عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2014, 04:05 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الــجــزائر… محنة أكبر من فوز بوتـفـليــقـــة وخسارة بن فليس
توفيق رباحي
april 26, 2014
عن القدس العربي

انتهت انتخابات الرئاسة بالجزائر كما أُراد لها منظموها وكما كان يجب أن تنتهي. كان السيد علي بن فليس رمزا لمتناقضتين في هذا الاقتراع: هو المنافس الأكثر جدية لبوتفليقة، وهو المرشح الذي لا فرصة له في الفوز. كل من انتظر فوز بن فليس واهم أو حالم.
خسر بن فليس لأن بوتفليقة كان يجب أن ينتصر. لا يمكن أن يترشح رئيس عربي ويفشل في خلافة نفسه. بوتفليقة ليس استثناء، والجزائر نموذج آخر في منطقة تختزن الكثير من النماذج الصارخة.
وفاز بوتفليقة لأن هناك فعلا من صوَّتوا له. صوّت له المشدودون إلى الماضي والمولعون برموز فترة ولّت إلى غير رجعة. صوّت له الخائفون من المستقبل والمذعورون من تجارب إقليمية محبِطة. صوّت له ضحايا حملة إعلامية وتلفزيونية رهيبة وموجهة بإحكام ارتقت إلى مستوى الحرب النفسية، شعارها: بوتفليقة أو الجحيم.
ثم صوّت لبوتفليقة أصحاب المصالح المباشرة، مادية كانت أو معنوية، وهم كثيرون وفي كل المستويات الاجتماعية.
ثم صوّت له التزوير، مع التنويه إلى أن الجزائر تجاوزت منذ مدة مرحلة التزوير التقني البدائي. التزوير اليوم هو تزوير المشهد وتجهيزه قبل يوم الاقتراع بفترة كافية بحيث لن تبقى هناك حاجة ملحة للتلاعب بالصندوق وفرز الأصوات. كنموذج على تزوير المشهد يمكن ذكر وضع بوتفليقة أقرب المقربين منه في مناصب لها صلة مباشرة بالاقتراع: وزيرا الداخلية والعدل، رؤساء الجهاز القضائي، رئيس المجلس الدستوري صاحب الكلمة الفصل في النتيجة النهائية، بالإضافة إلى الولاة (المحافظون) الذين يديرون العملية في الميدان.
كل هذا حدث قبل سنة وأكثر من موعد الاقتراع. وكل هذا لم يترك أدنى فرصة لكائن من كان سينافس بوتفليقة.
أما التلاعب بالصندوق ومحاضر الفرز وغيرها من تفاصيل، فهي مكمِّلة لضمان النتيجة وليست حاسمة. ولا يمكن إنكار أن تزويرا من هذا النوع قد حدث.
بن فليس يتحمل المسؤولية التاريخية من حيث كونه آمن بالتغيير بالصندوق، والمفروض أنه أحد أكثر العارفين أن هذه السلطة غير جاهزة للتغيير بالصندوق. ولن يشفع له القول إنه رمى بمشاركته في الانتخابات إلى كشف زيف ادعاءات السلطة وتزويرها. هو هنا كمن يكسر بابا مفتوحا.
هذا كله الماضي. تحتاج الجزائر اليوم للنظر إلى المستقبل. يحتاج المصدومون من فوز بوتفليقة إلى الاستيقاظ من صدمتهم، ويحتاج الذين رقصوا في عرس فوزه إلى النزول من برج غرورهم.
تحتاج هذه السلطة العمياء بالقوة والنفوذ وريع النفط إلى الاقتناع بأنها لا يمكن أن تكذب على كل الناس كل الوقت. بوتفليقة لا يمكن أن يدير البلاد بمفرده مهما أوتي من عبقرية، وهو ليس أفضل حالا من حسني مبارك وزين العابدين بن علي في 2010. وأسعار النفط لن تبقى فوق المئة دولار للبرميل إلى الأبد. والسلم الاجتماعي لا يمكن شراؤه إلى ما لا نهاية.
وعلى المعارضة، أحزاب وشخصيات، أن تفهم أنها لن تصل إلى نتيجة تجلب لها الاحترام وهي منفسمة وموزعة وملغَّمة، وأن العمل السياسي يحتاج إلى صبر ونضج أكبر وتضحيات أكثر.
ضيّعت الجزائر في 1999 فرصة تشكيل قطب معارض سلمي كان من شأنه أن يخفف من جموح بوتفليقة في الاستفراد بالسلطة. المقصود هنا بعض المرشحين الذين انسحبوا من سباق الرئاسة آنذاك، أحمد طالب الإيراهيمي ومولود حمروش وحسين آيت أحمد بما لهم من كارزما وواقعية. لكنهم جميعا فضلوا العودة إلى بيوتهم والتزام الصمت محطِّمين بتصرفهم أملا جميلا.
ليس من حق الجزائر أن تضيّع فرصة أخرى مشابهة إلى حد ما فرضتها ظروف انتخابات السابع عشر من الشهر الجاري.
بعض التقارير المسربة تتحدث عن تنازل السلطة من خلال منح المعارضة حقائب وزارية غير سيادية وتوسيع نطاق حضورها في البرلمان بعد انتخابات نيابية قد تجري في نهاية هذا العام.
إذا حدث هذا فعلا فسيكون تكرارا للفشل، فوق أنه خدعة جُرِّبت وتتكرر منذ عشرين سنة. ذلك أن ‘الهبة’ لا تُمنح لمعارضين حقيقيين بل لمتواطئين يقبضون من السلطة ثمن مواقف معينة، فتتباهى هي بأن الديمقراطية بخير بدليل مشاركة المعارضة في الحكم، ويتمتع هم بما ينالهم من الريع.
يذكر الجزائريون تجربة مشاركة حركة مجتمع السلم (إخوان مسلمون) في أكثر من حكومة خلال العقدين الماضيين، ولا يحفظون منها سوى كونها جرت بمنطق الغنيمة للأفراد والتنظيم على السواء.
ويذكرون أيضا مشاركة أحزاب أخرى كانت دروسا في الفشل.
منطق وزمن ‘المنَّة’ والغنيمة يجب أن ينتهيا. على هؤلاء التوقف عن هذا التفكير به وعلى أولئك رفضه. أولوية السلطة، إن أرادت السلم والسلام، أن تقتنع بأنها في الطريق الخطأ، لا أن تمنح المزيد من الرشى لمن تخشى جانبهم.
وأولوية الذين يختلفون مع السلطة أن يتحدوا حول خطة عمل طويلة المدى تجاه المجتمع، لا يكون الريع جزءا منها.
جيل نوفمبر أخفق وقطيعته مع الأجيال الجديدة هائلة. نظام الحكم الجزائري في طريق مسدود. انتهت صلاحيته بفشل ذريع، ومآله الطبيعي الانفجار يوما، من الداخل أو من الخارج.
محنة الجزائر أكبر من فوز بوتفليقة وخسارة بن فليس. هي مأساة بلد يئن لكنه يرفض الالتفات إلى مصدر وجعه. بقيت هناك فرصة أخيرة على عقلاء هذا النظام اغتنامها طالما أنهم يرفضون العنف والتغيير بالقوة، وعلى العقلاء خارج السلطة عدم تفويتها إن هي لاحت في الأفق.