عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2012, 11:19 AM
المشاركة 802
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع الجزء الرابع من الحوار
(21) - تتميز كتابتك للقصة القصيرة بسمات عدة على صعيداللغة من خلال التأمل وخلخلة السياق النحوي ونحت مفردات جديدة وحضور المفارقةالساخرة .. إلخ،ونجد ذلك أيضاً في مقالاتك الجميلة، بينما تقل هذه الكثافةاللغوية في نصك الروائي فكيف تفسر لنا ذلك ؟

* -
قد يكون هذا ملموساً عندككناقدأو كقارئ – يحمل ذائقة فنية - .. وبالطبع فأنت تعلم أن الكاتب هو الذي ترىقلمه يخوض بمستويات مختلفة في اللغة ..
أصدقك القول أنني لم أفكر في هذهالنقطة، لعلني فكرت في مسألة ( عدم افتراض الوعي لدى القارئ وإنما خلق الوعي فيه )،و أضيفملاحظة.. أنني كاتب يطرح إبداعا في نسيجه إنسان – عالم - .. فأنت لا تستطيعأن تكون مبدعاً فقط تضع تحت مخدة ما تكتب شهادة الآخرين أو إعجابهم .. هذا لايشغلني .. التأمل لتفاصيل الحياة وجزئيات تراكيبها .. يحتاج إلى لغة غير استعراضية .. لغة تتحرك في جنباتها سردية المشاهد المنمية .. قوة العبارة الروائية – في نظريتكمن في عرض البلاغة الفنية خلفها وليس في واجهتها اللغوية المباشرة، وإذا كانتالقصة القصيرة تملك خصائصها في تكثيف اللغة مثلاً .. فقد تكون هذه الخاصية غيرموجودة في العمل الروائي أو بمعنى لا مكان ضرورياً لها .
هذا لا يعني أن الكاتبيتحرك في حدود النظرية التي يراها الناقد أو موازينه في كيل العمل فهذه معركة مضحكةوإنما لأقول :
الانتصار ليس في اللغة المبهرة التي تشكل إناء العمل .. فقد جربتذلك ورأيت أنني مبدع لغة فقط، أكسب من ورائها تصفيق المثقفين المتذوقين وإطراءهمولست كاتباً غير قابل للاحتمالات بما فيها فهم ما أكتب، وإلا لن أقدم شيئاً يستحقأن يكتب وبالتالي أن يقرأ.
لقد رأى البعض أنني كتبت عملاً مجيداً هو " موت علىالماء " ولم أكتب شيئاً بعده والسبب مستوى اللغة الشعرية فيها، لكنني أرى غير ذلكتماماً .. لأنني لو أردت أن أنحت لغة من أجل اللغة بعد " موت على الماء " لفعلتوليس ثمة صعوبة .. بل إن هذا قد يرضي غروري .. غير أن قناعة ما أكتب به اليوم .. لميأت لمجرد مزاج وإنما نتيجة لصراع طويل مع الموازنة .. الموازنة بين الفن والمحافظةعلى قيمته الدلالية – الخاصية – وبين القارئ الذي لم ولن يفهم لغة الكترونية خاصة .. ربما كانت قناعاتي نقيض ذلك تماماً وأرى أيضاً أن الأعمال الروائية التي كتبتها .. لا تخلو من الفن الذي أستوحيه من نوعية العمل – وليس صيغته – مع كوني في ذاتالوقت مناهض للغة المجردة .

(22) -
كما نعلم بأنك من الروائيين الذين اطلعوامبكراً على تنوع وغنى تكنيك الخطاب الروائي المعاصر عربياً ومترجماً عالمياً ولكننانجدك في أعمالك الروائية قد انحزت إلى تجربة السرد الروائي البسيطة التي تعتمد علىتساوق نمو الحدث والزمن معاً في خطية تتراكم وتتشابك علاقاتها تدريجياً حتى تفضيإلى خاتمتها، ولعل ذلك ينسجم مع رؤيتك للرسالة وطبيعة العالم القروي الذي تشتغلعليه وطبيعة القارئ المتخيل المرتبطة بداهة بذلك العالم، وهنا نتساءل واستناداً إلىخبرتك الطويلة في كتابة الرواية عن رأيك في إمكانية الاستفادة من تلك التقنياتوتبيئتها في عمل روائي قادم لك؟

