عرض مشاركة واحدة
قديم 01-24-2016, 01:34 PM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اعتذر لتأخري مرة اخرى بسبب الانشغال بعملي الوظيفي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

- أشكرك .. وأعتذر منك أخي خليل .. لأنني في سؤالي ربما أكون قد قلّبت المواجع ولكن هذا هو الحال بالنسبة لأية سيرة ذاتية ..

- لا عليك فانا متصالح مع الماضي ومواجعه ولا حرج في طرح اي سؤال.

س - اسمك الحقيقي خليل .. فما هو سبب تسميتك لنفسك ب ( أيوب صابر )

[SIZE="4"]- هذا سؤال تطول اجابته وقد يحتاج الى مجلدات للاجابة عليه. فانت تطلبين مني سرد قصة حياتي او على الاقل الجوانب الموجعة منها طبعا، ولكني اتصور انني استطيع تلخيص كل ذلك بكلمة واحدة " الاحتلال". فاذا كان السفر قطعة من العذاب فان الاحتلال هو القهر كله.

الصحيح انني منذ لحظة الزلزال الذي صدمني وانا فتى في الثالة عشرة من عمري وذلك طبعا هو الاحتلال ، اردت ان اكون خفيا invisible خشية من الاحتلال وما يرتبط به، وقد تعزز هذا الشعور بعد ان درست كجزء من رسالة الماجستير الخاصة بي ، رواية الكاتب الامريكي من اصول افريقية رالف السون وهي بعنوان الرجل الخفي the invisibleman والذي يصور حياة الالم والوجع الشديد لشاب اسود في بلاد البيض وهو احتلال من نوع اخر ربما اشد قسوة علما بان بطل الرواية يتيم وكذلك الكاتب فالرواية المذكورة سيرة ذاتية اراد البطل ان يحيا فيها خفيا لشدة وهول ما واجهه في مجتمع البيض من الم وقهر.

وهذه فقط بعض المواقف التي ترصد بعض المواجع التي اختبرتها شخصيا وربما تبرر تلك الرغبة واختيار ذلك الاسم .

في الايام الاولى للاحتلال قام الاحتلال بمنع التجول على القرية التي اسكن فيها، وتم جمع الرجال في ساحة وسط البلد ولم يبق في المنازل سوى النساء والاطفال. المشكلة انه اثناء تلك العملية دارت اشاعات بين من تبقى في البيوت والذين كانوا يتلصصون على ما يجري في الساحة بأنهم يقتلون الرجال، وانهم قصوا شوارب فلان وخلعوا اظافر علان واطلقوا النار على زيد وعبيد... لم يكن ذلك صحيحا ولكن اثره كان مزلزلا ومخيفا لطفل في مثل سني في حينه.

بعد سنوات قليله من الاحتلال، وكنت حينها في الجامعة ادرس الادب الانجليزي، ورغبة مني في اتقان اللغة الانجليزية، وتحسين ملكاتها، حاولت العمل بنصيحة استاذة لي من الجامعة اسمها الاخت بيا PIA، وهي من اصول ايرلندية، وما ازال اذكر اسمها لانها كانت تقول ان اسمها يحمل الحروف الاولى لشركة الطيران الدولية الفلسطينية Palestine International Airways ...وكانت تنصح بأن على من يرغب في تعلم شيء واتقانه عليه ان يعلمه if you want to learn something teach it ، فتطوعت لتدريس بعض الطلبة من المدارس في القرية، ولكن ذلك ترجم من وجهة نظر الاحتلال على انه عمل نضالي، ولولا نصيحة صديق لي لكنت ربما عفنت في غياهب السجن...فقط لانني اردت تعلم اللغة الانجليزية.

وقد اختبرت ايضا في احدى الليالي وجع الزيارات الليلة لقوات الاحتلال..فاثناء دراستي الجامعية ارادت قوات الاحتلال على ما يبدو اعتقال احد الطلاب، ولكنهم لم يعرفوا على وجه التحديد مكان سكنه فقاموا على زياراتنا ليلا انا وزميل لي ربما بعد الثانية صباحا..وكانت لحظات رعب حقيقية تلك التي تصاحب مثل تلك الزيارة الليلة...جنود مدججين بالسلاح يطرقون الباب ببساطيرهم واعقاب بنادقهم ..ثم سيل من الاسئلة لشخص مرتبك بل شديد الارتباك لا يكاد يعرف ما يقول وقد افيق للتو من النوم ولا يعرف السبب او المصير...اؤكد لك ان صدمة هذه الزيارة الليلة المفاجئة اشد من صدمة زلزال بقوة 10 درجات على مقياس رختر.

لاحقا وعندما بدأت السفر والى خارج القفص.. او السجن الكبير ...وما ادراك ما السفر عبر حواجز الاحتلال والحدود...اذكر ان لحظات وداع المسافر في مثل تلك الايام كانت اشبه بلحظات وداع مشروع انسان ميت..شديدة الالم والوجع. وكانت طقوس السفر تبدا في ساعات الليل المبكرة ربما الثالثة او الرابعة صباحا ولك ان تتخيلي وجع السفر عبر الحواجز ومخاطره، ثم وجع اجراءات السفر...
كان المشهد في احد المرات في الباص الذي يستقله المسافرون عبر الجسر مزلزلا مؤلما..الي حد ان امرأة عجوز صارت تتأفف فما كان من ابنتها الا ان قالت لها تذكري يا والدتي بأن "الانسان خلق في كبد"؟! ...كان على الانسان استحضار كل الايات والمواعظ التي تحث على الصبر حتى يستطيع ان يتعايش مع ظروف الاحتلال وقهره والم السفر..وعذاباته.

وفي مشهد اخر كنا حينها في رحلة العودة من الاردن حيث كان يطلب منا خلع الحذاء والعقال لمن يلبسه طبعا، وكل ما يشك به ليتم تفتيشه عبر الماكنات، وكان هناك شيخ كبير في السن، خلع حذاءه وعقاله ووضعها في الصندوق المخصص للتفتيش، وعندما انتهى من التفتيش الجسدي سار خارجا ولكن سار حافيا وقد نسي حذاءه... وربما ان وجع المنظر وقساوته هو الذي انساه الحذاء.

هذه مجرد مشاهد تصور بعضا من معاناة والم انسان يعيش تحت الاحتلال... اما وجع الاحتلال وقهره كله... فلا اتصور ان احدا يستطيع حصرها وتسجيليها فهي عصية على التدوين.. وحتى ايوب المشهور بصبره ما كان ليحتملها حتما.



[/SIZE]