عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2010, 04:06 PM
المشاركة 323
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
محمد أبو هلال

هو الشخصية الدينية الثانية، بعد الأمير السيد (ق) منذ تأسيس دعوة التوحيد حتىاليوم.وقد عرفت الطائفة الدرزية شخصيات دينية على مستوى رفيع بعد ذلك، قامت بأعمالوإنجازات كبيرة، وكانت لها شهرة ونفوذ وتقدير واحترام عند الدروز في كل مكان، إلا أن المركز الذي بلغه الشيخ الفاضل (ر) في حياته، وبعد وفاته، ومنذ عصره حتى اليوم، لم يبلغه شيخ آخر.

وقد ولد الشيخ في قرية كوكبا الواقعة على سفح جبل الشيخ سنة 1579لعائلة فقيرة، وربما كان في هذا الواقع تأثير على منزلته وكيانه، وقد توفي سنة 1640، وبذلك يكون قد عاش وعاصر عهد الأمير الدرزي الكبير فخر الدين المعني الثاني (1590 – 1635)، وربما كان في هذه الحقيقة أيضا مساهمة في المركز الكبير الذي بلغه.

كانت سيرته مشهورة ومعروفة في حياته، وقد زادت شهرة واحتراماًوتبجيلاً بعد مماته، فقد كان المرجع الديني الأول في كل المنطقة، وذلك لتقواه وزهدهوسلوكه التوحيدي المميز، فقد كان المرجع الأكبر لكل الفتاوي والأمور والمسائلالمذهبية في العصر الذي جاء بعد نشر الأمير السيد قدس الله سره لتعليماته وشروحاته،وقد قال عنها الشيخ الفاضل (ر): شروحات الأمير السيد هي المرجع وعليها نُحاسَب يومالقيامة.



ولد الشيخ الفاضل في عهد الأمير قرقماز بن فخر الدين الأول. وأطلق على المولود الصغير اسم محمد، وقد توفي والده قبل ولادته فتربّى يتيما في قريتهالصغيرة، ولا من يهتم به ولا من يرعاه، وكان والده قد ترك له بعض عنزات، فسعت والدته أن يقوم برعايتها وليشغل نفسه بها، وتكسب البيت بعض المؤونة.

وكان الولد الصغير يقظا نابها متفتحا، وربما نضج وكبر بسبب الفقر والفاقة التي عاناها، فكان أكبر من جيله وأقوى من طفولته، وربما بتأثير الجو الديني الذي ساد في تلك الفترة،أو بقربه من مدينة حاصبيا التي كانت عاصمة وادي التيم، مهد الدعوة الدرزية فيلبنان، شعر الفتى الصغير بميل إلى الدين وإلى مطالعة كتب الحكمة الشريفة، وإلىالاندماج في الصفوف النيّرة، وكان لا يعرف القراءة والكتابة، لأن أحدا لم يعلمه،ولم تكن هذه مشكلة أمام الفتى الطموح الناضج، فألهمه الله تعالى أن اصطنع لوحاخشبيا مطبقا، كعادة رجال الدين في ذلك الوقت، وطلب من الفاهمين في قريته، أن يعلموهالخط، فكان بعضهم يكتب له الأحرف ويقوم هو بنسخها عشرات المرات وحفظها وتصويرها فيعقله، واستغل وجوده في البر، يرعى عنزاته، فحفظ أحرف الهجاء العربية، واستعملها فيكلمات، وأتقن بعد فترة، أصول القراءة والكتابة، وأصبح من الشباب القلائل المتنورينفي قريته، لمجرد أنه صمم أن يعرف فعرف، وقرر أن يتعلم فتعلم، لذلك فٌتحت أمامه كلالكنوز الثمينة المتوفرة في الكتب المقدسة.

