هي مجموعة من الأسئلة التي لا أملك لها إجابات يقينية .. أحاول عبثا استكناه ما تريده من إثارة البلبلة في أرجاء روحي المتعبة
و في كل مرة تمنحني بحضورها المشاكس بعضا من الفرح الجالب للفوضى ،يشبه ما تحدثه طقوس إقامة حفل زفاف في بيت جدي العتيق القائم في قلب دمشق .
أو تشبه أيضا الجلبة المثارة في ليلة العيد ، حيث قطع الأثاث تتجول في غرف المنزل ريثما تحصل على أمكنتها المناسبة .
أو أحيانا السهر انتظارا لقدوم الأحبة من أصقاع بعيدة.
و لا أدري لماذا تكون أكثر حضورا عند الغياب القسري لأحد هؤلاء الأحبة برحيل نهائي؟
تسائلني روحي: لماذا عندما أكون متعبة أحتاج أن أكتب لك ؟
لمَ يجتاحني الحنين إلى زرع حروفي التي لم تخطها أصابعي بعناق قلم ، و إنما خطتها بكف مفرودة على لوحة المفاتيح؟
فأنت تعرف أنني خاصمت القلم لاعتبارات كثيرة منها حقوق مواطنتي في هذه القرية الكونية .
و منها أيضا إصرار أوتار يدي على التمرد المرضي لتعلن عصيانها إرادتي فأحتال عليها بلوحة المفاتيح حيث تجد دوما كلماتي طريقها إلى النور .
أوزع شوقي على مربعات الأحرف،لأنتقي لك منها الحروف الأجمل.
كثيرا ما تكون مملوءة اشتياقا ، و حنانا ،و...أشياء أخرى .كلها من تكاوين القلب و ما يمكن أن يمت لها بصلة حتى لو كانت واهية أو مختلقة..!
أزرعها / كلماتي/ عند حدود مقلتيك ، لتنعم بنظرة عينيك.
و لأنها مشاغبة مثلي- بالعدوى -تبعا لأعراض أنفلونزا المشاكسة التي غزت كريات دمي و استوطنتها دون أن أكتشف لها المصل المضاد الذي يبرأني منها، فإن كلماتي لا تقنع بمكانها في حدقات عينيك و تحتال كي تتخطى الحواجز و تجري مع الدماء و الأوردة . تتسلل على رؤوس أصابعها لتتخذ مكانها في شرفة القلب
و عندما تنظر من الخارج إلى أبهائك الفسيحة تنتابها الحسرة فلا تلبث أن تتسلل إلى باحة روحك بخفة اعتادت عليها ، تداهم الماكثين في عمق قلبك و الماكثات ، يبهتون لرؤيتي برهة ثم يستأنفون حفل الرقص الجنوني و أنا معهم..!
و هنا الجنون لا يتلون بالدرجة البرتقالية فقط، و لا يرتفع إلى الدرجة السادسة عشرة ،بل يخترع سدرة ما بلغها أحد من قبل و لونا هو الوردي بكل تكويناته و تدرجاته و عجائنه اللونية
و احتفاء بجنون في ردهات قلبك و ممراته و غرفه و تكاياه و زواياه
يطيب لي شرب قهوة ما أحببت يوما منها إلا الرائحة ...
و بوقارك المعتاد تسألني عن ماهية الحب الذي يخطر في جوانحنا كلينا ..
لا أقتعد الأرض متربعة كهندي فقير يرتدي الساري الأحمر البسيط و يغرق في تساؤلاته ،و لا أكون أيضا مثل كاهن بطيلسانه الأسود يتربص باعترافاتي وراء الستار ، و لن أكون رجل المنصة ببدلته الأنيقة و مصطلحاته الرنانة و البراقة .
بكل بساطة سأكون أنا نفسي ،مع أنني أثق تماما أن كينونتي شكلتها ذوات أُخر على مدى الزمان، و استخلصتها من دساتير الفقهاء ،و نظريات العلماء، و الارتحال في الماوراء..
لكنك.. ستتعرفني من خلال البصمة الأكيدة التي تميزني عن غيري.. بصمة الروح!
تسألني عن ماهية هذا الكائن الذي نما بيننا ..؟ و كيف ولد؟
ولد بالبساطة التي تتم بها حياكة ثوب بما يستلزمه من تفصيل القماش و خياطته و بصعوبة بناء مفاعل نووي بما يتطلبه من الحصول على مواد محظورة و مرورا بتخصيب اليورانيوم و انتهاء بالصراع مع الكبار.
له طعم ألذ من عصير بارد في ظهيرة صيفية قائظة على كبد ذي غلة صادٍ، لكنه مر كطعم فقدان الوالدين ليلة العيد.
هو عزيز كالوطن.. و مستباح أيضا كالوطن !!
هو كائن يحتوي في داخله على تناقضاته، و على أسباب موته أيضا !
و من أجل هذا لم يشأ في تقديمه لنفسه أن يورط جميع حروف الأبجدية فاختصرهما في حرفين متقاربين لا يقطعان مسافة طويلة ليلتقيا و يشكلا نسيج كلمة...
لذلك لن *"
أشنق الطريق يوما ما" في سبيل الوصول إليك
و لن أضيء الشموع**" ليلة السهر على جثمانك"
ولا حتى ***"سأرتدي الأحمر حدادا عليك"
لأنني ببساطه تماهيت فيك حتى النخاع
و ارتحالك من صقع إلى آخر، من عالم إلى آخر يعني ارتحالي بما يتضمنه من معنى أن تكون هي الرحلة الأخيرة
* يوما ما سـأشـنق الطـريق : عنوان نص للأديبة الليبية انتصار حسين
** ليلة السـهر على جثمانك : عنوان نص نثري للأديبة الليبية جليلة وريث
*** سأرتدي الأحمر حدادا عليك : عنوان نص للأديبة السورية جنى محمد
شــــكرا لهن