عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2013, 09:00 PM
المشاركة 24
عماد تريسي
من ملوك الأدب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أسيلوا عليه الدمعَ.. فهوَ بهِ أجْدَى=ولا تَذْخرُوا شكراً.. ولا تذْخروا حَمْدا
فقدْ كان ذا فضْلٍ.. وقد كان ذا هُدىً=يُفيضان للعافين من رَبْعِه رفْدا
ولا قوْلَ إلاّ هدْيُه مترسِّلاً=ولا فعْل إلا رُشْدُهُ الجَمُّ.. مُمْتدّاً
وقدْ كان لا يَسْتشعرُ الفخْرَ بيننا=ولكنّه يستشعرُ الحبَّ والزُّهْدا
ويُغْضِي عن الذمِّ اللئيمِ. ولا يَرى=لصاحبه الجاني عليه به حقْدا!
أأَحمدُ.. كنتَ الرّوضَ فينا.. ثمارُه=وأزهارُه كانت لنا النّفْحَ والرّغْدا
فَصوَّحَ هذا الرّوْضُ.. جَفَّ نَميرُه=فلمْ نَلْقَ طعْماً لذّ فِيهِ ولا وِرْدا
لقد كنتَ فيه بُلبلاً مُتَفَرِّداً..=بأَنْغامِه يُشْجِي بها المجْدَ والوَجْدا
فأجْدبَ هذا الرّوْضُ بَعْدكَ باكياً=على طيرهِ الشادِي الذي سكَنَ اللّحْدا
ونحْنُ كمِثْلِ الطّيْرِ نشكُو فِراقَهُ=حنيناً إليهِ.. في المَراحِ وفي المَغْدَى
ونَذْكُرُه فينا شَذىً متضوِّعاً=يفوحُ.. فيَسْتَهْدِي به السائرُ القَصْدا
وما كان إلاُ الرُّمْدُ مَنْ لا يَرَوْنَهُ=ضياءً.. فما أشقى بإنْكارِه الرُّمْدا
ترفَّعَ عن نَهْجِ الغُواةِ تزهُّداً=ولم يَتَنفَّجْ كبرياءً ولا كَيْدا
فإنْ قلْتُ فِكْراً. فهو فيهِ محلّقٌ=وإن قلْت حِسّاً. فارْقُبِ الجَزْرَ والمَدَّا
هُما كِفَّتا فِكْرٍ وحِسٍّ تهَاطَلا=بغَيْثٍ.. حَمِدْنا قَبْلَه البَرْقَ والرّعْدا
وهل تُنْبِتُ الآلاءَ إلاّ هَوَاطِلٌ=عَمَتْ نَحْسَنا عنَّا وأبْدتْ لنا السَّعْدا!
أَأَحْمَدُ.. يا رُبَّ امْرِىءٍ مُتميِّزٍ=يُنَوِّرُ لحْداً مِثْلَما يُطْرِبُ المَهْدا
وقَدْ كُنْتَهُ شيخاً.. وقَدْ كُنْتَهُ فَتًى=فَمَا أَكْرَمَ المَثْوى. وما أكْرَمَ الخُلْدا
عسَاني إذا ما شاءَ رّي تباركَتْ=آيادِيه.. كم أَجْدَى علينا. وكم أسْدَى
رَحِيليَ.. أنْ أَلْقى لديه فواضلاً=وإن كنتُ لم أرْعَ الذّمامَ ولا العَهْدا
وأَنْ أَتَلاقَى والكرامَ من الأُلَى=تسارَعْنَ قبلي للرّحيلِ الذي أَرْدى
فكم أَشْتَهِي. والدمعُ يذرفُ والمُنَى=تُجاذِبُني شوقاً.. وتُخْلِفُنِي الوَعْدا
لِقائِي بهِمْ في مَوْطِن الخُلْدِ.. لا أَسىً=بهِ أو وَنىً يُضْنِي المساعيَ والجهْدا
ترقَّبْتُهُ يوماً فيَوْماً.. فَلَمْ يَفىءْ=إِليَّ.. ولكنْ سامَني النَأي والصَدَّا
ووَلَّى وأَبقى الهَشَّ.. ما يَسْتويَ بِهِ=وقَدْ لانَ –عُودِي لَيْتَه تركَ الصَّلْدا
فَعُدْتُ وما أقْوى على السّيرِ قابعاً=بِدارِي. فلا جَذْباً أطيقُ ولا شَدَّا
وعُدْتُ وفي حَلْقي من الصّابِ غصّةٌ=وفي مُهْجَتي من بَعْدِ ما طَعِما.. شُهْدا
مَتَى يَجْتَوِ المَرْءُ الحياةَ يَجِدْ بها=مَرَازِىءَ تُنْسِيه المباسِمَ والنَّهْدا
وكيْفَ.. وقد أَصْلَى الفِراقُ بِنَارِه=حناياهُ.. حتَّى ما يطيقُ لهُ وَقْدا
وقد خانَهُ حِسٌّ.. وقد خانَهُ حِجًى=فلمْ يُبْقِيا حَيْلاً ولمْ يٌبْقِيا رُشْدا
وكان له رَهْطٌ نِدادٌ.. فلم يَعُدْ=له مثلهمْ. فهوَ الذي افْتقَدَ النِّدا
كمَا افْتقَدَ اللَّذْوَى. كما افْتقَدَ الكَرَى=بشَيْخُوخَةٍ تَطْوِي المواجعَ والسُّهْدا!
سَلامٌ على الدّنيا.. سَلامُ مُودِّعٍ=تطلَّعَ للأُخْرَى. لمَوْلاهُ واسْتَجْدَى
على أنَّهُ ما كان في مَيْعَةِ الصِّبا=صبُوراً على رَيْب الزمان ولا جَلْدا
عساهُ بعَفْوٍ منه يَنْجُو من اللَّظَى=فما أكْرم المَوْلى وما أَفْقَرَ العَبْدَا

.
.


لأنَّ الحزن هو أبو الوحي , فإنَّني لا زلتُ أبرّه !

فإن ذوتْ سنابله يوماً, رويتُه باستذكار جرحٍ آخر .

.....