عرض مشاركة واحدة
قديم 09-30-2010, 01:52 PM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اليومية الثانية

قضية عمل المرأة ورأس الحربة!


رحم الله أمامنا الجليل محمد متولى الشعراوى ..
كلما صادفت له لقاء عبر برنامج تليفزيونى أو كتاب أو حديث إذاعي أو حتى قصة من قصص المقربين منه أتمتم بالترحم عليه وأجدنى فى دهشة دائمة من تلك البديهة التى لا يمكن تفسيرها بأنها علم مكتسب وفقط ..
لأن العلم المكتسب توافر للآلاف من العلماء لكن الفهم وقضية الإدراك كانت هى الموهبة التى ميزت العالم عن العلامة والمدرك عن الفهامة ..
واليوم أسوق لكم يومية دسمة من يومياتنا فى ضيافة الإمام تحمل قضية ظلت عقودا طويلة يحملها المستشرقون كرأس حربة ـ والتعبير للإمام ـ ألا وهى قضية عمل المرأة ومجمل ما يحيط بها على اعتبار أن الإسلام ضدها وما إلى ذلك من التجنى المغرض
ولم يكن هناك قبل الشعراوى من يهتم بالرد على افتراءات المستشرقين إلا فى حدود رد الفتن إذا وصلت هذه الأفكار للناس فسألوا عنها ..
وكان داعى هذا التجاهل انحسار القضايا الإستشراقية نوعا ما فى تلك الفترة واهتمام الفقهاء بمهمتهم الأصلية فى رحاب الفقه الإسلامى
حتى أتت سنوات الصراع المذهبي فى العالم وتفجرت عقب ظهور الشيوعية ونقيضتها الرأسمالية وقيام دولة اليهود على أرض مغتصبة واتخاذ الدول الإستعمارية الجديدة مذهبا يختلف عن مذاهب الإستعمار القديم القائم على الإحتلال العسكري واستبدلوا به ما هو أخطر وهو الإحتلال الفكرى
وواكب ذلك تفجر حركات التحرر الوطنى وظهور حاجة الجماهير العربية إلى حماية قوميتها القائمة أساسا على الدين الإسلامى مما مثل خطرا أكيدا على مصالح الدول الكبري
وإلى جانب تلك المصالح ظهر اليهود وقد انضموا إلى حلف ورعاية أمريكية عقب فترة حضانة بريطانية ولبراعتهم المذهلة فى مجال الإعلام ولعداوتهم المعروفة عبر العصور للإسلام جندوا حشدهم الإعلامى والفكرى للنيل من مكانة الإسلام فى قلوب المسلمين لإدراكهم التام بمدى الخطورة التى ينطوى عليها هذا الدين إذا تمكن من قلوب معتنقيه
فظهرت العلمانية وأخواتها وعشرات المذاهب والأفكار المتناقضة تضرب ضرباتها هذه المرة فى قلب الدول الإسلامية لا سيما العربية ونجحوا فى بلبلة الكثيرين ممن يتمسكون بدينهم ويعجزون عن مواجهة تلك تلك الإنتقادات الخبيثة
ولأن الله تعالى هو خير الماكرين ..
فقد ظهرت مع تلك الهجمات طليعة منتقاة من أصحاب الفكر الإسلامى وهم الفئة التى كان الإسلام يحتاجها أشد الإحتياج لإيقاف الإجتياح الغربي بنفس الأسلوب وهو الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق
وكان المفكرون الإسلاميون الذين تصدوا للهجمات من طراز فريد
فلم يكونوا فقهاء وعلماء شريعة كبارا وحسب بل كانوا من أهل الإطلاع على نوعية وثقافة مهاجميهم وأيضا من أهل الفكر المستنير والحافظة الحاضرة التى مكنتهم من قرع سائر الحجج الإستشراقية وردها بكيدها إلى أعدائها
وكما قال الإمام الشعراوى عن هذا الانتصار المبهر للفكر الإسلامى
" إننا ندين للمستشرقين وأعداء الإسلام من أصحاب المذاهب المنحرفة فلولا شبهاتهم لما قيض الله لدينه من يتأمل ويستنبط ويستخرج الدرر المكنونة للرد على اتهاماتهم واكتشاف المزيد من عظمة هذا الدين "
وكان ممن ظهروا ونبغوا فى مجال الرد على الشبهات الإمام محمد عبده والشيخ محمد مصطفي المراغي
وجاء الإمام الشعراوى فى الجيل التالى لهؤلاء ليصبح نسيج وحده فى هذا المجال فلم يترك شبهة أو مقولة إلا وقام بالرد عليها داخل وخارج وطنه فى قلب الغرب عبر الندوات التوضيحية المختلفة بأوربا والولايات المتحدة ليهزمهم فى عقر دارهم
وهى تلك الفترة التى واكبتها إجراءات أمنية مشددة له من الأجهزة المختصة عقب تلقيه تهديدات مختلفة من جهات مختلفة ..
ومما هو جدير بالذكر أن جهود الشعراوى ومحمد الغزالى وشلتوت ود. محمد عمارة وغيرهم من عباقرة علماء الإسلام تم تغييبها وتجاهلها عمدا فى بلادنا ونحن الأحق بالحفاظ عليها .. بينما هى ـ ويا للمفارقة ـ محط اهتمام الغرب عداوة واحتفاء


