عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2011, 09:52 PM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قلبي يحترق على الحديقة



(ج 1)






لا أحد يفكر بالأزهار


لا أحد يفكر بالأسماك‏



لا أحد يريد تصديق أن الحديقة تحتضر‏



أن قلب الحديقة متورم تحت الشمس‏



وأن ذهن الحديقة ينزف، بهدوء، ذكرياتٍ خضراء‏



وحس الحديقة كأنه شيء مجرّد‏



يتفسخ في انزواء الحديقة‏



باحة بيتنا منعزلة‏



باحة بيتنا تتثاءب في انتظار هطول غيمة غريبة‏



حوض البيت فارغ‏



والنجوم الصغيرة عديمة التجربة‏



يتساقطن من شاهقات الأشجار على التراب‏



وبين النوافذ الباهتة لبيوت الأسماك‏



يأتي، في الليالي، صوت سعال‏



باحة بيتنا منعزلة



الأب يقول: فات أواني‏



فات أواني‏



لقد حملت أوزاري‏



وأتممت عملي‏



وفي غرفته، من الصبح حتى الغروب‏



هو إما يقرأ الشاهنامه (*)‏



أو ناسخ التواريخ(**)‏



الأب يقول للأم:‏



اللعنة على كل سمكة وكل طير



ما همني، إذا مِتُّ



أكانت الحديقةُ أمْ لمْ تكنْ‏



يكفيني راتب التقاعد



الأم كل حياتها سجادة مفروشة‏



على عتبة رعب جهنم



الأم تقتفي آثار أقدام خطيئة‏



في أعماق كل شيء



وتظن أن الحديثة ملوثة‏



بسبب كفر شجرة



الأم مذنبة بالفطرة‏



الأم كل يوم تقرأ الدعاء‏



وتعزّم على كلَّ الأزهار‏



وتعزّم على كلَّ الأسماك‏



وتعزّم على نفسها‏



الأم في انتظار يوم الظهور



وحلول المغفرة



أخي يسمي الحديقة مقبرة‏



أخي يسخر من شغب الحشائش‏



ويعدُّ جثث السمكات المتعفنة‏



تحت جلد الماء المريض



أخي مدمن فلسفة‏



أخي يرى شفاء الحديقة في انهدامها



إنه يسكر‏



يضرب بقبضته الحائط والباب‏



يريد أن يقول: أنا متوجع، تعب، يائس



يأسه مثل بطاقته الشخصية وتقويمه ومنديله‏



وقداحته وقلمه



يأخذه معه إلى الزقاق والسوق



يأسه من الضآلة بحيث يضيع كلَّ ليلة‏



في زحام الحانة






- - - - - - -


(*) الشاهنامه: كتاب سير الملوك الفرس، ألفه الفردوسي سنة 300 هـ، يحكي فيه تاريخ وأساطير الفرس حتى دخول العرب بلاد فارس.‏

(**) ناسخ التواريخ: كتاب تاريخي لمؤلفه لسان الملك الميرزا محمد تقي سبهر - الذي عاش في زمن الدولة القاجارية.




يتبع
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)