عرض مشاركة واحدة
قديم 10-31-2010, 06:54 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اليومية الرابعة ..
لا يأمر الله بغير الخير


يحلو للكثيرين تحت تأثير الزحم والمعارك التى تنتشر فى شتى ربوع الأرض ضد الإسلام أن يقولوا باليأس والإنهيار وهو فهم خاطئ وهمة ساقطة ..
وهم يظنون أن كتابات المفكرين والأئمة حول الانهيار الذى أصبح والمجد الذى كان أمرا يزيد المرء يأسا بينما القصد الرئيسي من تلك الكاتبات هو تحفيز الهمم لا تثبيطها ..
فالأمة الإسلامية أمة لا تموت بفضل الحق الذى جبلت عليه من خالق السموات والأرض
واليأس الذى يدفع بالمسلم لترك أدواته والانخراط فى التحسر دون إيجابية .. مسلم لم يفقه شيئا من دروس التاريخ وعبره
فلا زال فى الأمة رجال وسيظلون كما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم ".
وإن كنا نحن الآن نتحسر على كبار رجالنا من الأئمة المتقدمين ومن الأئمة المتأخرين الذين توفاهم الله فى القرن الماضي فليس معنى هذا أن الأماكن ظلت خاوية على عروشها بل ما زالت فى شتى أقطار الأرض أئمة لا يقلون أثرا عن السابقين وما غيبهم عنا إلا ظهور الجيل السابق لهم ظهورا كبيرا طغى عليهم
ففي مصر مثلا
التى فقدت الشعراوى والغزالى وعبد الحليم محمود والذهبي ومحمود شلتوت وأحمد شاكر ومحمد عمرو عبد اللطيف .. لا زال فيها كبار علماء الأزهر تلك الجامعة التى لا تخبو جذوتها قط إلا لفترة مؤقتة عند فساد قيادتها ولكن تعود بأكثر مما كانت عليه من التألق بعد ذلك وتاريخ الأزهر موجود وشاهد على هذا
فعندما خبت جذوة الأزهر فى عهد الملك فؤاد بسبب تواطؤ شيخه مع السلطة تمكن المراغي رحمه الله من إعادة الأمور إلى نصابها .. وكذلك عندما تولى الشيخ عبد الرحمن تاج الأزهر فى عهد الثورة خبت الجذوة أيضا حتى أعادها الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود بمواقفه التى كانت تهز العالم الإسلامى هزا لا سيما فى فضح الأسلوب الكنسي فى التنصير بمصر
وفى العصر الحالى
وبالرغم من سيطرة الدولة بعد وفاة شيخ الأزهر السابق الإمام جاد الحق على جاد الحق على مقدرات الجامعة ووجود شيخ الجامع الأزهر الحالى فى موقعه بغير استحقاق من وجهة نظر غالبية علماء الأزهر ..
إلا أن هذا لم يعنى خبو الجذوة .. فجبهة علماء الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية لا زالوا قائمين على أمور التوجيه والتوعية وبياناتهم المناوئة للمواقف السلبية فى الدولة لا تتوقف قط حتى مع الضغط الإعلامى لتغييبها ولم تستطع الدولة أن تفعل فعل الأنظمة السابقة فى التكتم الإعلامى نظرا لوجود السموات المفتوحة التى أخرجت بيانات العلماء واعتراضاتهم والأمور على شفا الإنقلاب بعد أن كسبت جبهة علماء الأزهر أسماع الناس بالإضافة لكوادر الشباب من تلاميذ عمالقة الأزهر والذين يمثلون بحق ذخيرة إستراتيجية تنبئ بأن دور الأزهر يزيد ولا يخبو
فلا زال هناك الدكتور محمد المسير والدكتور محمد عبد المقصود والشيخ محمود عاشور والدكتور عبد الله سمك والدكتور عمر عبد العزيز والدكتور عبد المهدى عبد القادر والدكتور صبري عبد الرءوف والدكتور محمد عمارة
بالإضافة لصف طويل من كبار العلماء والدعاة من خارج الأزهر
منهم الإمام أبو إسحق الحوينى محدث العصر والدكتور محمد سعيد عبد العظيم والدكتور المراكبي والدكتور وجدى غنيم والشيخ محمد حسان والشيخ محمد عبد الملك الزغبي والشيخ الشاب صاحب الحضور الطاغى والثقافة اللامعة أحمد النقيب
وكل واحد من هؤلاء له شعبيته وحضوره وتأثيره الذى يمتد للملايين ولا يقف واحد منهم ساكنا أبدا تجاه أى قضية تستلزم حضوره ويحفرون فى الإعلام أبوابا بعيدة عن سيطرة أنظمة الحكم فيدكون الشبهات دكا
وبالطبع هؤلاء أمثلة لعلماء لا يمكن حصر عددهم ولهم طلبتهم ومستمعيهم على نحو يجعل الصورة على غير ما هى واضحة تماما نظرا لأن إعلام الدولة أو الإعلام المأجور فضائيا لا يؤثر بذات القدر الذى تؤثر به كلمات هؤلاء الأعلام
والناظر لتاريخ الإسلامية يتوصل إلى حقيقة غائبة لابد أن تعود
وهى أن عصرنا الحالى بكل كبواته لا يعد العصر الأكثر صعوبة على الإسلام والمسلمين فكم من حادثات الدهر مرت بتلك الأمة وقامت بعد طول الزمن .. وحسبنا كارثة التتار الذين أسقطوا الخلافة وأسقطوا سائر أقطار العرب حتى وصلوا إلى مصر فردتهم وشاء الله أن يبعث الحضارة من جديد ..
