عرض مشاركة واحدة
قديم 04-20-2014, 04:10 PM
المشاركة 10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مائة عام من العزلة
عن goodreads

كل الروايات تحكي حقبًا متفرقة من الزمن ، لكنّ مئة عام من العزلة تحكي الزمن ذاته !
استطاع ماركيز أن يخترع عالمًا ، أن يبني كوكبا جديدا اسمه " ماكوندو " يوزع عليه شخصيات إنسانية متشابهة الأسماء ، تختلف عنا تمامًا ، تشبهنا تماما !
من أين أبدئ ؟ حسنًا دعني أخبرك عن خط الزمن الذي خطه ماركيز ، لقد خلق ذاكرة في الكتاب ينقلها من يد شخصية إلى يد أخرى دون أن يعي القارئ بذلك !
لقد كان خوزيه أركاديو بونديه هو أول من حمل هذه الذاكرة حتى لكأنك تعتقد بأنه بطل هذه الرواية ، ثم انتقلت بخفة إلى يد زوجته أورسولا ، ولربما كانا أطهر من في العائلة وأشدها طيبة وبراءة وإنسانية .
ثم انتقلت الذاكرة - وحينها كانت ذاكرة ممتلئة كقربة مسافر - إلى يد العقيد أورنيول بونديه الابن الأصغر لأورسولا وخوزيه والذي أعتقد بأنه أكثر شخصية حصلت على تركيزي في الكتاب !
وهكذا تنتقل الذاكرة من يد إلى أخرى حتى تصل إلى نهاية الملحمة لتبدئ بالتلاشي تدريجيًا ثم الاختفاء لتردد في نفسك : هل كنت أحلم أم أتخيل فيلمًا لم يصور بعد ؟
والرواية على فوضوية أحداثها وتداخل أسماء أبطالها وغزارة أحداثها إلاّ أنّ حرفًا فيها لم يكن عبثًا ! حتى تلك الحوادث التي قد تبدو لك صدفًا أدبية حشا بها ماركيز الرواية .. أؤكد لك أنها لم تكن كذلك !
والرواية بؤرة إنسانية عميقة ، إذا دخلتها وجدت كل صفات وأفعال الإنسان الجميلة جدا فيها والقبيحة جدا كذلك !
ما الذي لم تحمله هذه الرواية للإنسان ؟
السياسة والاقتصاد والحرب والحب والكراهية والعائلة والموت والأمومة والثقافة والعلوم والحكمة والشجع ... كل شيء كل شيء
إنها رواية تستحق أن تعيشها لا أن تقرأها فحسب نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أكثر ما أثارني في الرواية كانت قصة موت أمارنتا !
أن يأتي الموت إليك على شكل امرأة عجوز ثم يطلب منك البدء بخياطة كفنك وتطريزه لأنه سيزورك للمرة الأخيرة عندما تنتهي من فعل ذلك
يالها من رمزية عجيبة .. بحق الله !
كذلك تأثرت جدا بقصة العقيد أورليانو وتقلب قلبه الحر والصراع المحتدم الدائم بين ملائكته وشيطانه .
عشت الغربة التي عاشتها روبيكا ، آلامها وشيخوختها وأمراضها القديمة .
أحببتُ الجد الأول لهذه العائلة المجنونة خوزيه أركاديو بونديه ، أحببت موته اللطيف تحت شجرة الكستناء .
كرهت أورليانو الثاني ، أشفقت على خوزيه أركاديو الثاني ، تقززت من أمارنتا أورسولا ، شعرت بالجنة التي أحاطت بروميديوس الجميلة :")
إنه لمن المذهل كيف استطاع ماركيز اختصار مئة عام من العزلة في رواية واحدة ، عندما أفكر بهذا الآن أشعر بعبقريته وقدرته غير المحدودة .

بقي أن أبدي تحفظي الشديد تجاه أخلاقيات الرواية ، فلم أقرأ في حياتي نصًا احتوى هذه الكمية من الدعارة والبؤس والقبح والقذارة .
لكن قيمة الرواية الإنسانية إضافة إلى الأصل الجنوب أمريكي للكاتب - حيث الانحطاط الأخلاقي واقعا معاش - سمحت لي بتجاوز هذا الانحطاط ، ولأول مرة في حياتي أفعل ذلك ، أنا التي أمتلك حساسية أخلاقية شديدة للأعمال الأدبية .
ومع ذلك فقد سرقت نجمة واحدة من نجمات التقييم بسبب هذه الأخلاقيات.