عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2018, 03:12 PM
المشاركة 10
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
فهو ينسب الذئب والنمر والضبع لنفسه، إذ اتخذهم أصدقاء بدلا من أهله الذين نبذوه، يأتمنهم على سره، ويراهم مساندين له إذ لا يؤخذ الجاني منهم بشيء حسب شريعة الغاب!



فهو لا يتبع أسلوب شعراء الجاهلية المعتاد في الوصف كغرض شعري مقصود لذاته، وإنما من زاوية ارتباط الشيء المتناول بشخصه هو في مزاولته الصعلكة.



"وكذلك نراه يرسم لوحة فنية لإحدى ليالي الشتاء في الصحراء، نرى السماء في هذه اللوحة يتساقط منها المطر، ونرى الأرض قد ابتلت رمالها فأصبحت مرحلة، ونرى فيما بين السماء والأرض بردا قارسا بالغ القسوة، ونرى في هذه اللوحة صعلوكا حائرا بين مطر السماء ووحل الأرض وبرد ما بينهما، وحاصرته هذه العوامل، فاستبد به الجوع حتى بلغ أقصاه، واستبد به الخوف حتى بلغ أقصاه، حتى ظل جسمه كله يرتعد وحتى دفعه هذا البرد إلى تحطيم قوسه التي يزود بها عن حياته الوحوش والمخاطر فيوقدها هي ونصالها ليستدفئ بهن ويدفع عن جسمه هذا البرد الشنيع"[11].



وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها
وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ
دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي
سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
"هذه لوحة بديعة يمكن أن تستوعب قصيدة كاملة في غرض مقصود لذاته، ولكننا نجد الشنفرى لا يسوق هذا الوصف كموضوع أو غرض مقصود، وإنما يسوقه عرضا في خلال حديثه عن المتاعب والمخاطر الجسيمة التي يتغلب عليها بقوة عزمه وإرادته فيجتازها حتى يبلغ هدفه من غاراته على أعدائه، فليس هذا الوصف هو المقصود، وإنما المقصود أنه لا يرده عن عزمه شيء"[12].



ونجد الشنفرى يلجأ لذكر محاسنه يتغنى بها في القصيدة، وذلك لما يشعر به الصعلوك من نبذ وازدراء من الناس، فيلجأ لحيل الدفاع النفسي، فيسرد محاسنه بشكل متواصل في القصيدة محاولا دفع أي شبهة تثار حول أخلاقه إن كان يُظَنّ أنها السبب في نبذه:



وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَلَ المُتَفَضِّلُ
وَأغْدو خَمِيصَ البَطْن لا يَسْتَفِزُّني
إلى الزَادِ حِرْصٌ أو فُؤادٌ مُوَكَّلُ


كما نلحظ تضخم الأنا لدى الشاعر، إذ نجده يستخدم ضمير المتكلم بصورة لافتة، وما ذلك إلا توكيد لما يسرده من محاسن له.



ويتحدث الشنفرى عن عفته في تناول الطعام مع القوم وعدم حرصه على الزاد، وهنا مفارقة مضحكة، إذ إن الذي تقوم حياته على السلب والنهب يستبعد عنه العفة كما يقول هو:



طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ
عَقِيرَتُهُ لأِيِّها حُمَّ أَوَّلُ
تَنَامُ إذا مَا نَامَ يَقْظَى عُيُونُها
حِثَاثَاً إلى مَكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ


إذ يؤكد أنه مطارد من أقوام كثيرين كلهم يطلب قتله ويتقامرون على لحمه إن ظفروا به، ويتّم أولادا ورمل نساء، ومثل هذا يستبعد عنه العفة والجشع عن الزاد! وهو ما يدل على ما تعانيه نفسه من مشاعر متناقضة وجدل ما بين نظرته لنفسه ونظرة الناس إليه.



ونجد أن رؤيته للناس قاتمة يشوبها الاستعلاء، إذ إنه استغنى عنهم بحيوانات الصحاري كالنمر والضبع واتخذهم أهلا له:



وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ


بل اتخذ أدوات الصيد والقتال كالسيف والقوس التي يحملها أصحابا يرى فيهم الفائدة عن غيرهم من البشر الذين يسيئون إليه:



وَإنّي كَفَانِي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَى ولا في قُرْبِهِ مُتَعَلَّلُ
ثَلاَثَةُ أصْحَابٍ: فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْرَاءُ عَيْطَلُ
هَتُوفٌ مِنَ المُلْسَ المُتُونِ تَزِينُها
رَصَائِعُ قد نِيطَتْ إليها وَمِحْمَلُ
إذا زَلَّ عنها السَّهْمُ حَنَّتْ كأنَّها
مُرَزَّأةٌ عَجْلَى تُرنُّ وَتُعْوِلُ