وكذلك عندما استمرت الحروب الصليبية ستة قرون .. وانتهت على يد المسلمين بعد كل هذه المدة العميقة
والذى يراجع تاريخ الكبوة الإسلامية الحالية لن يجدها اضمحلت وزادت إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين وهذا لا يعنى أنها طرقت زمنا طويلا فى عمر الحضارات لا سيما إن وضعنا بأذهاننا الصحوة الغير تقليدية التى بدأت مع بدايات القرن الحادى والعشرين
كل ما يجب علينا الإنتباه له هو أن طريقنا الفاصل نحو النهوض لا يكون إلا بالعلم ورعاية العلماء وطلبة العلم وتحفيزهم كما ينادى المفكرون الآن لأن العلماء وأهل العلم هم على حد قول الإمام الحوينى كحرس الحدود والمرابطين على ثغور الإسلام يجب أن يكفل المجتمع تفرغهم لدورهم خاصة فى ظل الحرب المستعرة تجاه الوعى ورسالة التوعية
وهذا ما يشدد عليه الفقهاء والعلماء والمفكرون الربانيون لأنهم أدركوا تماما مدى التغييب الذى عانت منه الجماهير والشباب بصفة خاصة فدفعتهم لمهاوى التردى المتعددة خلف مختلف الطوائف والاتجاهات من الشيعية إلى العلمانية
ولأن العلم تراكمى ويلزم له الإدراك المسبق لعظمة التاريخ فى حياة الأمة الإسلامية ويلزم له أيضا التبصر بعظمة اللغة العربية ومدى ما أفرزته من معجزات تركها لنا أباطرتها القدامى .. لذا فقد أصبح لازما أن نعرف شيئا عن علم وتاريخ السابقين كيف اكتسبوه وكيف أتاحوه للأجيال التالية
فالناظر إلى أسلوب التعليم الأزهرى القديم الذى أخرج النوابغ يجد عجبا من القدرات التى تميز بها طلبته ويجد إجابة منطقية لهذا النبوغ الذى تميز به خريجوه حتى أن جيلا واحدا من الأزهر ضم الشعراوى ومحمود شلتوت والباقورى وغيرهم
فقد كان الأزهر قبل اعتماده جامعة على النظم الحديثة فى الستينيات يعتمد على أن الطالب يأتى للأزهر بعد إتمامه لحفظ القرآن الكريم فليلتحق حرا بشتى حلقات الدروس التى تدرس الفقه بمختلف مذاهبه مع الحديث بمختلف علومه وكانت المدة المتاحة لأنبغ الطلاب كى يحصل على شهادة العالمية هى عشرين عاما قابلة للزيادة ومنهم من ظل يدرس ولا يشبع من الدراسة أربعين عاما كاملة
وهذا يفسر لنا بالطبع ما نراه من علماء الأزهر من حافظة حاضرة ودراية واسعة بمختلف علوم الشريعة لا يتلعثم منهم واحد فى إجابة أو شرح أو تخفي عنه مقولة لإمام سابق أو متقدم بعد أن أصبحت المراجع الكبري فى الفقه ذات اللغة بالغة الصعوبة أشبه بالجريدة العادية بالنسبة له
وكان نبوغهم فى العربية أمر لا مجال للتجاوز عنه .. والنبوغ المطلق فى مجال اللغة والذى قد يقضي المرء عمره دون أن يبلغه كان فى الأزهر ـ ولا زال ـ أحد الشروط الرئيسية ليكتسب العالم الأزهرى صفته واعتباره
ورحم الله الإمام السيوطى حيث كان يتتلمذ على يد شيخه الكافياجى فى اللغة فجاءه ذات مرة فإذا بشيخه يسأله عن إعراب جملة بسيطة وهى " زيدٌ قائم "
فقال السيوطى وقد أخذته عزته كعالم له وزنه " يا شيخنا هذا أمر تركناه لصغار طلبة اعلم "
