عرض مشاركة واحدة
قديم 02-20-2012, 01:43 PM
المشاركة 273
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الأديب الدكتور منذر قباني لـ "الاقتصادية":

بعض النقاد أصبحوا مسؤولي "علاقات عامة" لدى بعض الروائيات!

- حوار: هيثم السيد - 11/11/1428هـ
رغم صدورها ضمن العام الأكثر انهمارا روائيا إلا أن "حكومة الظل" نجحت في تكوين شخصية مستقلة جعلت البعض يصنفها كنسق روائي له سماته الفنية الخاصة, وربما هذا ما جعل الجمهور يصوت لها بالثقة حتى قبل تقديمها عبر المنبر الإعلامي.

ورغم تفاوت الرؤى الانطباعية والنقدية التي استقبلت القباني وعمله الأول "حكومة الظل" والتي تراوحت بين الرفض التام والاتهام بالتبعية والتقليد للرواية الشهيرة "شفرة دافنشي" للروائي الأمريكي دان براون، إلى الإعجاب المخلص واعتبار العمل نقلة نوعية نحو تجديد الرواية السعودية والعربية، إلا أن القباني يكشف عن ثقة ذاتية متناهية في مشواره الأدبي واستعداده لطرح رواية جديدة في الأشهر القادمة كشف عنها في هذا الحوار، ورؤى القراء وطريقة استقبالهم لعمله الأول وتفاعله مع هذا الاستقبال.
الإطلالة الأدبية الأولى كانت مشجعة بما يكفي لاستضافة الدكتور منذر قباني في حوار صريح تناول فيه روايته والمشهد الأدبي والثقافي داخليا وعربيا, كما انتقد كبار النقاد في المملكة, معتبرا إياهم أنهم لم يواكبوا تطور الحركة السردية المحلية.

مشروعك الروائي الأول "حكومة الظل" قام على استعارات زمنية وحوارات درامية ذات تفاصيل خيالية, في حين صنفها البعض كرواية بوليسية, هل تعمدت "حكومة الظل" أن تكون بهذه التعددية على مستوى التحزب التصنيفي إن صح التعبير؟

أجيب عن سؤالك بنعم، تعمدت أن أجعل من "حكومة الظل" رواية متعددة التصنيف بحيث لا يمكن أن تعتبرها بالرواية البوليسية التقليدية أو التاريخية أو حتى الخيالية. وبهذا رغبت في أن أخرج من الدائرة التقليدية للرواية والمزج بين الأصناف المختلفة من أجل صنع مذاق خاص ومتميز؛ وستلاحظ أنه من خلال متابعة ما كتب عن "حكومة الظل"، ستجد أن هناك من أعجب بالجانب التشويقي في حين أن شخصا آخر أعجبته الزاوية التاريخية في حين أن شخصا ثالثا استوقفه الجانب التأملي الإسلامي, وهكذا.

بالنظر إلى الرواية وكونها تشكلت عبر قراءات متعددة وبعيداً عن زخم المشهد السردي الذي اكتظت شوارعه أخيرا بظاهرة الاختناق الروائي, ما الإضافة النوعية التي تقترحها "حكومة الظل" لهذا المشهد في نظرك؟

رواية "حكومة الظل" أتت إلى الساحة الروائية العربية بنمط جديد ومختلف عما هو سائد من خلال مزجها بين التشويق والفكر وغموض التاريخ وإسقاطه على الحاضر. مضمون الرواية كان مختلفا كما كان أسلوبها البسيط ذو الإيقاع السريع. هذا بجانب أن الرواية نجحت عبر إثارة التفكير وليس عبر إثارة الغرائز.

هل يمكن القول إن السمة التاريخية في عملك الروائي تجاوزت العامل الفني لتمثل كذلك منظرا يمكن من خلاله قراءة الواقع المعاصر والإسقاط عليه؟

السمة التاريخية للعمل كانت جزءا من طابعه الفني. وبالأخص الأسلوب الذي استخدمته في التنقلات السريعة بين الماضي والحاضر، واستخدام الحقائق التاريخية ومزجها مع الأحداث الخيالية في العمل؛ ومع هذا أنا كما أشرت جعلت من العنصر التاريخي في الرواية مرآة تعكس الواقع أو على أقل تقدير, مرشدا لفهم الحاضر من خلال ترابط الأحداث بين الجد والحفيد، وكأن ما كان يفعله الأول في الماضي يفسر للقارئ من خلال أحداث الرواية الألغاز التي تصادف الثاني في الحاضر. وهذا الأسلوب الذي استخدمته نابع من إيماني بأن مفتاح فهم الحاضر يكمن في فهم الإنسان للتاريخ، ولكن طبعا أنا أتحدث عن التاريخ الحقيقي وليس ذلك المشوه الذي يصنعه الغالبون.
على ماذا كنت تراهن للوصول للمتلقي في ظل غياب التقييم الفني لما يقدم من ناحية وما يمكن اعتباره غيابا لعناصر الجذب التقليدية في روايتك من ناحية أخرى؟

