، لتجد نفسها منغرسة به طريقا ترامت مسافاته، ، وتعسَرت قراءة عناوين محطاته.

ربما كلمة نبيل مستقلة ومتبوعة بفراغ و علامة تعجب ، أعطت قيمة لهذه الشخصية ، لكن أن يغيب الحبيب عن ذاكرة امرأة وهي تعاني ظروف قاهرة في حياتها الزوجية ربما شيء يبدو غريبا بعض الشيء ، تعسرت عناوين محطاته زرعت الغموض في الجملة بعد أن كانت واضحة الانشراح .

ها هو ذا طيفه ينبعث من ردحات الماضي البعيد، ليغشى عينيها الناعستين، ويهرق الأمل صوب دواخلها المرتعشة، ويذكّرها بالوعد الذي كتب صحيفة بقائه السّرمدي بدماء قلبه النابض حبا وألما:
"رحمة ... مستحيل أن يأخذك غيري....مستحيل...!!"

التكرار يفيد التوكيد و هذا إصرار على عدم تذكر نبيل إلا في ذلك اليوم . ربما الاسم له دلالة جميلة بكونه يحمل معنى النبل ، لكن لا حدث في النص يبين هذا النبل بل هناك استسلام كامل و ربما الجملة الموالية بينت ذلك أكثر .

تلك كانت رواسب زفرات اشتعلت بها نيران غيرة هوجاء، حيال ما اكتشف المتيم أن حبيبته، وضياء عينيه، سينتشلها من بين يديه آخر، وأن لافتات الفراق ستُعلى هاماتها قريبا، في حين تتوارى الأحاسيس النازفة حرقة و ولها، وتركل بعيدا أمانيها على رصيف الأوهام، بقدم سلطة والدها، الذي أقسم أن زواجها سيتم ذات ليلة كُسرت فيها آخر الفوانيس للقيا الحبيب، واستبدلت بدخان خانق.

لا يزال اللقاء هنا غريبا هل هو لقاء تشكو فيه لحبيبها قرار الأب فقد حدث أم هو الزواج . ينتشلها هنا أعطيت دلالة النشل و السرقة و النزع ، لست أدري إن كانت قد استطاعت تحمل هذا الدلالة ، و خاصة لكونها موزونة صرفيا على الافتعال و لصق بها معنى الإيجابية في الاستعمال وهناك انتقال من هو إلى هي بشكل غير مريح .

ليلة فيها تبعثرت الرؤى، وتلعثمت خطى المشاعر، وانسدل ستار أسود معلنا عن النهاية، تحت وقع الدفوف، و زغاريد النساء، عندما زرعوها بذرة ورد غريبة بأرض تمادت مساحات جفافها وتعذر عليها استنشاق الهواء عبر مساماتها الضيقة، أين اجتثت جذور كرامتها وألقي بوريقاتها ذاوية في المتاهات
بين عشية وضحاها، أمست تلك الحورية الجميلة خادمة البيت، وجارية السيد العظيم.
شكواها لوالدتها لم تكن لتغير مستحيلا، أو تعبث بالتواءات خط رسمته لحياتها يد الجبروت..!
شريط من الأحداث السوداء توالت حلقات مسلسله، ناشبة أظافرهاعلى شجيرة عمرها الأخضر، وكاتمة على أنفاسها حدّ الهذيان .
- متى؟ كيف؟ هل من سبيل؟ تساءلت بمرارة، ورفعت راية الإحتجاج بصمت، إلى أن أغمي على أفكارها، وأعلنت الإستقالة من عالم الأحياء...!


رغم الرفض المطلق ربما كانت هناك محاولة للتأقلم مع الوضع الجديد و هنا يمكن زرع فعالية البطلة . و ليس فقط مجرد الاستفسار ؟


ثلاث سنوات مضت، تجدولت معاييرها بمسطرة الأنانية، والذكورة الضاربة جذورها في دركات التيه والغطرسة!
والدها الذي استحوذ على تأشيرة التحكم بقراراتها، لأنها ابنته من لحمه ودمه، ومضى يسخّن طبل عجرفته على جمر تأوهاتها ودمع التوسل الملتهب على وجنتيها، وزوجها "الحاج معمر" أحمق،و بخيل ، .قد نُسجت طباعه بغزل القسوة والتعنت...وله من النساء ثلاث...إلى أن سقطت منهارة لا تدرك لأبجديات واقعها الميؤوس منه أدنى التفاتة أو مفهوم صواب..!
وكم ذا تأفف واستشاط غضبا لمنظرها وهي تذوب على فراش المرض كقطعة سكر في بركة ماء، إلى أن تداركته إشراقة شمس دافئة، وهو يلقي بشحنة سخطه اللاذعة في مغاور صدرها، أفعى قاتلة، مربوط بذنبها خيط النجاة:
-"أف... لقد سئمت منك ومن مرضك هذا الذي لا ينتهي أبدا ..أنت طالق...
- طالق .!!؟؟
لم تكن هذه الكلمة ولاريب، إلاَ نسمة من شواطئ الأمل اخترقت جدار العتمة أخيرا، وخلّفت في زواياها المنحنية فوهة،بعثرت من خلالها أشواك المآسي ، ورشّت على عنفوانها الكاسر ترياق الطمأنينة بخاطرها. لم تدر كم من الوقت ارتشفته الدقائق المترامية خلفها، كما حبات خرز ملساء انقطع سلكها فجأة في حضن الزمان.


في هذه الفقرة هناك عودة إلى الأب في الغالب لا يقدم إضافة ، ليغلق النص عند كلمة أنت طالق تفاديا لتكرار حيرة المقدمة أو الاستغناء عن المقدمة ، وربما لإنعاش الفقرة يمكن تطعيمها بحوار من نوع ما منه يمكن استجلاء شخصية الزوج لانتشال النص من التقريرية و كسر رتابة السرد .


وشكرا للجميع