الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
12-15-2013, 02:41 PM
المشاركة
1068
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,766
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 40 "سلطانه" لكاتبها
غالب هلسا
-
الاردن
.
-
منذ بداية
الرواية, نتعرف على بيت سلطانة في القرية بوصفه بيت
<<
الحوارنة
>>,
وذلك
عندما تعود
<<
أميرة
>>
ابنة سلطانة التي تعمل خادمة في أحد بيوت عمان
,
حيث سافر مخدوموها إلى رام الله لقضاء الصيف. وإذ تعود الصبية وهي تجر معها كلبا لا
يأكل سوى اللحم, فإنها تثير حفيظة أهل القرية الذين لا يجد كثيرون منهم الخبز, بل
إن والدها نفسه يقول لها
<<
يا ست أميرة, إحنا مش لاقيين الخبز, نقوم نطعم
الكلب لحمة،
لكن الوالد هنا ذو شخصية هزيلة أمام الشخصية الطاغية لزوجته
سلطانة وابنته أميرة, التي هي بالتأكيد ابنة سلطانة, لكن لا شيء يؤكد أنها ابنته هو
أيضا , فسلطانة عاشت- منذ طفولتها- ألوانا من الحرية وصلت حد الانفلات. وهي امرأة
خارجة على قوانين المجتمع, لا تخضع سوى لقوانين حريتها الداخلية
.
-
نتوقف عند
نشأة سلطانة, ابنة صاحب بقالة, أمها هي المرأة الجميلة الشرسة الشهوانية المثيرة
لرجال القرية, والتي تدير شؤون البقالة بنفسها, وتتعاون مع سائق شاحنة سيصبح مالكا
لها فيما بعد.
-
في بيئة كهذه, وفي قرية ذات مواضعات وتقاليد اجتماعية راسخة, نرى
الطفلة سلطانة تلعب بين أولاد من جيلها, أو أكبر قليلا , في مكان يدعى
<<
الهربج
>>,
وتشارك في صيد العصافير وممارسة الطقوس الجنسية, وحين
يحاول بعضهم الاعتداء على أنوثتها تتصدى لأكبرهم وتهينه في ذكورته, ثم تبدأ علاقة
مع الخوري صليبا, زير النساء الذي لا يرتوي.
-
لكن هذا كان في طفولتها, وقبل أن تكتشف
إمكانات توظيف جسدها وأنوثتها وجمالها, وأصبحت- كما يقول جريس بحسرة وألم العاشق
البعيد زمانا ومكانا عن معشوقته- مومسا تعرف كيف
<<
تبيع جسدها لتثري
>>
ولتغدو صاحبة تجارة مزدهرة
.
-
كان بيت سلطانة في القرية متميزا عن بيوت
القرية, بفخامته وأثاثه, بما يوحي ببعض ملامح شخصيتها, لكن انتقالها إلى عمّان
سيوضح لنا المزيد من هذه الملامح, كما سيضع أمامنا عالم المدينة الذي انتقل إليه
جريس. ففي عمان, حيث مدرسة المطران التي يدرس جريس ويقيم فيها, وحيث بيت سلطانة في
جبل اللويبدة, الأرقى في عمّان الأربعينيات, تتكشف لنا عوالم المدينة الصغيرة, فنرى
جوانب من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية فيها
.
-
صورة
عمّان من أواخر الأربعينات إلى مطلع الخمسينيات, هي صورة مدينة صغيرة لكنها تعيش
-
كما يبدو- حياة تحظى بقدر من الحرية والتنوع. فعلى صعيد الحياة السياسية يشتبك جريس
ومجموعة من أصدقائه بنمط من الحياة الحزبية, يتداولون النشرات في اجتماعات شبه
سرية, ويسهرون في ناد ثقافي يحشد الحزبيين والمثقفين من تيارات متصارعة. ومن خلال
العلاقات الحزبية والعمل السياسي, تتكشف تفاصيل كثيرة, بعضها ذو طابع سياسي بحت
,
وبعضها الآخر ذو سمة اجتماعية أو ثقافية. لكن الرابط بين هذه العناصر قوي جدا
,
بحكم أن شخصية جريس تجمع هذه الأمور كلها وتشكل محورها
.
