عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2016, 06:07 PM
المشاركة 3
عبدالله علي باسودان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

يتبع...

وقال غير واحد من العلماء: الشعر ما اشتمل على المثل السائر، والاستعارة الرائعة، والتشبيه الواقع، وما سوى ذلك فإنما لقائله فضل الوزن.
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: قلت لأعرابي: من أشعر الناس؟ قال: الذي إذا قال أسرع، وإذا أسرع أبدع، وإذا تكلم أسمع، وإذا مدح رفع، وإذا هجا وضع.
وسئل بعض أهل الأدب: من أشعر الناس؟ فقال: من أكرهك شعره على هجو ذويك ومدح أعاديك، يريد الذي تستحسنه فتحفظ منه ما فيه عليك وصمة، وخلاف للشهوة، وهذا ذوب قول أبي الطيب:
وأسمع من ألفاظه اللغة التي ... يلذ بها سمعي ولو ضمنت شتمي
أخذه من قول أبي تمام:
فإن أنا لم يمدحك عني صاغراً ... عدوك فاعلم أنني غير حامد
أتبعه البحتري في ذلك فقال:
ليواصلنك ركب شعري سائراً ... يرويه فيك لحسنه الأعداء
وقال عبد الصمد بن المعذل: الشعر كله في ثلاث لفظات، وليس كل إنسان يحسن تأليفها: فإذا مدحت قلت أنت، وإذا هجوت قلت لست، وإذا رثيت قلت كنت.
وقال بعض النقاد: أصغر الشعر الرثاء؛ لأنه لا يعمل رغبة ولا رهبة.
قال ابن قتيبة: قال أحمد بن يوسف الكاتب لأبي يعقوب الخريمي: أنت في مدائحك لمحمد بن منصور كاتب البرامكة أشعر منك في مراثيك له، فقال: كنا يومئذ نعمل على الرجاء، ونحن نعمل اليوم على الوفاء.
قال صاحب الكتاب: ومن هذا المنثور والله أعلم سرق البصير بيته المتقدم في الفتح بن خاقان.
وقيل لبعضهم: ما أحسن الشعر؟ فقال: ما أعطى القياد، وبلغ المراد.
وقال أبو عبد الله وزير المهدي: خير الشعر ما فهمته العامة، ورضيته الخاصة.
وسمعت بعض الشيوخ يقول: قال الحذاق: لو كانت البلاغة في التطويل ما سبق إليها أبو نواس والبحتري.
وقال بعض الحذاق من المتعقبين: أشعر الناس من تخلص في مدح امرأة ورثائها.
وقال ابن المعتز: قيل لمعتوه: ما أحسن الشعر؟ قال: ما لم يحجبه عن القلب شيء.
وفي اللفظ والمعنى يقول ابن رشيق
اللفظ جسم، وروحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم: يضعف بضعفه، ويقوى بقوته، فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه، كما يعرض لبعض الأجسام من العرج والشلل والعور وما أشبه ذلك، من غير أن تذهب الروح، وكذلك إن ضعف المعنى واختل بعضه كان للفظ من ذلك أوفر حظ، كالذي يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح، ولا تجد معنى يختل إلا من جهة اللفظ، وجريه فيه على غير الواجب، قياساً على ما قدمت من أدواء الجسوم والأرواح، فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتاً لا فائدة فيه، وإن كان حسن الطلاوة في السمع، كما أن الميت لم ينقص من شخصه شيء في رأي العين، إلا أنه لا ينتفع به ولا يفيد فائدة، وكذلك إن اختل اللفظ جملة وتلاشى لم يصح له معنى؛ لأنا لا نجد روحاً في غير جسم البتة.
ثم للناس فيما بعد آراء ومذاهب: منهم من يؤثر اللفظ على المعنى فيجعله غايته ووكده، وهم فرق: قوم يذهبون إلى فخامة الكلام وجزالته، على مذهب العرب من غير تصنع، كقول بشار:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا وسلما
وهذا النوع أدل على القوة، وأشبه بما وقع فيه من موضع الافتخار، وكذلك ما مدح به الملوك يجب أن يكون من هذا النحت.
وفرقة أصحاب جلبة وقعقعة بلا طائل معنى إلا القليل النادر: كأبي القاسم بن هانئ ومن جرى مجراه؛ فإنه يقول أول مذهبته
أصاخت فقالت: وقع أجرد شيظم ... وشامت فقالت: لمع أبيض مخذم
وما ذعرت إلا لجرس حليها ... ولا رمقت إلا برى في مخدم.