عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2010, 12:40 PM
المشاركة 341
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نوري بنيامين

(( ايوب القرن العشرين )) , انسان التجربة والآلام ، انسان الايمان والصبر . في القرن العشرين ، ( نوري بينيامين اوسطه جبور ) الذي عاش في بيت متواضغ في حي السريان بحلب منذ خمسة و ثلاثين عاماً وهو طريح الفراش , انه جسد شبه هامد من الحركة وكأنه قطعة خشبية على سرير من حديد , اما عيناه الذابلتان فهما للقراءة ولمشاهدة الزوار القادمين ليأخذوا منه دروساً في الصبر والتجربة والإيمان ، وهو يردد عليهم قول ايوب البار)).

مولده
في مدينة اورفا من بلاد الرها،وفي عام 1917 ابصر((نوري بنيامين)) الحياة وذلك خلال الحرب العالمية الاولى انه من عائلة سريانية مؤمنة، ولقد استشهد والده واثنان من اعمامه في سبيل الايمان القويم وهو طفل يافع، فاضطرت والدته ان تهاجر ارض الآباء والجدود مخلّفة وراءها كل ما تملكه باستثناء وحيدها نوري ، فاستوطنت حلب وبدأت الام تعمل – وهي مثال الام الحكيمة – من اجل إعالة ابنها الوحيد . فأدخلته المدرسة وانكب على الدراسة بجد ونشاط وكانت له هواية شديدة بالرياضة بمختلف انواعها... وفي يوم من ايام الخريف استيقظ نوري باكراً فوجد امه نائمة على غير عادتها , فقد اعتادت الاستيقاظ باكراً لتهيئ ما يحتاج إليه ولدها ،حيث كانت تذهب لعملها ولا تعود الا المساء .

لقد كانت راقدة رقاد الموت الأبدي مخلفة طفلاً صغيراً لا حول له ولا قوة الا اللّه ... لقد انهمرت دموعه وغص البكاء في قلبه لقد نادى امه ... هيهات ان تسمعه .
تشرد الطفل بعد وفاة والدته فاضطرت عمته الى ايوائه عندها والاهتمام بمعيشته ودراسته رغم ظروفها المادية المتدهورة والقاسية .وبسبب هذا الواقع المرير ترك الطفل المدرسة وتدرّب في مهنة الحذاء التي برّز فيها كعامل ماهر بعد خمسة اعوام وبنفس الوقت كان يمارس الرياضة حتى اصبح فيها بعد مدرباً لفريقه في كرة القدم .

المرض
تسلل المرض الى جسمه الغض وهو في ربيعه الثالث والعشرين من جراء الارهاق الشديد في الرياضة ومزاولة المهنه ، بالاضافة الى سوء التغذية . ودب الالم المبرّح في عموده الفقري , وباشر في التنقل بين مشفى وآخر ومن طبيب لآخر ،ولكن بدون جدوى وبدون تحسن . ادخل مشفى (( اوتيل ديو )) في بيروت , وبعدئذ مشفى (( جامعة الاميريكية )) ولكن لم يظهر اي تحسن على صحته ولم تتوقف الالام في ظهره . ادخل ثانية مشفى القديس لويس ( فريشو) وبعدئذ مشفى التونيان بحلب ، فحلّت به الكارثة الكبيرة التي كانت سبباً في عجزه وإقعاده لخمسة وثلاثين عاماً بسبب العمليات غير الناجحة التي أُجريت في عاموده الفقري والثانية والثالثة في الوركين . حيث قام الطبيب بفك فقرات العامود وتجليسها ومن ثم وضع جسمه كله في الجص لمدة خمسة اشهر متواصلة ، وبعد أن خلع الطبيب الجص عن جسمه واذا به قطعة جامدة لا حركة فيها ولا نشاط , وكأنه قطعة من الصخر الجلمود . وما كان من الطبيب الا وقف مصارحاً اياه قائلاً : يا نوري لم تنجح العملية قدر لك ان تبقى طريح الفراش ،ولن تتمكن من الوقوف ولا السير ولا العمل .

