عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 01:17 AM
المشاركة 22
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


كيف تعلّقين على رسم شخصية مثل "راشيل فينريز" في رواية" الخروج في رحلة بحرية"؟ وأيضا هل تعتقدين أن تلك الرواية قد جسدت المشاعر الداخلية لراشيل فينريز؟


كان هذا تحديّاً ضخماً. فقد كانت روايتي الأولى كما تعلمون، وكما هو الحال مع الأعمال الأولى عادةً، حاولت أن أضع فيها الكثير من خبراتي الخاصة.

تماماً مثل راشيل، ماتت أمي وأنا بعد طفلة، وكلما كبرت وجدت نفسي محاطة بأناسٍ نشطين مبهرجين مثلما كانت شخصية "كلاريس دالواي"(بنيت شخصيتها على شخصية حقيقية هي "كيتي مانكس")، وكذلك كنت محاطة برجال مثقفين مثل مستر "آمبروز" وزوجته عميقة التفكير "هلين"، التي كانت تشبه إلى حد ما شقيقتي فانيسا.


وضعت الكثير من قراءاتي في رواياتي وكتبي: روايات "جين أوستين"، خطابات "كوبر"، المؤلفون اليونانيون وخاصةً "جي إي موور" في كتاب "مبادئ الأخلاق"، ذاك الكتاب الذي درسه شقيقي "ثوبي" وأصدقاؤه في كامبريدج، وقرأته أنا في المنزل.


في عام 1904 سافرت بالبحر إلى إيطاليا وباريس، وفي عام 1905 ذهبت بالبحر أيضاً إلى إسبانيا مع شقيقي "آدريان". في عام 1906 سافرت إلى اليونان مع "ثوبي" و"آدريان"، وشقيقتي "فانيسا" وصديقتي "فايوليت ديكنسون"، غير أن تلك الرحلة انتهت بكارثة: حيث التقط شقيقي" ثوبي" حمى التيفوئيد ومات في نوفمبر من نفس العام. ولذا أظن أن توصيف الحمى التي أصابت راشيل كان متكئاً في الأساس على تجربتي من مرض "ثوبي" وموته.


هذه الرواية أخذت وقتاً طويلاً حتى انتهيت منها: شرعت في كتابتها في مايو 1908 وأرسلت بها إلى الناشر في مارس 1913. أنجزت فيها سبع مسودّات: وظللت أغير وأعدّل فيها طوال الوقت.


كنت مهتمة ومشغولة بها جداً، ولكنني ظللت قلقة بشان أسماء الشخوص: راشيل كان اسمها أولا "ثنسيا"، ولم أوفق في اختيار اسم مناسب لها. (في إحدى المرات تجولت بين شواهد القبور من أجل شحذ الأفكار، ووجدت سيدة تُدعى "تريدسرايد" .. كلا، ربما لم يكن هذا اسمها). كنت أريد لها أن تكون فرداً معاصراً، لا بطلةً فيكتورية محافظة!


في عام 1909 أرسلتُ المائة صفحة الأولى إلى زوج شقيقتي "كليف بيل"، الذي أرسل لي العديد من التعليقات الإيجابية. غير إنه قال أني – بسبب تحيزي ضد الرجال – جاءت روايتي تعليمية إرشادية بل وشديدة التزمت أيضاً. لهذا مزقت الكثير من أوراق الرواية وأعدت كتابتها.


كنت تسأل عما إذا كنت أعتقد أن مشاعر راشيل الداخلية جاءت مقنعة: وأتساءل ماذا تظنون أنتم؟ ربما نجد أن أهم الفصول التي تناولت هذا الأمر هي 20، 21، و 22، حين شعرت هيلين أن راشيل قد تخطّت حراساتها، فتصادمت مع ريتشارد، دالواي بتوجيه من هيلين الآن غدت حرة في أن تعبر عن أحاسيسها الخاصة.


إذا ما تأملتم مليّاً (صفحة رقم 200 في طبعة بِنجوين) عندما كانت تتحدث مع تيرينس، الذي أبدى ملاحظاته حول أنهم أصبحوا في القرن العشرين، لكن، لعدة سنوات ماضية لم يكن للمرأة أن تأتي من تلقاء نفسها لتتحدث في مثل تلك الأمور. هذه الأشياء كانت تعتمل في خلفية الرواية، كل تلك الآلاف من السنوات من الصمت الشغوف لحياة غير فعالة للمرأة.