-
بعد انتهاء دراسة
جريس في عمّان, وعودته إلى القرية, يكتشف أن الكثير قد تغير, وأن الناس لم يعودوا
يفكرون إلا في النقود وفتح دكان في عمّان أو.. فتقول له أمه إن الدنيا كلها قد
تغيرت
<<
فالناس كثرت والطلبات كثرت. أيام زمان كان الناس قلائل وكل شيء بسعر
التراب..كان الناس يجتمعون في مضافة العماشنة وتدور الأحاديث الحلوة عند العصر. كان
الشباب يركبون الخيول ويتسابقون والبنات يزغردن للفائز
..>>.
وفي مقطع آخر من
الرواية, حين يكون جريس مع عزة في القاهرة, ينفجر في داخله صوت يقول له
<<
الأردن التي تحلم بها لم تعد موجودة حتى حين كنت فيها
>>.
-
هذا
التغير يحظى من الراوي بنصيب كبير من السرد, فهو يفسر ويحلل, من خلال شخصية سلطانة
وشركائها, الكثير من الوقائع.
-
ويهمنا هنا أن نركز على عاملين يعتقد الراوي أنهما
كانا وراء التحول: الأول يتمثل في دخول التجارة كعنصر جديد إلى نمط الإنتاج, حتى أن
الزراعة أصبحت خاضعة للتجارة, فاضطر الفلاحون إلى بيع أراضيهم المرهونة للتجار حين
لم يستطيعوا سداد ديونهم. والعامل الثاني هو التهريب مع فلسطين قبل نكبة 1948, ومع
إسرائيل بعد قيامها. فقد وجد الكثيرون في تهريب القمح والعدس والشعير, إلى فلسطين
,
عبر الشريعة (نهر الأردن), والعودة من هناك بالزيت والتين المجفف, (وفيما بعد راحوا
يهربون الخراف والبقر والدجاج, وفي مرحلة تالية سيبدأ تهريب الماس وسواه من
المعادن) مصدرا لجمع الثروات, خصوصا بعد قيام دولة إسرائيل, حيث الإسرائيليون
يدفعون أضعاف الثمن الذي يدفع لمثل هذه البضاعة في الأردن.
-
أما دور سلطانة في هذا
العمل, فيتضح في حديث جريس عن التحولات التي كانت تجري في الأردن قبل خروجه منه
,
وذلك حين يصف سلطانة بأنها
<<
متعاملة مع إسرائيل, ومهربة حشيش
>>.
وهناك
إشارات إلى شخصيات عالية المستوى في الحكم ممن يشاركون سلطانة في هذا
العمل
.
-
وعلى صعيد الحياة السياسية, ثمة نماذج لحزبيين شيوعيين, وآخرين بلا
ملامح محددة. فالشيوعيون هم الأشد حضورا هنا, وهم يحضرون عبر علاقتهم بجريس, ومنهم
الطالب والمعلم ومنهم الموظف الكبير في وزارة الخارجية.
