عرض مشاركة واحدة
قديم 08-20-2010, 12:06 AM
المشاركة 22
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
( المشهد الثامن من مشاهد الرحلة الى المقابر )
ساعة تحت الأرض




= السلام عليكم أيها السادة الأحياء الميتون عما قريب

وأهلا بكم في مشهد آخر من مشاهد الرحلة إلى المقابر
في المشهد السابق حدثتكم عن تذكر الموت وتذكر القبر

وفي هذا المشهد قصة حقيقية يرويها رجل أسرف على نفسه

وعنوان القصة :

( ساعة تحت الأرض تقشعر لها الأبدان )
أرويها لكم على لسانه مع بعض التغييرات التي اقتضتها الضرورة
يقول :

= كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري رحمه الله
أنه احتفر قبراً في منزله
وكان يرقد فيه وإذا ما رقد فيه حتى يحل عليه الظلام
وعاش ويلات ظلمته ووحشته
صاح ( رب ارجعون رب ارجعون )

ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟

= ويكمل راوي القصة

كنت أحافظ على أداء صلاة الفجر في موعدها في المسجد

وحدث مرة أن فاتتني صلاة الفجر فأحسست بضيق في صدري طوال ذلك اليوم

ثم تكرر معي هذا

فقلت : لا بد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها

حتى لا تركن لمثل هذا فيؤدي ذلك بي الى النار

فقررت أن أبيت ليلة في القبر حتى أؤدب نفسي

وأعلمها كيف لا تغفل عن صلاة الفجر
ولأذكرها بأن هذا هو منزلها ومسكنها إلى يوم البعث

وأقسمت أن أفعل وأبيت في القبر هذه الليلة ولا أؤجل ذلك الى الليلة التالية

فلما انتصف الليل قلت لنفسي قومي الآن إلى المقابر
وكان اختياري لهذا الوقت بالذات حتى لا يراني أحد

فتوجهت إلى المقابر وتساءلت : هل أدخل من الباب ؟

لا لئلا يفسد خطتي أحد يراني -
فقررت أن أتسلق سور المقبرة –

واقتربت من السور وصعدته وإذ بي بين القبور–

فدخل الخوف إلى قلبي قبل أن أدخل القبر مع أنني كثيراً ما دخلت المقبرة كمشيع
ولكنني أحسست وكأنني لأول مرة أرى القبور
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة إلا أنني أقسم :
ما رأيت أشد سواداً منها تلك الليلة

– كانت ظلمة حالكة -

سكون رهيب لا يقطع هذا السكون
سوى أصوات بعض صراصير الليل
سكون فظيع هذا هو صمت القبور بحق !
أما رائحتها فلا يخطئها أنفي

فيها رائحة الموت – رائحة الحناء وبعض روائح المسك
التي تصب على بعض الموتى قبل دفنهم -
شعرت بتعب دونما أتعب

فاتكأت على السور وأنا أتلفت حولي

ونبضات قلبي تتصاعد وتعلو وصدري يكاد ينخلع من مكانه
قلت في نفسي : الرحمة يا رب الرحمة
واني والله لأشعر بملك الموت قريباً مني
يريد أن ينقض علي وينهش مني روحي

فجلست إلى نفسي أحادثها للحظات ريثما تهدأ

مرت علي كالسنين – إيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ه أيتها القبور – ما أشد صمتك !

وما أوحشك !
وما أقسى ما تخفيه تحتك !
ضحك ونعيم – عذاب وبكاء وعويل –
آه ما أصعب ما قررت !!!

هل أتراجع ؟
لا والله لن أتراجع
قمت من فوري وسرت بين القبور –لأجد قبرا فارغاً أبيت فيه –

ها قد وجدت – هذا القبر لي

الآن سأدخل فيه بسرعة حتى لا يراني أحد
ويقال عني مجنون

فلا أحد يصدق أني أعاقب نفسي لأني أضعت صلاة الفجر

وقبل أن أدخل القبر قلبت بصري يمنة ويسرى
واذا بقبور مفتوحة تنتظر ساكنيها

وقبور أخرى سكنها أصحابها

تأملت القبور الممتلئة بأصحابها
وراودتني أسئلة متتالية متسارعة

لمن هذا القبر؟؟
لعله لرجل كان في عز شبابه أضاع عمره
في الاستماع الى الأغاني
وغره شبابه وفي لحظة مرة داهمه الموت

فلم ينفعه الشباب في شيء
وهذا لعله قبر رجل ضيع صلاته مثلي

وهذا القبر لعله لرجل أعمال جمع من الأموال ما جمع
ولم تغن عنه أمواله شيئا - وهذا وهذا ؟؟؟؟؟؟؟؟
أرجعت بصري أرضا ونظرت إلى قبري

وقلت : سبحان من قهر عباده بالموت

ولشدة خوفي قلت في نفسي سأجلس خارجه قليلاً
حتى تسكن أعصابي

كثيراً ما رأيت القبور ولكن هذه المرة تختلف
– لها طعم آخر –
لحظة وأحسست همهمة وكأن شخصا يتنفس في أذني –
قلت هو اذن ملك الموت

