عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
8589
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
10-30-2011, 12:17 AM
المشاركة 1
10-30-2011, 12:17 AM
المشاركة 1
افتراضي القاصة ابتسام شاكوش في روايتها ( الوجه المكسور )
القصة كجنس أدبي وفني موضوع جديد في الأدب العربي وهذه الظاهرة تتجسد في آداب الشعوب، لأن بداياته ترجع إلى القرن التاسع عشر والسنوات التي سبقت السبعينات لم تخل من القصص الفنية الناجحة مع تطور التيارات الأدبية في الآداب العالمية فحاولت القصة والرواية العربية أن تجد لها مكانا" فأخذ كتاب القصة والرواية يجيدون التعامل مع قضايا أمتهم .
وكما أرست قصص الخمسينيات والستينات قواعد قوية للكتاب ، كي يكون بمقدورهم وبذكاء وضمن أيدلوجية معينة التعامل مع طبيعة مضمون قصصهم ، وفي الوقت نفسه بدأوا بالبحث عن أنسب الأشكال والأطر للخروج بقصة ناجحة سائرة جنبا" إلى جنب مع القصة العربية والعالمية .
وهاهي القاصة السورية ابتسام شاكوش تمتشق قلمها الساحر ، ليخط روائع القصص والروايات الهادفة ، تعالج فيها هموم شريحة كبيرة من المسحوقين والمعذبين في المجتمعات العربية، فشخصيتها الريسة تعاني الآلام في الأسرة أو في القرية أو المدينة ، هذه الفئة ألهبها سياط من يملك المال ، وأدماها ظلم الأهل والخلان ، فلا مراعاة لعواطفها ولا قيمة لمشاعرها ، ولا إحساس بوجودها.
والكاتبة ابتسام شاكوش لها يد فنان في تحليل النفوس وتشخيصها بأسلوب عذب سهل ممتع ،وتحسن استخدام عنصر التشويق الذي يشد القارئ ، وتلتحم كل عناصر الرواية في عملها ، لتتشكل حبكة فنية في ثنايا رواياتها وقصصها ؛ فنظفر بمضامين أخلاقية تسمو بالفرد وبالنفس الإنسانية المعذبة ، لنتتبع نتفا من رائعة ابتسام ، والتي بعنوان : الوجه المكسور :
وقبل أن نلج في التفاصيل ، لابد لنا من الوقوف قليلا عند اسم الرواية ، وهو ( الوجه المكسور )، ألا توافقني عزيزي، أن هذا الاسم موح بالألم والعذاب والضنك ؟
لنستمع لها وهي تصف حياة بؤس الشخصية التي تخاطب من أحبت ، لكن عناد الأسرة وتفككها نتيجة للطلاق الذي حصل بين الأم والأب يحرمانها ممن أحبت ، وفي نهاية الأمر تجبر الشخصية بطريقة أو بأخرى على الزواج ممن لا تحب ، فتدب الفوضى ، ويحدث الصراع والفشل المحتوم ؛ لتعيش الشخصية حياة بؤس وألم يسكن القلب ويخيم على المشاعر والأحاسيس.
( ومنذ تلك اللحظة وأنا أعيش في حرم محكمة كبيرة، في حضرة... حضرة من يا حسن؟ حضرة القاضي، كل من حولي قضاة: أعمامي أولادهم، جدّي، جدتي، جيرانهم، كل كبير له الحق أن يكون قاضياً وأنا المتهم المحاصر دائماً بالأدلة، أدلتهم قاطعة، حججهم دامغة، ليس هنالك متسع للدفاع عن النفس، ما علي سوى الاعتراف بذنوب لم أرتكبها ) .
كلمات القصة موحية ، فالشخصية الرئيسة ، تئن من سهام الأسرة ، وسياط المجتمع ، فكأن القاصة فنانة تجيد استخدام الألوان المناسبة ، لتصنع بريشتها قطعة فنية غاية في الدقة والجمال تسر الناظرين .
فقريبها الكهل يحاول استدراجها في دمشق: (إن الإنسان إذا عضه الجوع، تعلل بالصبر، فإن لم يقدر، حاول الحصول على الزاد من أي طريق، قد يسرق، قد يتسول، قد يجد كسرة خبز في القمامة يأكلها فتسد جانباً من حاجته، أما إذا عضته الحاجة إلى الحنان، فمن أين يتسول الحنان؟ ومن ذا الذي يرمي بفضلات عواطفه في القمامة ليلتقطها ذو الحاجة؟ )
والكاتبة تنتقد نفوس كثير من الموظفين ، فالمراجع لا يحظى بمعاملة حسنة غالبا في دوائرهم ، الخمول والكسل يدب في أوصالهم ، ولكن تدب فيهم الهمة والروح عند مراجعة حسناء لهم ، والويل كل الويل ، لمسكينة لم يهبها الله مسحة جمال أو تقدم بها العمر ، فسوف تعاني الأمرين ، ولن تمرّ معاملتها مرور الكرام، ولن تكتمل بسهولة معاملة الموظفين لها أو في تجديد عقد عملها ، والحظوة كل الحظوة للجميلات الموظفات أو المراجعات ، فلهن الاحترام وجمال التقدير وسرعة الترفيع ، وذنبهن مغفور.وأطلقت عليهن الراوية اسم (الهندات ) . ، ونلاحظ سهولة العبارة ، والتصوير الفني ، فلقد شبهت الجوع بإنسان يعض ، وهذه الشخصية تلحّ بإحساس مرهف على شيء ينقصها وقد حُرمت منه ، هي ظمآى للحنان ، والقاصة نجحت في تصوير الشخصية من الداخل ، فنحن أمام رجل ثري يريد أن يشبع رغباته ، كريم في الظاهر عند حاجته ، يسعى لأن يخدش العفاف ويتلذذ به ، بخيل في الواقع ، تتجلى فيه كل معاني الأنانية .
