الموضوع: يَدُ المَوْت
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-17-2011, 03:41 AM
المشاركة 21
محمد نجيب بلحاج حسين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
يَدُ المَوْت
.
.


(مهداة إلى أخي المسيحي)
.

***
***
.
قِيسي عَلَيْكِ بِغَيْرِ مِقْياسي
أنْتِ الغِوايَةُ لي وَوسْواسي
.

لي تَحْتَ عَيْنِ اللّهِ أَمْكِنَةٌ
والرّاحُ والأرواحُ جُلاّسي
.

وقَدِ اسْتَعَرْتُ فَماً لأُغْنِيَتي
وَوهَبْتُ قَلْبَ سِوايَ إحْساسي
.

***
***
.

وأخذتُ أحْرُفَهُ لِقافِيَتي
وَيَراعَهُ لِبَياضِ قِرْطاسي
.

وَمَشَتْ خُطايَ بِوَطْءِ خُطْوَتِهِ
واخْتَـــرْتُـــهُ رِئَـــةً لأَنْـفاسـي
.
.

فَوَضَعْتِني في غَيْرِ أمْكِنَتي
وَقَتَلْتِني بِرَصاص حُرّاسي
.

وَضَحِكْتِ حينَ أَمَتِّ ضِحكَتَهُ
وَبَكَيْتِ حينَ أَقَمْتُ أعراسي
.
***
***
.

ما ضَرَّ قَلْبَكِ لَوْ أَقَمْتُ لَهُ
في مَسْجِدِ التّحريرِ قُدّاسي

.
.

صُلْبانُهُ وَأهِلّتي وَقَفَتْ
تَبْكي مَآذِنَهُ وَأَجْراسي
.

لَمْ تُدْرِكي مَعْنايَ في دَمِهِ
فَجَهِلْتِ مَعْنى اللهِ في النّاسِ

.


.
*****


*****
*****


هي قصيدة فكر أخي عبده

وهي لشاعر مبدع وقدير
وقد يأخذ البيت الواحد منها في النقاش
مساحات وصفحات عدة
ويطوف بنا في قضايا كثيرة ومتشعبة

ولو سألنا أخانا تركي عن مناسبتها مثلا
لأفادنا ذلك كثيرا ...

أتوقع أنه كتبها إثر مواجهة دامية بين
مسيحيين ومسلمين مثلا كما يحصل أحيانا في مصر
أو في الهند ... أو كما حصل مثلا في أحداث 11سبتمبر

كل مبدع يشاهد الذي يجري في مواجهات المتطرفين
من كل دين لا يستطيع إلا أن يكتب مثل هذه القصائد
التي تستغرب سيل الدماء بلا مبرر والتي تدعو إلى
التصالح وإلى قبول التعايش مع الآخر برغم الإختلاف

القتل بشع يا أخي عبده... ألست معي في ذلك؟
والإعتداء أينما كان وكيفما كان يثير الإشمئزاز
ويغذي الأحقاد بين بني البشر...

والشاعر هنا يخاطب يد الموت ويتمثلها أمامه
آلة حصاد تجتث الأرواح وتزرع الفتن ...

قِيسي عَلَيْكِ بِغَيْرِ مِقْياسي
أنْتِ الغِوايَةُ لي وَوسْواسي

يتبرأمنها ويعلن أنها عدوة له تحاول غوايته وتوسوس له بإلغاء الآخر
وتقنعه بأن المختلف عنه لا يستحق بأن يعيش أصلا ...
بيت قوي يصدر به القصيدة ويعلن اختلافه مع هذه اليد الشريرة
فمقياسه ليس مقياسها...
هو من الذين يقدسون روح ابن آدم ويكرمونه كما أمر الله
وهي من الذين ينادون بتفتيته إلى أشلاء إذا اختلف
أو أخطأ ...
هو محب للإنسان محترم لخصوصياته وهي كالشيطان
تحاول استدراجه إلى العداوة والبغضاء وإيقاعه في خطيئة
الإعتداء بالقتل...

المعنى في هذا البيت مكثف ودقيق ، وكل حرف فيه منسجم
في روعة لا يتقنها غير تركي ، وبإمكاني أن أسترسل في الحديث عنه صفحات وصفحات ...

وكل بيت من أبيات القصيدة العشر له مثل ذلك وأكثر

لي تَحْتَ عَيْنِ اللّهِ أَمْكِنَةٌ
والرّاحُ والأرواحُ جُلاّسي

عين الله ترعاه وترعانا أخي عبده
وله تحتها أمكنة
تحت رعايتها
أين الحلول والإتحاد هنا؟

والراح هنا هي راح الشاعر التي ترتفع بها عواطفه
ويرتقي وجدانه لتتفتح قريحته عن شعر تستعذبه الألباب
ولا علاقة لها بالخمر الذي يتناوله العصاة...
أما الأرواح فهي ليست أشباحا كما ذكرت
هي الخيالات التي تؤانسه والأفكار التي تراقص قوافيه

وتجالسه فيستلهم منها مثل هذا الشعر البديع

وقَدِ اسْتَعَرْتُ فَماً لأُغْنِيَتي
وَوهَبْتُ قَلْبَ سِوايَ إحْساسي

هذه هي العالمية التي أشرت لها في السابق
هي أغنيته ، ولكنه لا يغنيها بفمه ، بل يستعير لها فما
ليضمن المشاركة والتواصل والمودة بين الأطياف والفئات
وهو إحساسه ومع ذلك فقد وهبه لسواه حتى تخفق كل القلوب
بالحب وحتى يحب الإنسان لأخيه الإنسان ما يحبه لنفسه...
ألا ترى معي أنه معنى في غاية الرقي والجمال
وأنه يصلح لأن يكون دستورا عالميا ضامنا للسلام
وحاميا للإنسانية من التطاحن...

لعلني أعود إلى بقية الأبيات في مداخلة لاحقة إن شاء الله
وقبل أن أختم فإني أشكرك من كل قلبي على أن أتحت لي فرصة
التعمق في هذه القصيدة التي أراها تصلح لأن تكون ميثاقا عالميا
للسلام والمحبة بين شعوب الأرض

تحياتي العطرة