تأملوا كذلك الفصل الثاني والعشرين، حين ألقى تيرينس خطبته الطويلة حول النساء بينما راشيل لم تتكلم مطلقاً، لأنها أغرقت ذاتها مجدداً في سونتات بيتهوفن. أتساءل كيف ترون هذه الأمور.


أنا شخصياً أعتقد أنني نجحت في بعض المقاطع، وأخفقت في القليل منها. لكن ما كنت أهدف إلى إظهاره: مدى صعوبة أن تعبر المرأة عن حياتها الداخلية في ظل كل تلك القيود وغياب الحرية.



ما هي الدلالات وراء الحفل الذي أقامته مسز دالواي في الرواية؟



أنا مغرمةٌ بالحفلات. ليونارد كان يعتقد أني أحب الإثارة الفيزيقية التي تحدث خلالها، وهو ما كان يطلق عليه "خميرة وينبوع الضجيج".

لطالما كنت مفتونةً بفكرة ما أسميته "الوعي الجماعيّ". أؤمن بأن الناس يمتلكون عدداً من الأنواع المختلفة من الوعي، و"الوعي الجمعيّ" – أثناء المحافل - يضعنا في بؤرة الضوء بما يسمح بتدقيق وفحص الناس الآخرين لنا، الأمر الذي يجعلنا نحاول أن نكون بصدق (ذواتنا)، إما على نحوٍ أقل أو أكثر.


تحت وهج أضواء الحفل، يصبح الناس شفافين غير محصنين ويسهل سبر أغوارهم. هذا يجعلهم يبوحون بأشياء عن أنفسهم، وبالتالي يكون هذا منبعاً جيداً للكاتب لاختيار شخوص رواياته كلهم من مكان واحد ويظهر كل أنواع الصفات البشرية من خلالهم. وهكذا حقق المحيط المكثف والقوي للحفل الذي أقامته "كلاريسا" في رواية "مسز دالواي"، توقعاتها من الحفل والإثارة التي أنتجها الحفل ما جعل لكلاريسا وعياً أكثر بذاتها وبالآخر.


في الأساس، كان "للحفل" دور في الهيكل الوظيفي للرواية، هذا الدور الذي بدأ يخفت قليلاً عند إعادة الكتابة والتحرير. كانت فكرتي الأولى أن يكون هذا الحفل هو الختام الروحي الصلب للرواية. كان الحفل سيتم رصده من خلال كامل المنزل (يبدأ بالمطبخ حيث مسز كلاريسا ، ثم يصعد رويدا إلى الطابق الأعلى).

كان هذا سيربط ويضفر الأحداث سوياً، ومن ثم ينتهي الحدث على ملاحظات ثلاث، على ثلاثة أماكن مختلفة على سلالم البيت، حيث ثلاثة شخوص من أبطال الرواية كلٌّ سوف يقول شيئاً ما يلخص به موقف كلاريسا، هؤلاء الثلاثة سوف يكونون ريتشارد، وبيتر، وسالي سيتون.


في النهاية فكرت أنه من الأفضل أن تترك كلاريسا الحفل وتصعد شاردةً إلى حيث غرفة نومها كي تتأمل حياتها على نحوٍ أكثر حساسية ووعياً، وبينما تتوجه للحفل ثانية لتنضم إلى ضيوفها، سوف يكون بيتر ولش في انتظارها ليقول:" إنها كلاريسا.... هي التي كانت هناك."



ماذا كانت أهدافك من وراء " مسز دالواي؟



كالعادة، مقاصدي تنبثق بالتدريج مع الوقت أثناء الكتابة. بدأت هذا العمل بكتابة بعض القصص القصيرة، ويبدو أنني تذكرت أنني واصلت الكتابة على نحوٍ ترادفيّ، بمعنى أنني وجدت أن فكرة رواية "مسز دالواي" قد تطورت وتحولت إلى رواية، وكان هذا غير ما اعتدت عليه مطلقاً.