راهنت على القارئ الذكي الذي يبحث عن عمل جاد وماتع، خال من الإسفاف، وغير تقليدي. والحمد لله لقد صادفت رواية "حكومة الظل" نجاحا كبيرا غير متوقع وأصبح القراء هم من يروجون للعمل ثم أتى بعد ذلك دور الصحافة التي أسهمت هي الأخرى في تعريف الرواية. بالنسبة للنقاد، فباستثناء عدد بسيط منهم كعبد الحفيظ الشمري وعبد الواحد الأنصاري، كان أغلبهم في سبات عظيم، ليس فقط تجاه روايتي ولكن بشكل عام تجاه الأعمال السردية المحلية. والكل يتساءل: أين رموز النقد السعودي كعبد الله الغذامي ومعجب الزهراني وسعد البازعي؟ كان من المفترض أن يكونوا هم على رأس حركة نقدية جديدة تواكب الزخم السردي الحديث، ولكن على ما يبدو تركوا المجال لغيرهم لأسباب يجهلها الكثيرون.

قضت الرواية العربية أكثر من نصف قرن وهي تمارس فعل التجريب في الأسلوب التقني وفي المضمون, متى سيمكننا الحديث عن رواية عربيّة حديثة مظهرا وجوهرا؟

جزء من المشكلة هي غياب الحركة النقدية القوية التي كانت موجودة في الساحة منذ عدة عقود. هناك أعمال روائية تظهر في الساحة حديثة المظهر والجوهر ولكن المشكلة أنها لا تأخذ نصيبها من التقييم، وكما هو معلوم، فلا يمكن للكاتب أن يتطور إن لم يجد من يقيم أعماله ليظهر ما فيها من جوانب القوة والضعف. مع الأسف الحاصل اليوم في الساحة الثقافية أن بعض النقاد أصبحوا أشبه بمسؤولي علاقات عامة لدى بعض الروائيات. فتجد أحد النقاد مثلا لا يعترف في الساحة الأدبية إلا بروائية واحدة، على الرغم من كونها في رأي العديد من الكتاب متوسطة الموهبة. كيف يمكن لنا في ظل هذا أن نتوقع نشوء رواية عربية حديثة المظهر والجوهر؟ هذا من جانب، من جانب آخر هناك مشكلة كبيرة في عملية النشر. العديد من المبدعين الشباب لا يستطيعون نشر أعمالهم لأن الكثير من دور النشر ليست على استعداد على أن تغامر وتنشر لكاتب مجهول ما يضطر ذلك المؤلف الشاب إما لأن ينشر على حسابه الخاص إن كانت لديه المقدرة المادية، وأغلبهم لا يملكون، وإما أن يترك مؤلفَه في أدراج مكتبه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

عرفت الآونة الأخيرة تداخلا واضحا بين الأجناس الأدبية ما برر الحديث عن الكتابة "عبر نوعية" كما يصفها الدكتور إدوارد خراط. هل ترى أن عودة الكتابة الأدبية إلى تمايزها النوعي أصبح يمثل ضرورة لمواجهة حالة فقر أدبي محتملة؟

تداخل أجناس الأدب أو الفنون, أو الكتابة عبر النوعية كما وصفها إدوارد الخراط، أسهم بشكل كبير في إثراء الساحة الأدبية وأخرجها من الرتابة، في اعتقادي. وهذا يدخل ضمن نطاق التجريب المطلوب من أجل تطوير العمل السردي. خذ على سبيل المثال رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، فهي مزيج بين الشعر والسرد ولاقت نجاحا كبيرا في العالم العربي ووزع منها مئات الآلاف من النسخ؛ "حكومة الظل" أيضا مزجت بين الرواية والسينما كما وصف بعض الكتاب، ولاقت نجاحا كبيرا. مسألة وجود فقر أدبي في اعتقادي لا علاقة له بالكتابة عبر النوعية أو بعودة الكتابة الأدبية إلى تمايزها. أنا شخصيا أرى أن هذا وذاك مطلوب من أجل إثراء الساحة.