ولما شبّ، ترك عنزاته قرب البيت،ولجأ إلى الشيخ أبي عبادة أبو محمد آل زاكي في راشيا، لقرابة تربطه به، وكان ابوعبادة شيخا متدينا فاضلا، أنعم الله عليه بأرزاق وأملاك، فقبله في مجموعة خدمه،وألقى عليه مهمة حراثة الأرض، وتربية دودة القز. انغمس الشاب محمد في عمله الجديد،وأخلص لسيده، وأتقن كل ما طًُلب منه، وزادت الخيرات بوجوده، وكان كلما انتهىالموسم، يتفرغ إلى الكتب المذهبية التي أصبح يعرف كنهها، ويستطيع قراءتها، وكانالشيخ أبو عبادة يتحاور وإياه في الأمور المذهبية، فاكتشف فيه قدرات كبيرة، جعلتهيحب هذا الفتى ويحترمه، ويقدّم له المخطوطات ليقرأها ويحفظها ويتحدثا عنها. وتبحّرالفتى بالعلوم الدينية، فكان إذا انتصف الليل، يترك البيت ويذهب إلى صخرة يتعبدفيها، ويقرأ الفروض ويدعو لتحسين الأوضاع، ويعود إلى المنزل مع اقتراب الفجر، فيقدمالأكل للحيوانات، ويوقظ العمال، ويبدأ الحراثة في يوم جديد. وبعد فترة ناداه الشيخأبو عبادة، وقال له:" إن قلنا لك يا محمد، نرى ذلك قليلا عليك، وإن قلنا لك يا شيخمحمد، نرى ذلك كثيرا عليك، فنقول لك يا أبا هلال" وصار الشيخ ابو عبادة يحترمهويضمه إليه، وأصبحا كأخوين ورفيقين، يراجعان المحتويات الدينية ويتعبدان ويقومانبكل الفرائض. لكن هذه النعمة لم تدم، فقد كان الشيخ أبو عبادة يحاول يوما، قطع نهر الليطاني، فغرق في لجة الماء، وحزن أبو هلال لفقده مرشد ورفيق وأب روحي.

وعاد إلىقريته كوكبا، متابعا مسلكه التوحيدي، متوغلا في الزهد والتقوى والورع والعفاف، فعلتدرجته، وتحدث عنه الناس، وأخذوا يقصدونه. وقد سيّر له الله أخوين جديدين، هما الشيخأبو صافي محمد أبو ترابي من قرية عين حرشة من منطقة راشيا، والشيخ أبو جابر ناصرالدين كبول من بلدة عرنة في إقليم البلان، فلحقا به، وعاشا وإياه، حياة الزهادوالشيوخ الأتقياء.

وقام أبو هلال ورفاقه بانتهاج مسلك الزهاد كطريق لحياتهموعبادتهم، وقد لحق بهم عدد من الشباب العابدين، فكانوا جميعا يقيمون حلقات الصلاةوالذكر بشكل مستمر، إلا أن أبا هلال كان كثيرا ما يترك إخوانه وزملاءه، ليذهب إلىمكان بعيد، يتعبد فيه لوحده، في كهف في موقع يسمى " الشقيف" في أعالي جبل فوق منحدريشرف على سهل واسع.

وتذكر الروايات أن الله، سبحانه وتعالى سخر له خلية نحل، كانتفي سقف الكهف كان يتغذى من عسلها كلما ألم به الجوع. وقد سمع الناس في حينه بقصةالكهف والعسل، فتقاطروا إلى المكان، وشاهدوا بأم أعينهم ما يجري واعتبروها كرامة منالكرامات للشيخ.لكن الأمور لم تستتب للشيخ كثيرا، فقد اغتاظ أحد الحاسدين لتعلقالناس بالشيخ، وأشعل النار بالكهف، وقضى على خلية النحل، وحرم الشيخ من صومعته. وقدلقي هذا الحاسد اللوم والتقريع من الناس، واضطر إلى النزوح عن البلدة، إلى مكانبعيد ترافقه لعنة الجماهير. ولم تغلق الأبواب أمام زاهد متقشف كالشيخ الفاضل (ر)،فقد وجد كهوفا أخرى في المنطقة، لجأ إليها وتعبد فيها، وواصل مسيرته التوحيدية. ومازال الكهف الأول الذي تعبد فيه الشيخ قائما حتى اليوم، ويزوره المشايخ للتباركوالصلاة.وقد لجأ الشيخ إلى كهف آخر في موقع يقال له ظهر الزنار وتعبد فيه وتحول هذاالموقع كذلك إلى مزار فيما بعد.

هكذا بنى الشيخ محمد أبو هلال مسيرة حياته،وأصبح علما دينيا لامعا في صفوف الطائفة، يؤخذ برأيه ويستنار به، ويعتمد عليه،وعندما انتقل إلى رحمته تعالى، الشيخ بدر الدين حسن العنداري التنوخي (1562- 1611) الذي كان في منزلة شيخ عقل الطائفة وأطلق عليه لقب شيخ مشايخ العصر، وهو خال الأميرفخر الدين المعني الثاني ومقربا إليه، اجتمع شيوخ الدين واعيان البلاد للتشاوروانتخاب شيخ عقل جديد، فاستقر الرأي على انتخاب الشيخ محمد أبو هلال لهذا المنصب،لما بلغه من مرتبة سامية ومكانة رفيعة وثقة كبيرة.