عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2011, 08:33 PM
المشاركة 2
سيف الدين الشرقاوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
Lightbulb
3



سفر الطيف







من كوة الزنزانة كنت أطلَ على العالم الخارجي أرى في الصبح قرص الشمس وهو يلتهب إلتهابا وفي المساء أقف متأملا لحظات الغروب الهادئة


القبو المقيت و الزنزانة باردة وصنبور الماء لا يكف عن إرسال قطراته في الجردل... قطرات تخترقني كالرصاصة المكتومة الصوت...


كل ذلك لا قيمة له عندي لقد فقدت الإحساس بالزمن والمكان... إنَ الحياة مظلمة قاتمة ... أظلَ أنتقل بعيني من مكان إلى مكان... هناك في الأفق يتخيل لي طيف أعرفه أشعر بالضيق .. فأرسل زفراتي الحرى....


البارحة رأيتها ...... في منامي كنت أركب حافلة مزدحمة بالناس مع أني امقت الزحام ... بعد عناء وجدت مكانا شاغرا ألقيت جسدي على أول كرسي وإرتخيت فجأة وجدت طفلا يقبل نحوي ويجـذبني ... إنه يقف أمامي ... ذلك الوجه أعرفه صفحة وجه ياسر ... كأني أراها أمامي في اليقظة ... سحبني إلى مقدمة الحافلة وهو يشير بأصبعه يحثني على المسير فجأة وجدتها...... كانت تجلس في مقدمة الحافلة كانت بحجابها الرمادي المألوف لي وجهها المشرق المشرَب بالحمرة صاف أصيل... إرتمى ياسر في حجرها... رمقتني بنظرات ذات معنى تأملتها فإذا بها شاحبة الوجه ... لكنها هي... كأنها لم تتغير قط ولم تنحت السنين تضاريسها في رقعة وجهها.... إنصرفت وأنا ملتزم بالصمت ... الصمت السيد المطاع .... دائما ينصرف العشاق انصرافهم الصامت........


أفقت على آذان الفجر كنت أشعر بغير قليل من الإنشراح لقد زارني طيفها من جديد... نفسي التي فقدتها ولا أزال أنشدها ... ها هي ذي ترفرف مع أطياف الماضي وأسراب الطيور وهي تفزع من أعشاشها وتصرخ في السماء.


فتحت صنبور الماء لأتوضأ فشردت للحظات ... كان الماء وسيلتهم للتعـذيب كم كان قاسيا ذلك المشهد المقرف وهم يوهمونني بالغرق.... الماء والغرق والشيفون اللعين الصابون الماء الـذي ابتلعته حتى كادت نفسي أن تزهق......


الماء الذي أصبح عدوااا....


في لحظات الاختناق... الاستنشاق والاستنثار... عـذاب عـذاب وألم لا يطاق... أما جلسات الكهرباء فجحيم وعـذاب وغصة من الألم العميق.... يطول بي الشرود وأتغلغل فيه كما يتغلغل الطائر المحلَق في غمار السماء وكبدها...


ولا يزال بصري عالقا في اتجاه الطيف والتيه والسراب.


هلوسات مجنونة وألم كالجرح النازف بالدم والقيء والصديد ... وأعجب ما أعجب من أمر نفسي أنني في رحلة الشقاء داخل مربع العتمة لم أكن أبكي قط من القهر كنت أشرد فقط على أي شيء له ذكرى في أعماقي وربما أشرد على غير شيء... بدأت الأطياف تراودني في اليقظة خُيَل لي يومها أن عارضا من عوارض الجنون قد لحق بي وخالط عقلي... كان خوفي يشتد واضطرابي يزداد ذلك اليوم جاء كبير الجلاوزة في العتمة كل الجلاوزة حجاج ـــ هكذا يزعمون ــ


ربت الحاج على كتفي قال بكلمات مسموعة إصطنع فيها الأسف


ـ أقولها وأنا أشعر بالأسف والأسى يؤسفني جدا أن تكون هاته نهايتك....


لقد إخترت الجهة الخاسرة ـ نحن الأقوى ـ نحن الرابحون دائما في الرهان


المخزن يدو......طويلة..........


ثم مضى واختفى كأن الأرض إبتلعته


ذلك الطيف الآخر زارني ذلك المساء ... رأيت خالد رحمه الله خلود الإسلام وعزته


بوجهه المشرق وبسمته الملائكية الصافية كان يبتسم .... تكفيني إبتسامته لتزودني بالقوة والعنفوان ومولدات الإيمان....


خيَل لي أنه يهزني هزا عنيفا وهو يقول


ـ إننا نبتنا معا في تربة واحدة........


ثم اختفى .. نفضت عن كاهلي غبار الألم وإستعنت بالركن الشديد... يومها بكيت في محراب الطهر والصلاة بكيت كثيرا حتى تطهرت أعماقي من الأعماق ثم لذت للنوم...


رأيتُ أطياف .... الأطياف .... كلهم كانوا معي يمدون إلي أيديهم يبتسمون وجوههم مشرقة ناظرة مستبشرة...وعندما فتحت عيني طالعت وجوه الجلادين عليها قترة... وذلة لا تخطؤها العين...


قال كبيرهم..سترحل اليوم


أشرف علينا جلاَد آخر وهو يبتسم بخبث وسخرية


ـــ الحمد لله على سلامتك......


كانت آخر الكلمات التي ودَعونا بها بعد رحلة من العذابات وشهور مضنية في الجحيم....


أرسلت زفراتي من جديد كان الماء يتدفق حتى غمر المكان...


أتممت وضوئي وقد جثمت الذكريات فوق صدري...


قلت وأنا أغمغم


ـ ستنفجر لمة الظلام من جبين الفجر


أليس الصبح بقريب.....


بعد الصلاة إستلقيت في المكان القصي من الزنزانة لأخلد للنوم وقد أقلقت الأطياف مضجعي.. قبل أن أرحل إلى عالم الغيب والشهادة سمعت هاتفا يردد في أعماقي.. " لا خير في حياة يحياها المرء بغير قلب ومبدأولاخير في قلب يخفق بغير...حب..."


ــــــــــــــــــــ

أنتهـــــــــــى