عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2011, 02:32 PM
المشاركة 1096
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الخميني

تقول سيرة الإمام الخميني انه فقد الأب ولم يتجاوز الخمسة أشهر ويبدو أن أباه كان قد قتل ولم يمت موته طبيعية مما يجعل لموته بهذه الطريقة اثر أعظم، ثم ماتت أمه في وقت لاحق... فهو يتيم الأب والأم في سن مبكرة، حيث انتقل ليعيش مع أخيه الأكبر...فمن الطبيعي إذا أن يمتلك طاقات ذهنية متفجرة وفي أعلى حالاتها.

ولا عجب إذا أن تظهر عليه علامات نبوغ استثنائية، وعبقرية بارزة. وحيث انه قد هاجر إلى حيث الحوزة العلمية ومع وجود أخاه الذي وقف إلى جانبه، فقد توفرت له البيئة المناسبة، التي مكنته أن يبرع في الفكر وعلوم الدين.

ومن الطبيعي والحال كذلك، أن يصبح مرجعا دينيا شيعيا، وفيلسوفا، لا بل وقادرا على الإبداع في مجالات متعددة، وان يكون غزير الإنتاج وان يمتلك من الصفات القيادية الكثير.
ولو أننا قمنا على التعمق في دراسة سيرة كل من مات أبوه في السنة الأولى من عمره لوجدناه يميل إلى الفلسفة والتعمق فيها ومحاولة كشف الاسرار، وسوف نجده يبرع في مجاله، مع التسليم بأن هناك فروق فردية يمكن أن تنشأ لعدة أسباب مثل توفر الفرصة والرعاية والاهتمام، وطبيعة الحياة التي يعيشها الطفل فيما بعد اليتم...فكلما واجه الشخص مصاعب وتكررت المآسي والآلام كلما زاد نشاط عقله وارتقت قدراته الإبداعية.

ومن المعروف أيضا بأن صفات القيادة الكرزمية غالبا ما تتوفر في الشخص الذي يفقد والده في هذه السن المبكرة، والأغلب بأن اليتيم في هذه السن يتحول إلى قائد ثوري عظيم، قوي الشكيمة والعزم، محارب لا يلين، بالغ التأثير في الجماهير، ويحمل لواء المظلومين...ويظل يسعى دون كلل أو ملل ليصبح القائد الأوحد، ويحارب النظام القائم دون هوادة لأنه يرى فيما يطرحه البديل الأفضل دائما...وغالبا ما يصبح القائد الرمز وكأنه ألأب لجميع أتباعه.

ومن هذا اليتم المبكر نستطيع في الواقع فهم الكثير من تصرفات الأيتام من هذه الفئة العمرية بما فيها موقفهم من الحروب ورغبتهم بأن يكون لهم السلطة والسيطرة الكاملة على الأمور، وان يمتد هذا النفوذ إلى مناطق جغرافية واسعة وبعيدة...

وفي الغالب ما يحقق القائد اليتيم من هذه الفئة نجاحات مبهرة كنتيجة لما يمتلك من طاقات ذهنية هائلة وقدرة شخصية تتمثل في تلك الكرزما الساحرة والطاغية والقدرة على التعبئة والتي تضمن له مدا جماهيريا لا قبيل له، وقلما نجد قائدا يتيما من هذه السن يستسلم في معاركه ولو تسببت في دمار عظيم.

وربما أن الشخص الوحيد القادر على إحباط طموحه واندفاعه وربما هزيمته في الحروب هو شخص أكثر منه يتما مع توفر الظروف والاسباب المادية التي ترجح كفة على أخرى طبعا.

ولا شك أبدا أن يتم الإمام الخميني قد فجر طاقات ذهنه الكامنة بقوة قصوى وعززتها ظروف حياته الصعبة اللاحقة من ملاحقة، وسجن، وفقر، ومنفى، ومنحه كل ذلك صفات وسمات نادرة لا يمتلكها إلا الأيتام في سن مبكرة جدا إذا ما توفرت لهم ظروف الرعاية والكفالة المناسبة... فكان بذلك أنسانا فريدا في قدراته وصفاته وشخصيته القيادية الكرزمية الفذة.