قضية المرأة ..


نعود مع الشيخ فى البرنامج الشهير " لقاء الإيمان " الذى كان يعده ويقدمه الإعلامى فوزى ناصف ويستضيف فيه الشيخ الشعراوى ليطرح أمامه قضايا شرعية مختلفة متركزة حول الشبهات التى تثيرها الجهات المعادية فى الداخل والخارج
وسأركز فى طرح فكرتين عبقريتين استنبطهما الإمام الراجل وتعد من فرائد ما أتى فى مجال التفسير ومعالجة الواقع المعاصر بالفهم الإسلامى السليم وهما فكرتان لخصتا قضية المرأة تماما
قام الإعلامى فوزى ناصف بسؤال الشيخ مستوضحا عن قوله بشأن قصة شعيب عليه السلام كيف استنبط منهما الإمام أن الأصل ألا تعمل المرأة عملا خارجيا بينما الاستثناء الضرورى وحده هو الذى يعطيها العذر فى ذلك

فقال الإمام
{ أنا أول من أثار قضية عمل المرأة من خلال استنباط معانى قصة شعيب وابنتيه عليه السلام .. المرأة التى صنعوا منها ومن قضيتها رأس حربة ليثيروا بها القلاقل حول الدين الإسلامى ..
فالله عز وجل عندما يقص القصة لا يكون هذا بغرض التسلية بل يكون بقصد أخذ العبرة والعلم فلما تعرض لهذه القصة جل سبحانه قال تعالى
[وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ] {القصص:23}
هذه الآية المنفردة والتى تعبر العين عليها فى ثوان أعطتنا قضية المرأة وحكم خروجها عبر الاستنباطات التالية
أولا ..
ففي قوله وأبونا شيخ كبير علة وعذر قدمتها الفتاة وبالتالى أصبحت هناك قاعدة وهى ألا تخرج المرأة بغير علة من بيتها ولولا هذا ما ردا على استفسار موسي عليه السلام بشرح السبب وإعلان العلة وهى غياب العائل
ثانيا ..
قوله عز وجل لا نسقي حتى يصدر الرعاء معناها أن العلة إن أجبرت المرأة على الخروج فليس معنى هذا أن تتحرر من كامل حرصها بتوافر العلة ولكن تتخذ سبل الحيطة والحذر ولا تشارك الرجال أماكنهم صيانة لأنوثتها ولولا هذا ما أتت الفتاتان تزودان أى تهشان الغنم عن الماء حتى ينتهى التزاحم والتلاصق حول البئر
ثالثا ..
وتستمر الحكمة القرآنية فى قوله عز وجل فسقي لهما .. وهذا يعطينا حكما ثالثا على أن المرأة إذا خرجت للمجتمع فى غياب العائل فعلى المجتمع أن يخف رجاله لكفاية حاجتها
رابعا ..
خروج المرأة للضرورة يجب ألا يكون انتهازا للفرصة بمعنى أن المرأة عندما تضطر لذلك فيجب أن يكون شعورها مستمرا بتمنى العودة لبيتها حال وجود الفرصة وهذا ما حدث عندما قالت كبراهما يا أبت استأجره .. ففي هذه العبارة دليل على أن خروجها لم يكن إلا رغما وحال توفر فرصة العودة لبيتها قامت بتنبيه والدها ولو أن الخروج كان فى نفسها هدفا لما نبهته
}

