عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
8254
 
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صبا حبوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
397

+التقييم
0.08

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة
الرياض

رقم العضوية
9765
07-04-2017, 09:22 PM
المشاركة 1
07-04-2017, 09:22 PM
المشاركة 1
درس بحثي حول فن المقامة ..
1-مفهوم المقامة:


يحيلنا الجذر اللّغوي للمقامة على "المجلس"، أو على " مجالس النّاس"(1) ، ونستطيع أن نرى بوضوح توسّع دلالات هذه الكلمة لتعني الأحاديث و القصص في هذه المجالس بما أنّها تحتّم وجود أحاديث في موضوعات كثيرة ، فأصبحت الدّلالة الاصطلاحيّة للمقامة لا تحيل على المجلس مباشرة ، بل على الأحاديث التي تُلقى فيه.(2)

واتسمت هذه الأحاديث في البداية بالإطار الدينيّ والوعظ والإرشاد ، ثم تنوعّت فباتت تشمل قصص التاريخ والمرويات ؛ كحروب العرب وأخبار ولاتهم وخلفائهم . وما لبثت أن انتظمت في نمط معين ، له قواعده الخاصّة في التركيب والإسناد. وفي هذا التطور الذي شهدته المقامة ، ما عادت تقترن بالحديث ، بل اقتربت من السياق القصصي وبات لها راوٍ وهمي يحيل متنها إلى وقائع وأحداث متخَيّلة. وباعتبارها تقدّم حكاية فلابدّ من بطل يبني بأفعاله نسيج تلك الحكاية إلى جانب الراوي الوهمي.

فالمقامة من أشكال القصّة القصيرة بل إنّها تعدّ بداية لها ، وتبقى كأي نوع مبتكر؛ فقد وظّفت ملامح الموروث القصصي الذي سبقها بقالب جديد ، وكانت أغراضها تنبع من روح العصر الذي تنشأ فيه ؛ فانتقلت من أغراض الوعظ والإرشاد إلى أغراض الظُرف والكديّة ، وفي العصور المتأخرة اتُخذت وسيلة للوصف والمدح والتعليم وغيرها.(3)

ويقال إنّ الهمذاني وضع مقامته ليعلّم بها تلامذته ، معارضاً بها أحاديث ابن دريد، وهذا ما يشرحه الحُصري في كتابه "زهر الآداب" : "لمّا رأى أبا بكر محمد بن الحسين بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً ، وذكر أنّه استنبطها من ينابيع صدره ، وانتخبها من معادن فكره ، وأبداها للأبصار والبصائر ، وأهداها إلى الأفكار والضمائر ، في معارض عجمية ، وألفاظ حوشية.....عارضه بأربعمائة مقامة في الكديّة ، تذوب ظرفاً، وتقطر حسناً".
ويُجمع مؤرخو الأدب بأغلبيتهم على ريادة بديع الزمان الهمذاني في ابتداع فن المقامات ، وقد أبدى الثعالبي إعجابه بصنيع الهمذاني في كتابه "يتيمية الدهر " بقوله : "بديع الزمان معجزة همذان....لم ندرك نظيره في ظرف النثر وملحه ، وغرر النظم وبكتبه ، وكان صاحب عجائب وبدائع".(4)
وقد ترك لنا الهمذاني أكثر من إحدى وخمسين مقامة ، كانت أنموذجاً لمن جاء بعده واقتدى بفنّه، وأهمهم الحريري البصري) الذي كتب أيضا خمسين مقامة ، حذا فيها حذوَ الهمذاني ، و نجده يثني عليه ويؤكد في كتابه أنّه " سبّاق غايات ، وصاحب آيات . وأنّ المتصدّي بعده لإنشاء مقامة ، ولو أؤتي بلاغة قدّامة ، لا يغترف إلاّ من فضالته ، ولا يسري ذلك المسرى إلاّ بدلالته"(1).

فالحريري يقرّ بريادة الهمذاني، وتأثّر تابعيه في هذا اللون من التأليف ، نذكر منها دون تفصيلٍ : مقامات ابن الجوزي ، مقامات ابن الوردي ، مقامات القوّاس ، ومقامات السيوطي. ومن المرجّح وجود أثر للمقامة في الأدب الإسباني ، ومن هذا التأثير نشأ مايسمى "أدب الشطّار" في إسبانيا وأوروبا ، والذي تعدّ قصّة "Lazariuo de Tormes" أنموذجاً له.

وقد وضع السرقسطي مقاماته على غرار مقامات الحريري ، من حيث التقيّد بالنمط ، والعدد. ولعلّ هذا الأثر الكبير الذي تركته مقامات الهمذاني ، دليل قوي على البنية اللغويّة المتينة التي وضع عليها مقاماته ، وهذا ماجعلها مثالاً احتذاه اللاحقون لعهده ، ولكنّ رغم هذا نجد أنّ الجاحظ ينتقد الهمذاني بأنه "قليل الاستعارات ، قريب العبارات ، منقاد لعريان الكلام يستعمله ،و كذلك يرى الثعالبي أنّ كلّ مايؤلفه الهمذاني ثمرة للارتجال ، وأنّه حسب الشريشي :كان يطلب من أصحابه في آخر مجلسه، أن يقترحوا غرضاً ليبني عليه مقامة(2)..
ولعلّ هذا الرأي يقودنا إلى تفسير البنية السرديّة الثابتة للمقامة وخلودها بشكلها ذاته على أنّها جنس أدبيّ جديد ، له مقوماته الخاصّة.


https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..