* -
أظن أن العالم الذي يمثل مادتيالكتابية في الأعمال الروائية والذي يحمل عمقاً بعيداً في الجذورية.. أعني التراكمالثقافي مع المنتج له أبعاد كثيرة ولا يمكن أخذ ما أكتبه على أنه كل تلك الأبعاد،غير أنني أحسست بضرورة الموازنة مع المحافظة على المنظور التوثيقي الحقيقي – كواقعوبين صراعي الصعب مع الكتابة السردية الروائية فيه، لذلك كانت المسألة مقلقة ليعلى الدوام .. يضاف إلى ذلك ، أنني في البداية كاتب واقعي حيث يعتبر البعض أنالواقعية مدرسة لها أساتذتها ومناهجها الدراسية التي تشكل سوراً له حدود، وهذا غيرصحيح.. عندما أكتب بواقعية فليس معناه حجري على عدم استعمال تقنيات الكتابة أوالتكنيك ! فاللغة ليست ملكاً لكاتب دون غيره ونحن لسنا أمام مخترع علمي نبدأ فيهحيث أنتهى الآخرون بل أمام كائن حي اسمه اللغة .. يتطور بتطور الحياة بمجملهاومعطيات الإنسان اليوم تتطلب أن يكون معها بالضرورة لغة متطورة تستوعب التعاملمعها،أما بالنسبة للتقنيات الروائية العربية والأجنبية – والتي قرأتها مترجمةلا تعني أنها مخترعاً علمياً، لذلك لكل كاتب تقنيته ولغة خطابه وتقنيته أنا واحد منهؤلاء .
ذهابك ثم عودتك حول اللغة والتكنيك .. يعني لي أنك ترى أن اللغة كإناءجميل يجب التركيز عليه وبصورة أساسية في العمل الروائي .. وهذا يمثل وجهة نظر بعضالنقاد والقراء وهذا طبيعي مفترض فيه مبرراته وقناعاته .. لكنني قد لا أرى ما ترىفاللغة لدي هي وسيلة تخاطب وتعبير لكنني أيضاً لا أنفي أبداً – وظيفياً أن قلميمسئول عن الارتقاء بذائقة القارئ – فنياً – أنا أعلم هذا، ولا أعتبر كتابة العملالإبداعي خارجة عن إستراتيجيتها .. ولكن .. هل ترىأننا نستطيع أن نستقطع اللغة عنبقية الأمور الاجتماعية اقتصاديا وثقافيا وتاريخيامعيشيا ..بحيث نعمل في سبيل جعلاللغةالشاعرية هي العمود الأول للتعبير، فتطوير الشكل في المسألة الاجتماعية لايغير الجوهر – اللب – فكيف لو رأينا أن الكاتب عموماً ليس إلا رافدا،ً فاعليته لهاحدودها وإمكانياتها .. ومجتمعنا مقل جداً على صعيد القراءة .. إضافة إلى أن الكتابأو المادة القرائية تقع تحت مستوى الاهتمام المؤسساتي.. فالواقع يقول إن الاهتمامبتجارة البصل أو الصلصة يحتل اهتماماً في التوزيع والمتابعة والتموين المستمر .. أكبر من مجرد التفكير في الغذاء الثقافي .
إذا كانت كتابتي الروائية بسيطةاللغة بل إن " الوسمية " قد كتبت بلغة المعيشة اليومية .. فما المشكلة في هذا ؟! علمت أن الأميين في القرى الجنوبية .. يجعلون أولادهم وأحفادهم يقرؤون عليهم ماأكتبه .. لأنهم يجدون إنسانيتهم فيها وبلغة مفهومة، وهنا تكمن إحدى استراتيجياتاللغة التي أتحدث عنها.. هذا لا يعني أنني كاتب – أقليمياً او قبلياً – فقد تعرضتالرواية إلى مستويات من الأقلام النقدية والقرائية من خارج المملكة وبصورة مشجعة .. ترى في ذلك أنني أكتب بلغة المعيشة اليومية أو بلغة بسيطة وليست أقليمية بالطبع .
لعلك ترى ان أعمالي الروائية لم تكتب بتقنية واحدة فـ" الوسمية " تختلف عن " الغيوم " و" صالحة " ليست كـ" الحصون " وهكذا .. بالرغم من كون العالم هو ذاته وذاتالقوام وذات المكان.. لقد تطلبت كل رواية تقنيتها التي رأيتها تناسبها دون تنظيراتمسبقة .