بناء على قراءاتك في الأدب الغربي. هل تعتقد وجود فارق شاسع بين فعل السرد كما وُجد عند الغرب وفعل "يُحكى أنّ.." كما وُجد في مدوّنتنا التراثيّة. إلى أيّ مدى يصحّ مثل هذا القول؟

من المعلوم أن العرب كانوا سباقين عن الغرب في الأعمال السردية منذ مئات السنين كما هو الحال في الكثير من الحقول المعرفية، ولكن مع الأسف تأخرنا نحن حضاريا وهذا ترك أثره في كل شيء بما فيها الفنون السردية. فمثلا نحن من أوائل من كتب في الخيال الصرف من خلال قصص ألف ليلة وليلة، وهذا العمل من المعلوم أنه ترك تأثيرا كبيرا عند الغرب بعد ترجمته وتأثر بها كبار الأدباء من أمثال بورخيس وباولو كويلو؛ القصة الأساسية في رواية الخيميائي, على سبيل المثال, مأخوذة من إحدى قصص ألف ليلة وليلة. وفي مجال الرمزية السياسية كان كتاب كليلة ودمنة سباقا لمزرعة الحيوان التي كتبها جورج أورويل. المشكلة تكمن في أننا لم نتطور بعد ذلك كثيرا في حين أن الغرب جاء من خلفنا وسبقنا وطور من أدواته. نحن أخيرا في القرن الماضي بدأنا رحلة الإفاقة من غيبوبتنا، وأتمنى أن تستمر هذه الرحلة وألا نصادف بانتكاسة ترجعنا إلى حالة الغيبوبة من جديد.

لنتناول ثنائية الأدب والطب التي يجمعها الدكتور الروائي منذر قباني والتي اجتمعت في نماذج عدة عبر التاريخ الثقافي بدءا من تشيكوف وليس انتهاء بإبراهيم ناجي, هل يمكن أن تعكس إحدى الشخصيتين طابعها على الأخرى أم أن لكل منهما خصوصيته الإنسانية المحضة؟

لا تنس أن منذر قباني الروائي هو ذاته منذر قباني الطبيب، وبطبيعة الحال كل جانب يترك تأثيره في الآخر. ثم إن مهنة الطب تكاد تكون هي المهنة الوحيدة التي ترى فيها الإنسان في لحظة ضعفه ولحظة عافيته؛ في لحظة حزنه ولحظة فرحه، بل نحن نرى الإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت مرورا بجميع أطوار حياته بحلوها ومرها. كل هذا يعطي زخما كبيرا للأديب لكي يكتب متكئا على ما صادفه من مختلف الشخصيات والمواقف. ولذلك، كما ذكرت أنت، ظاهرة الطبيب الأديب ليست بالجديدة بل هي قديمة منذ أنطوان تشيكوف وأرثر كونان دويل، ومرورا بإبراهيم ناجي ويوسف إدريس ونجيب الكيلاني ومصطفى محمود وعلاء الأسواني وغيرهم سواء في الأدب الغربي أو العربي.
لكن الأمر الآخر الذي أريد التنويه إليه، الذي مع الأسف قلما يدرس في كليات الطب، هو أهمية أن يكون الطبيب مثقفا. نحن مع الأسف نغفل هذا الجانب في تعليمنا الطبي مع أنه في غاية من الأهمية، لأن الطبيب المثقف هو الأقدر على التواصل مع مرضاه، ومهنة الطب كما تعلم هي مهنة قائمة في الأساس عل تواصل الطبيب مع المريض.
أما بالنسبة للجانب الأدبي على وجه التحديد، فهو يضيف بعدا أكثر إنسانية للطبيب ويجعله أكثر تفهما لحال المريض في نظري. من الأمور التي يشتكي منها الكثير من المرضى اليوم هو شعورهم بعدم اهتمام الطبيب بهم، وبمعاملته لهم، في المستشفيات الحكومية، وكأنهم عبء يجب التخلص منه؛ وفي المستشفيات الخاصة وكأنهم سلعة يجب الاستفادة منها إلى أبعد حد. الطبيب عندما يكون إنسانا قبل أن يكون مجرد موظف أو رجل أعمال، يتفادى في نظري مثل هذه الأخطاء مع مرضاه.

كلمة أخيرة تحب توجيهها عبر "الاقتصادية".

أود أن أشكر جميع القراء الذين قرأوا وأعجبوا بـ "حكومة الظل"، والذين يعود إليهم الفضل بعد الله في إنجاح عملي الأول بهذا الشكل. وموعدنا المقبل, إن شاء الله, سيكون مع رواية "عودة الغائب" التي أتوقع لها أن تصدر في خلال أشهر قليلة, وكلي أمل أن تنال إعجاب القراء.

11/27/07