فقال شيخه مبتسما " فى زيد قائم مائة وعشرة وجه للإعراب "
فتزلزل كيان الإمام السيوطى الذى كان قد بلغ قدره فى ذلك الوقت كعالم ذو شأن ومع ذلك فهو يجهل هذه الوجوه الإعرابية التى يتحدث عنها شيخه بشأن جملة من كلمتين لا تحتوى إلا على مبتدأ وخبر فلم يترك شيخه حتى أملاها عليه جميعا
واستمر علماء الأزهر على هذا التبحر فى العلوم بالذات علوم اللغة وكان لهذا أبلغ الأثر فيما بعد عندما تعرضت البلاد للإحتلال الفرنسي ثم البريطانى
فقد جعل الأزهر همه الرئيسي الاستمرار فى تغذية طلبته لأسرار علوم الفقه واللغة ضاربين عرض الحائط بالنداءات التى ظهرت تنتقد هذا الإتجاه من علماء الأزهر وتدعوهم للتركيز على المقاومة المسلحة فحسب ودعوة الشباب لذلك
وأثبتت الأحداث أن علماء الأزهر على حق عندما استمروا فى رسالتهم التنويرية فلم يتغير اللسان المصري مقدار خردلة للفرنسية أو الإنجليزية فى تلك العصور بالرغم من أن سائر البلاد التى وقعت تحت الإحتلال الأوربي تمرست فيها اللغات الأوربية حتى خرجت بعض أجيالهم تنطق الفرنسية والإنجليزية كأنها لغتها الأم ونسيت العربية تماما

وهذا الأمر هو الذى تحدث عنه إمام العصر الإمام محمد متولى الشعراوى رحمه الله عندما شرح دور الأزهر فى تعميق العلم والحضارة فى عهود الإحتلال وما بعدها
وهذا يؤكد على المعنى الذى تحدثنا عنه سابقا من أن بداية الحرية والإصلاح تكون بالعلم والتبصير لا بالسلاح

لا يأمر الله إلا بالخير

وعودة إلى الإمام الشعراوى مع تفسير جديد بديع لإحدى كلمات القرآن الكريم تمر عليها العيون مستخرجة فهما خاطئ الدلالة لمراد الآية فى قوله تعالى
[وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] {الإسراء:16}
حيث درج القراء على أن مدلول أمرنا مترفيها يحمل أمرا من الله تعالى لمترفي القرى الظالمة بالفساد فى الأرض وهو تفسير بينه الشعراوى على أنه تفسير متجنى قاصر عن إدراك المعنى الأصلي
فالله عز وجل لو أنه بالفعل أمر المترفين بالفساد والإفساد فعلام يكون العقاب ؟!
هذا بالإضافة إلى أن الله تعالى لا يأمر إلا بخير فكيف يتصور معه أن يأمر بأشر الشر
وبين الشيخ رحمه الله أن هناك فصلا واجبا بين كلمة أمرنا وبين الفسق ..
فالله عز وجل أمر مترفي القرية بالتقوى وهذا هو معنى الآية فخالفوا أمر الله تعالى ففسقوا فحق عليهم العذاب .. ولذلك أتت الآية بالنص البديع أمرنا مترفيها ثم تلتها بتعبير ففسقوا .. ولو كان الأمر أمرا من الله تعالى بالفسق لما جاء التعبير بقوله ففسقوا لأن السياق يقتضي أن يبين الأمر عندئذ فتجئ الآية أمرنا مترفيها بالفسق ففسقوا ..
وهو ما لم يحدث دلالة على أن أمر الله عز وجل جاء للمترفين على شاكلة أوامر الله تعالى فى القرآن الكريم دائما بالخير وكانت النتيجة هى مخالفة الأمر فجاء العقاب باستحقاق العذاب
فرحم الله شيخنا الجليل وجزاه عنا خيرا