-
أما نضالهم فلا نرى له أثرا
في الرواية, بل نجد اجتماعات ونقاشات. لكننا نعثر على نمط من
<<
النضال
>>
يتمثل في محاولة موسى (أحد قادة الحزب) إقناع جريس بزيارة
نائب في البرلمان, للتفاهم معه على كيفية تخليصه من قصته مع
<<
أميرة
>>
ابنة, بحكم قرابته مع عشيرتها كما يظن القائد الحزبي, فأميرة ادعت أن النائب قد
اغتصبها. وتأتي محاولة موسى للتدخل مقابل خدمة سيقدمها النائب للحزب, فهم يطلبون
منه أن يثير في البرلمان ملف قضية من القضايا التي تهم البلد (قضية من قضايا
التهريب). لكن جريس يذهب مع موسى ويسهران ويشربان مع النائب, ثم يسخر من شرب
الويسكي في مكتب النائب, ويعلن بعدها تخليه عن التدخل, يقول لنفسه
<<
يدعوني
النائب لأسهر في مكتبه الباذخ.. يستعمل ستار الوطنية لأساعده في التنصل من اغتصاب
فتاة قاصر. يجب أن يعلم أنني لم أنخدع.. أنا وموسى لنا لعبتنا.. شو دخل الحزب ليحمي
جريمة
>>.
-
في هذا السياق نذكر أن مناضلا (هو طعمة) مطرودا من الحزب
بتهمة العمالة لضباط في المباحث المصرية (كانوا أعضاء في الحركة التقدمية للتحرر
الوطني), هو الذي قدم أميرة للنائب ليكسب رضاه. وهذا يعني أن الحزب الذي طرد طعمة
دون محاكمة عادلة, وأشاع عن علاقته بالأجهزة الأمنية, ما دفعه إلى الانحراف.. يخضع
هنا لمحاكمة جريس ونقده
.
-
نشير أيضا , إلى الجنس والدعارة, فبعد أن كان الجنس
عبارة عن ممارسات قائمة على اللعب والعاطفة, في صور فردية, ها هو يصبح له مؤسسة
وسماسرة ومراكز لتقديم هذه الخدمة- البضاعة.. فيذهب إليه الرفاق الحزبيون الذين
-
يبدو أن- لا بديل أمامهم لتفريغ طاقاتهم المكبوتة سوى هذا السبيل, فنراهم في شوارع
العاصمة وأزقتها يتسكعون وينتظرون لحظة حضور
<<
القواد
>>
الذي كثيرا ما
كان يعترضهم ويعرض عليهم خدماته, وها هم في أحد الأحياء البائسة, وسط العتمة, يغوصون
في وحل وروائح حيوانات وسواها, ليصلوا إلى نساء بلا جمال, سمينات ومرهقات ويبدو
عليهن الشقاء أكثر مما يبدو عليهن طابع المهنة. والرحلة هذه, في سريتها, تشبه رحلة
في عالم الثورة السري حيث المخاطر قائمة في كل لحظة
.
-
وفي ارتباط وثيق مع
مفاصل الحياة السياسية, نكشف عن لقطات سريعة لجوانب من الحياة الثقافية, عبر وجود
شخصيتين لمبدعين هما شاعر وقاص في الحزب. كما تأتي قراءات جريس المتنوعة التي تدل
على وجود الكتب والصحف والمجلات, وهذا ما يشير إليه غالب هلسا نفسه في كتاباته
النثرية. ففي مدرسة المطران يمكننا أن نعثر على مشاهد متعددة لجريس وهو يقرأ أو
يكتب في مجلة المدرسة. وقد عثرنا فعلا على كتابات مختلفة له في المجلة الموجودة في
أرشيف المدرسة, من هذه الكتابات مقالة وقصة قصيرة
.
نستطيع أن نذكر هنا, أن في الإمكان العثور على الطفل وديع, في رواية غالب القصيرة <<وديع والقديسة ميلادة..>>, في لحظة قراءة, وهي لحظة تتعلق بقراءة الصحيفة التي نشرت خبر الطفلة المقدسة <<ميلادة>>. أو بقراءة الكتاب المقدس لوالديه. وثمة إشارة متكررة, في <<سلطانة>> كما في <<وديع..>> وفي كتاب <<أدباء علموني إلى وجود المكتبة في بيت الأخ الأكبر الأستاذ إلياس. وهذا واحد من معالم حياة ثقافية ما.
رد مع الإقتباس