وهكذا أتى الشيخ الشعراوى بتلخيص بديع لقضية أثارت جدلا متعمدا على غير ذى واقع ولخص الأمر لمن أراد الإلتزام
وسأله الإعلامى فوزى ناصف اسمح لى أن أسألك ما هو مقياس الضرورة ؟!
فقال الشيخ بعد ضحكة خفيفة
{ الضرورة مقياسها أنها تموت جوعا لو لم تطبقها .. ولكى يكون الكلام صريحا إنك عندما تخلص النية لتطبيق شرع الله ومنهجه يوفقك الله حتما إلى اتمامه فليس الأمر أمر التماس أعذار أو انتهاز فرص }
فعقب الإعلامى قائلا هل نعتبر هذا رأيا للشيخ الشعراوى ..
وهنا أتى الشيخ باستنباطه الثانى الذى لا يقل روعة عندما
أجاب
{ أى رأى يا رجل إنه ليس رأيا إنه قرآن للمرأة عمل وواجب لو أنها حرصت عليه أمام زوجها ومنزلها وأبنائها لما وجدت وقتا لتأكل وتشرب وهكذا رأينا أمهاتنا فى بلاد الفلاحين عندما ينتهى عمل المنزل تبدو منهكة القوى ..
وليس الدليل القرآنى على أن الخروج للعمل هو واجب الرجل وحده قاصر على قصة شعيب .. فأمامنا قصة سيدنا آدم عند خروجه من الجنة ونزوله للأرض عقب مخالفته لربه قال له عز وجل
[فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى] {طه:117}
ومع التأمل فى الآية الكريمة نجد أن الخطاب بالمثنى فلا يخرجنكما وبالرغم من هذا فقد ختم الآية بخطاب آدم منفردا قائلا له فتشقي .. فلماذا ؟
هذا الخطاب متعمد لأن واجب الخروج للشقاء هو واجب الرجل وحده أما المرأة فمهمتها الداخل وهى مهمة لو أبصرتم لا تقل إن لم تزد أهمية ويكفي أنها ستتعامل مع من لا عقل له }

انتهى كلام الشيخ
وسبحان الله كم من مرة نمر على الآيات ولا تلفت أنظارنا كوامن أسرارها البديعة .. وليس هذا بمنته عن القرآن فهو الذى أتى معجزة الزمان إلى آبد الآبدين لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء

وبعد وفاة الإمام الراحل بأقل من عامين طالعتنا الأنباء بعدة أخبار كم أتمنى لو تأملها المتأملون ليدرسوا ويروا بأعينهم كيف أن شرع الله تعالى هو الأنسب للبشر وكيف جاء الحق على لسان أعدائنا
فالذين صدعوا رءوسنا بالحضارة الغربية والمدنية والتقدم بمفاهيمهم التى يرونها لتلك المعانى لم نسمع لهم صوتا على ما جاءت به الأنباء من أوربا عن تشكل أغلبية الرأى العام هناك تحت لواء النداء بالعودة للطبيعة والبساطة والخروج من غابات الأسمنت ومنح الفرصة لغذاء الروح وتشكلت بالفعل عشرات الجماعات التى قامت برحلات متكررة فى فصول العام تخرج بها إلى الغابات وتعيش معيشة الإنسان البدائي بعد أن ملكوا أمر الدنيا لقرن واحد فدمروا الأرض بالموت البطئ عبر مختلف السموم الأدخنة والإختراعات الترفيهية التى تجنى وبالا على الطبيعة
وجاءت الأنباء أيضا من روسيا مهد الشيوعية
التى قالت بأن الدين أفيون الشعوب أن علماءها المتفوقون فى مجال فسيولوجيا المخ والأعصاب انتهت أبحاث أكبرهم وهو البروفيسور أنوكى إلى أن وظائف المخ الرهيبة التى تم اكتشافها وضعت أمام العلماء حقيقة أن المخ يتكون من نصفين مختلفين فى الوظيفة فالأيمن للعقائد والفنون والأنشطة الذهنية بينما الأيسر للأنشطة العضلية والمادية وخرج فلاسفة أوربا بعد هذا الإكتشاف بنتيجة أن الأمراض النفسية التى تعصف بالعالم الغربي وتؤدى إلى مختلف أنواع جرائم المجتمع والإنتحار والشذوذ ناتجها تعطل وظائف النصف الأيمن مع الاهتمام الساحق بوظائف الجزء الأيسر فكان من الطبيعى أن تنهار بنية المجتمع الغربي بهذا الشكل
ووقف أحد مفكريهم يقول ـ ويا للسخرية ـ إننا نحسد الحضارات الشرقية بالرغم من تخلفها التكنولوجى لأنهم استثمروا النصف الأيمن بوجود العقيدة التى مثلت حاجز الحصانة بينهم وبين هذا الانهيار
بينما نحن فى الشرق ـ على حد قول المفكر د. مصطفي محمود ـ لا أصبحنا نمثل أنفسنا كشرقيين ولا حتى أدركناهم فى تقدمهم المادى بل أصبحنا كائنات مشوهة تحت تأثير التبعية للغرب وثقافته التى احترفت التضليل المنظم
ومن الولايات المتحدة الأمريكية وعقب حوادث العنف والقتل والتحرش التى ضج بها المجتمع الأمريكى بنسبة خرافية حوالى 70 % من النساء يتعرضن للاعتداءات المختلفة التى تكون من نتيجتها إخضاع الضحايا الأحياء لإعادة تأهيل نفسي فقد أجرت إحدى المؤسسات الصحفية استفتاء على هامش هذه القضية فجاءت النسبة الساحقة من النساء مؤيدة لوجهة النظر القائلة بأن مبادئ ومذاهب حرية المرأة ما هى إلا مؤامرة على الشعب الأمريكى ؟!

مؤامرة ؟!
وإن كانوا هم أهل وأصحاب هذه المذاهب والتى صدروها لنا فى علب الأفكار المستوردة ولا زالت ذيولهم حتى الآن تنادى بهذه الأفكار ومع ذلك يعتبرون أنفسهم ضحايا فما الذى نوصف به نحن إذا ؟!
والسؤال الأكثر أهمية إن كان العالم الغربي بأوربا وأمريكا تراجع عن سائر مذاهبه وبدأ فى إعادة هيكلة نفسه بل ونقل العدوى لليابان أيضا فما بالنا نحن فى مجتمعاتنا لا زلنا نجد من يقف وينادى ويكرر بأسلوب بالغ السخافة والحماقة نفس القضايا التى جعلت مجتمعاتنا أشبه بملهاة مضحكة فالنساء يعلمون والشباب القوى القادر على العمل يقضي وقته فى المقاهى وتحت تأثير هذا الخراب الإجتماعى وتحت تأثير وجود المرأة بالشارع بهذا الانتشار وانتشار ثقافة التحرر أصبح الشباب بطبيعة الحال عازفا عن الزواج وهو الأمر الطبيعى لأن المرأة أصبحت فى متناول يده وتحت نظره كل يوم
فظهرت ابتكارات العلاقات الفاسدة كعقود الزواج العرفي وغيرها تحت تأثير واحد فقط هو إلحاح الشهوة من الطرفين
وظهر أيضا زواج المسيار الذى أفتى الفقهاء بجوازه نعم لكن هل يمكن إنكار أنه ابتذال لمكانة المرأة ووضعها الذى نظمه الإسلام فى إطار تنظيم إجتماعى متكامل ؟!!
نسأل الله عز وجل أن نكون ممن قال فيهم
[رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ] {النور:37}