رفعت بصري ولا أرى إلا قبورا وخيالات سوداء

وكأن أهل القبور خرجت تستقبلني – أين أذهب ؟
أين سأهرب – ومم أهرب ؟

وكأني أسمع نفسي تصيح بي : يا مجنون
كيف تجرأت ووصلت الى هنا ؟

هذا هو القبر هيا اهبط فيه –
ألست أنت من أقسمت أن تبيت في القبر الليلة ؟
انزل لا بد أن أبر بقسمي وأبيت الليلة في القبر
جلست القرفصاء وبذا اقتربت أكثر فأكثر من القبر

تأملته وتساءلت : سبحان الله

كيف تكون هذه الحفرة الصغيرة روضة من رياض الجنة
أو حفرة من حفر النار ؟
هل الطقس بارد ويزداد برودة أم أنها قشعريرة الموت
او هو الإحساس بالموت؟
أسمع صوت رياح – ما هذه الريح ؟

لا أرى ذرة من غبار ؟ ما الذي أسمع وما الذي أحس ؟

يجب أن انزل القبر ولم أتيت إلى هنا أصلاً ؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ومن وسوساته اللعينة

وشمرت عن ثيابي – وهبطت إلى القبر وقلبي يختلج
يكاد ينخلع من صدري – ومددت نفسي داخل القبر –
والصقت نفسي بجدار القبر لا أدري أحتمي من ماذا ؟

أنا لست جباناً لكنني شعرت بالخوف حقاً -
كل هذا وأنا مغمض العينين –

فتحت عيوني وأزحت بصري إلى الناحية الأخرى

فإذ بي أرى جداراً من تراب تتحرك فيه ديدان سوداء

تقلبت على ظهري ورفعت بصري إلى أعلى

فلم أر إلا سقفاً من تراب لا يكاد يرتفع عن وجهي بضع سنتمترات

فقلت : ماذا لو انهال علي التراب فجأة ؟

يا لشدة الموقف !!
إنه المكان الذي لابد منه – وبدأت أفكر .........

سبحان الله ننام على فراش وثير وهذه هي النهاية

نريد أن نحصل على كل شيء في الدنيا وهذه هي النهاية

لاشيء لا شيء

إلى الذين يتنازعون على الدنيا وما فيها هذه هي النهاية
تعالوا شاهدوا بأم أعينكم – هذا هو القبر-
وأردد بصوت خافت يا أهل القبور مالكم لا تسمعون ؟؟
أين أصواتكم التي كانت تجلجل ؟

تركتم صلاتكم وتنازعتم على مال الدنيا هل تنفعكم الآن ؟

هل تغنيكم عن هذه الرقدة ؟

آثرتم الغناء على القرآن –

صمت للحظة أتفكر بصمت يتناسب وصمت القبور الرهيب

كيف سيأتي منكر ونكير ؟ من أي ناحية سيأتياني ؟
كيف سيكون الحساب ؟
ما هي ضمة القبر ؟ وكيف يكسر الأضلاع ويتداخل فيها ؟

آه ما أجهلنا نستاء من طعام لا يتوافق مع شهيتنا

ونصير نحن أكلة دسمة لهذا الدود الذي
أراه يخرج من بين التراب

يريد أن يسبح على جسدي

فكرت أن أنظر الى القبر المجاور فخفت أن أرى عينين تلمعان
في الظلام وتنظران الي
فقررت ألا أنظر الى الناحية المجاورة

فليس بي شجاعة أن أزيح بوجهي من شدة الخوف
فما زال القلب ينبض بشدة –
وضعت يدي على صدري

وتخيلت نفسي محمولاً في النعش وأصحابي يسيرون بي

ويدخلونني القبر ويرشون الماء عى التراب فوقي
تخيلت رجلاً كبير السن من أهلي
وقبل أن يتركوني وحيداً في قبري

يقول : توقفوا لحظة أدعو لصاحبكم فإنه الآن يسأل

وراح فكري هنا وهناك - وبكيت إلى ما شاء الله أن أبكي

ويكأني غبت عن الدنيا وما فيها لأكثر من ساعة

وأنا أتفكر في الموت –

وما صحوت من غفلتي إلا والدود قد بدأ يمشي علي

وكأني أقول له – مهلاً – أنا لست ميتا لتأتي علي تأكلني

اهتز جسمي وقلت رب ارجعون رب ارجعون

فأدركت أني على قيد الحياة

نهضت من مكاني ونفضت ملابسي مما علق بها من تراب
ودود وغيرها

وغادرت المقبرة وعدت إلى بيتي أردد قول جبريل عليه السلام
للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

( عش ما شئت فإنك ميت
وأحبب من شئت فانك مفارقه
واعمل ما شئت فانك مجزي به )




انتهى المشهد

ألقاكم غداً بنفس الموعد بإذن الله تعالى

هذا إن عشنا ليوم الغد

السلام عليكم

لا تنسوني من الدعاء



تحياتي لكم ...
ناريمان الشريف