كان من بين هذه القصص واحدة بعنوان "مسز دالواي في شارع بوند". وكانت تبدأ هكذا: "قالت مسز دالواي إنها سوف تشتري القفاز بنفسها. كانت ساعة "بج بن" تدق حين كانت تخطو خارجة إلى الطريق.."


وهكذا ترون أن التفاصيل مهما تغيرت، تظل الفكرة ثابتة هناك. القصة الأصلية انتهت بمشهد السيدة دالواي في المحل تشتري قفازها. البائعة في المحل تقول: "منذ الحرب لم يعد من الممكن الاعتماد على القفازات مطلقاً"، وفجأة يحدث انفجارٌ عنيفٌ في الشارع بالخارج. وبدا واضحاً أن كلاريسا تجاهلت هذا الحدث، واستمرت في الثرثرة مع الشخوص الآخرين في الشارع.


بالتدريج، أخذت في تطوير فكرة أن الحرب العالمية الأولى بوصفها حدثاً مروّعاً صممت الطبقة العليا-الوسطى أن تتجاهله، وبعد برهة قدمت شخصية "سبتيمس" كمعادل موضوعي للسيدة دالواي.


في يوم 14 أكتوبر 1922 كتبت في دفتر مذكراتي، "مسز دالواي تفرّعت إلى كتاب، و أشير هنا إلى دراسة حول الجنون والانتحار: العالم تتم رؤيته بواسطة العقلاء والمجانين جنبا إلى جنب....".


كنت أيضاً أريد أن أنتقد النظام الاجتماعيّ، وأظهر جانبه الأسوأ: الهرم الطبقي التراتبيّ، المتعاليون على طبقاتهم، الجهل بالمرض العقلي، خاصة مرض "صدمة القذيفة" shell shock ، آمل أن ترونني قد نجحت.



كيف كانت ردة فعلك تجاه النقد الذي قال أن "السيدة دالواي" رواية حاولت خلق شيء جذاب من شخصيات غير جذابة ومواقف غير جذابة؟ خاصة عبر تيار الوعي.



حسناً، أتساءل ما إذا كنتم توافقون على هذا الرأي. أنا شخصياً لم أرَ الأمر على هذا النحو مطلقاً.
أفترض أن أحد طرائق الاستجابة والتفاعل مع العمل تكون بتأمل الشخصيات المهمّشة – غير المحورية – ولماذا هم هناك: على سبيل المثال، هل كانت سالي سيتون غير جذابة؟ وإذا كانت هكذا، ماذا أخبرتنا عن كلاريسا؟


وهناك أطباء سبتيمس على سبيل المثال، كانوا مُنْسلخين طبقياً وغير ودودين وأفظاظاً، أي أنهم أناس ربما يكونون مملين في الحياة، غير أنهم في الرواية يشرحون فكرتي حول كيف كان الناس منعزلين (حتى الأطباء) في تلك الآونة عن المرضى العقليين والنفسيين وعن محنة "صدمة القذيفة".


لمدة طويلة كنت قلقةً بشأن مسز دالواي، فكرت أنها ربما تكون كائنا لامعا لكنه خاوٍ، لكنني كنت طامحةً أن تغدو، في نقاط التقائها وتقاطعها مع سيبتمس، كائناً جذاباً، ليس فقط من أجل التناقض والتباين بينهما، ولكن بسبب بعض اللحظات التي كانا فيها يتوافقان ويتقاطعان.


هل نظرتم في مقاطع صفحتي 3 و 75 ( طبعة بنجوين- كلاهما مثالاً على تيار الوعي)، عندما بدا أن كل من كلاريسا وسبتيمس يمتلكان نفس الإيقاع ونفس المعجم؟


ثم ماذا عن بيتر ويلش؟ أحد النقاد كتب أن طريقته حين كان يجلس ويلعب بتلك السكين طوال الوقت بدت شاذة وجديدة وجذابة!
أنتم تدفعوني الآن إلى التفكير في تساؤل ضخم وفاتن: ما الذي يجعل شخصية ما في رواية "شخصية جذابة"؟



يتبع
.
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)