صدم الشاب وهو في مقتبل العمر صدمة عنيفة حتى الاغماء . لقد حكم عليه الطبيب بالاشغال الشاقة المؤبدة , في سجن سريري لا يستطيع التحرك عليه . وبعدئذ اعلم الطبيب اقرباء المريض بانه أي مريض لا يستطيع ان يعيش سوى سنتين فقط لعدم اكتمال الدورة الدموية لديه . اثر ذلك نقل المريض نوري بسيارة اسعاف الى دار عمته وهو يردد مع الرسول بولس : (( فاني احسب ان آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا )) (رو م 8/18) .


على الفراش
لقد استطاع المؤمن نوري وهو في ألمه ان يتعلم ويدرس ويكتب ، لقد درس واتقن اللغات الانكليزية والتركية والارمنية، بالاضافة الى الفرنسية والسريانية والعربية التي تعلمها في المدرسة . لقد اهدت اليه احدى المؤمنات آلة كاتبة اجنبية وخلال اسبوع تعلّم الضرب عليها وكان يستعملها في مراسلته للمتبرعين والمحسنين اليه في اوروبا وأمريكة ، غير ان المصائب اشتدت وزادت واصيب بضعف بصر بالغ من جراء المطالعة والكتابة ، واجريت له عمليتان لإزالة المياه البيضاء التي تجمعت في عينيه ، وأنعم اللّه عليه ببعض التحسن واصبح يستعمل نظارتين واحدة للقراءة وثانية للمسافة .

والعجيب في امر هذا الانسان ثباته في التجربة وصبره الحميد في جميع شدائده . انك لتشاهده وهو يكتب ويضع الورقة البيضاء فوق الكتاب ويمسكه بيده اليسرى وفي يده اليمنى يمسك بالقلم , ثم يرفع كلتا يديه الى فوق ويبدأ بالكتابة وتطول معه الكتابة لساعات بدون ملل او تعب . لقد كانت الكتابه له متنفساً لآلامه وسعادة وراحة لنفسه .


المحنة تلو المحنة
لقد توفيت عمته وبعدها زوجها وانتقل نوري الى الغرفة الصغيرة التي ابتاعتها امه المرحومة من عرق جبينها ، انها غرفة محرومة من اشعة الشمس ومن الهواء النقي وبنتيجة عدم صحة الغرفة اصيب المؤمن نوري بنزف حاد في معدته , فسال منه الدم بغزارة وكاد جسمه ان ينضب ويجف من الدم لولا عناية اللّه به بواسطة الاطباء حلمي وتوتونجي وواكيميان، كما جرى له نزف ثان حينما خلع طبيب الاسنان احدى اسنانه الجانبية وذلك ليتمكن من تناول الطعام السائل من مكان السن المخلوعة ، علماً بان اسنانه مطبقة على بعضها ولا مجال لان يفتح فمه على الاطلاق ، والدهشة حين طلب اليه طبيب الاسنان بالجلوس ، فردّ نوري لا استطيع ، فقال له ادر رأسك تجاهي فأجاب لا استطيع ، فعاد وقال له افتح فمك فاجاب لا استطيع ، عندئذ استشاط الطبيب غيطاً وقال له : كيف استطيع ان اخلع سنك ؟ فاجابه نوري بكل لطف : هدّئ نفسك يا دكتور انت تشاهدني بحالتي هذه وتغضب لاني لا انفّذ طلبك , فكيف لي ان اتحمّل انا شخصاً هذه الالام المبرّحة لسنوات عديدة بصبر اين منه صبر ايوب البار . ارجو ان تبحث عن طريقة مناسبة لخلع سني لأتمكن من تناول السائل ...بعد خلع السن اصابه نزيف حاد خلال اربع وعشرين ساعة بدون انقطاع والدم يتسرب الى معدته غير ان مشيئة اللّه لم تكتمل بعد وكان له نصيب ان يعيش . وفي كل صيف ومع الحرارة اللاهبة تنتابه القروح والجروح في انحاء جسمه , من راسه حتى اخمص قدميه .