والكاتبة تنتقد شريحة من الرجال ممن تعودوا على طرق باب الفحش باستخدامهم الأساليب التي في ظاهرها رحمة ، وفي باطنها لؤم وفحش وأنانية ، يريدون متعة أنفسهم ، يتظاهرون بالطيبة ، والطيبة منهم براءة.
قريب أمها الكهل عبدو يحاول استغلالها في دمشق ، حاول أول الأمر إيهامها بمساعدته لها في الحصول على وظيفة ، حاول دعوتها للمطعم أو لشراء الملابس لها ،وعندما فشل من ذلك أركبها بمركبة رخيصة وتركها بدون تذكرة.( تلفت حولي للمرة الأخيرة، غاب صندوق جدتي( عم عبدو ) وتركني أعاني القهر والخوف وسط هذا الزحام، طوال عمري أترك وسط الزحام لأضيع وأحتار في البحث عن مخرج، وحين أجده وأعود، لا تفرح عودتي أحدا)
(أقفلت باب غرفتي بالمفتاح واستلقيت على السرير، أصارع الخزي الذي اكتسحني كالعاصفة، هنت وبلغ بي الهوان أن ينظر إلي ذو العين الطافية وكأنني عاهرة، بائعة هوى، أي صنف من البشر أنا؟ لماذا أحيا؟) وتستخدم الكاتبة الكناية ( فكنت بصندوق جدتي عن الكهل عم عبدو وأخذ هذا الكهل بتهديدها بأن بيتها مرهن له وقد انتهت مدة رهنه.. كل هذا من أجل إخضاعها.
(يمن على بسكن البيت الذي يفترض أن أرثه منك، يطلق المزيد من عفاريته, يخيّرني بين العيش في سراديبه المظلمة، عشيقة عاهرة، وبين التشرد ) تعرض عليه الزواج الشريف للخروج من هذا المأزق ويعرض هو عليها العشق والعهر.
وتضطر للذهاب والعيش عند عمتها التي لا تحبّ أحدا، وجدتها العصبية الكذوب تظهر خلاف ما تبطن ،المتباهية بأبنائها ، الأنانية الجامدة في عواطفها..
وتبين الكاتبة سبب انفلات كثير من الفتيات بسبب قسوة الأب والأخ والفقر، وتصف مشاعرهن البائسة بعد كل جولة من الانحراف ، وهي تصور وتبيِّن لنا أن الحرمان وفقدان الحنان في كثير من الأوقات يدفع إلى الانحراف، فتقول: (كان لهؤلاء البنات في شبابهن المنصرم من سيطرة الأب وطغيان الأخ ولسعة الفقر دوافع قوية للانفلات وأنا؟ من يضغط علي؟ لا أحد، من يرحمني ويحيطني برعايته؟ أيضاً لا أحد، من يحبني؟ من يكرهني؟ أيضاً لا أحد، لا قيود تقيدني لأبحث عن.. )
وعندما يأت زائر عند جدتها فمكانها القبو (أهداني جدي من قبره الكثير من الهدايا: جبران والمنفلوطي، أرسين لوبين وآجاثا كريستي، كتب كثيرة في العلوم والدين والطب، مجلات متنوعة المواضيع، صار القبو ينطوي على أسعد أوقاتي، حيث أحلق مع جبران، وأحبس أنفاسي في مغامرات أرسين لوبين، أسرح مع ميخائيل نعيمة أتأرجح بين الرعب والمتعة والخيال، أتخيل نفسي بطلة كل قصة...)
وعندما تئن من قسوة الحياة ولهيب سياط من حولها ، ولؤم تعامل جدتها معها تتذكر والدها وتلوذ إليه بأفكاره، وهنا تلجأ الكاتبة إلى فنية استخدام الحوار الداخلي أو ما يُعرف بالمنولوج الداخلي ، فتقول : ( كم سأحبه لو جاء، سأهديه فرحي بلقائه المرتقب، وأهديه دموعي، تعال يا أبي، كن رحيماً بي، كن قاسياً اضربني، اشتمني، أدبني، أفرغ على رأسي كل ما يعتريك من ضغوط الحياة، كن أبا لي يا أبي، أنا لا أصدق ما تقوله عنك أمي وأمها....)
والكاتبة رومانسية في تفكيرها تعشق القرية التي كرهتها والدتها وتصف جمود المدينة :( في القرية ما عدت أحتاج النسك والصوامع، ألفت الحياة الاجتماعية بكل أبعادها، ببساطة أهلها وحميمية علاقاتهم، الكل يلقي السلام، الكل يتعاون في أعمال الحقول، يهدي بعضهم بعضاً من نتاج كرومهم بلا تكلف ولا منة،...)
وأحيانا تلوذ الكاتبة إلى الرمزية عندما تنتقد الجيوش العربية وعجزها ، فهاهي تقارن بين العم ناجي الذي عفا عن سائق قطعت سيارته خط الهاتف وبين أعمالها الناجحة في تزيين وتجميل بيت جدتها بأنواع الورد والرياحين ومساعدتها للمزارعين وقراءتها الذاتية...فتقول: (استمع إليه، أقارن بين نصره الوحيد، وانتصاراتي المتتالية في يومي كله....).