لكن المشكلة تظل دائما في سوء فهم وتفسير تلك الصفات والسمات القيادية الكرزمية، البارزة، والمهولة، والاستثنائية، عند اليتيم في سن مبكرة، والتي كثيرا ما تصبح جزءا لا يتجزأ من شخصية القائد اليتيم...ويكون سوء الفهم من قبله أحيانا فيظن انه لا بد خُص بما له من صفات، ونجد كثيرا منهم وقد تضخمت ذاته واخذ يتصرف، من غير وعي منه في الغالب، وكأنه كائن ما ورائي، يمجد نفسه ويقدسها.

وكثيرا ما يأتي سوء الفهم من أتباعه، بل غالبا ما يأتي سوء الفهم هذا من أتباعه، فنجدهم يمنحونه شيء من القداسة، ويتعاملون معه ومع كل ما يرتبط به ويتصل به بنوع من الرهبة والانتماء والطاعة العمياء قل مثيلها، وقد تصل عند البعض حد التقديس والعبادة، وينسبون له الكرامات والمعجزات.

وخلاصة القول،،
لا شك أن الإمام الخميني أصبح، وبفعل طاقات عقله المتفجرة، شخصية قيادية كرزمية أسطورية، وفي ذلك ما يشير إلى أن يتمه وظروف حياته كانت من ناحية، شديدة القسوة، والألم، والبؤس، أولا: بسبب اليتم المتكرر. وثانيا: بسبب المضايقات والفقر والسجن والنفي والتشرد... فهو يتيم الأب، وألام، وحبيس السجن، ويتيم الوطن حيث عاش في المنفى سنوات عديدة كثيرة.

ولا عجب أذا أن يتحول إلى شخصية قيادية فذة واستثنائية، كان وسيظل لها اثر سحري عظيم على الكثير من الناس ربما لقرون كثيرة قادمة...ولا عجب أن يتعصب له أنصاره وأتباعه إلى حد التقديس.

ولو أننا راجعنا سيرة حياة كل شخص حظي بالتبجيل والتقديس وتبعه الملايين، واستمات الآلاف في الدفاع عن فكره، لوجدناهم أيتام في معظمهم، وان شذ شخص منهم عن هذه القاعدة فيكون قد عاش حياة قاسية فيها الكثير من الموت والبؤس...فتولد في دماغه تلك الطاقات البوزيترونية نفسها التي تولد في دماغ اليتيم لتخرج على شكل مخرجات إبداعية، وقدرات شخصية قيادية تكون مذهله في أحيان كثيرة...

ونجد أن اثر هذه الشخصية الكرزمية يظل قويا في المجتمع إلى حين ظهور شخصية يتيمة أخرى ذات كرزما طاغية فتنجح هذه الشخصية الجديدة في الحلول محل الشخصية القديمة من حيث التأثير والتقديس والتبجيل والولاء...

وربما أن ما حصل حديثا في تركيا يعتبر مثال جيد لما نطرحه هنا...فقد فرضت شخصية كمال اتاتورك نفسها على المجتمع التركي لسنوات عديدة وأصبح أب تركيا الحديثة، وقد وصل الولاء له حد التقديس، واستمات أنصاره وأتباعه في الدفاع عنه وعن أفكاره وما يمثله أيضا...وظل الحال على ذلك إلى أن ظهر السيد اردوغان الذي يمتلك شخصية ذات كرزميا طاغية فلم يجد صعوبة في الخروج على طروحات اتاتورك ووضع بصمته البديلة، ليصبح أثره هو على المجتمع أكثر بروزا ووضوحا..ولا شك أن هناك صراع دفين حامي الوطيس يجري الآن بين هاتين الشخصيتين الكرزميتين...فعملية الحلول محل شخصية كرزمية عملية ليست سهلة أبدا.

كل ذلك يؤكد على أن شخصية الإمام الخميني كانت وسوف تظل إلى سنوات طويلة قادمة شخصية كرزمية عبقرية ذات تأثير سحري أسطوري...وسوف يظل الولاء له قائما لسنوات طويلة قادمة...

فاليتيم مثله لا يمكن إلا أن يترك له بصمة واضحة وبارزة وخالدة في التاريخ...والسر يكمن دائما في طاقات ذهنه المتفجرة كونه يتيم..وانصهر في بوتقة من الالم الشديد سنوات كثيرة من عمره.