عرض مشاركة واحدة
قديم 09-12-2017, 01:11 PM
المشاركة 237
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مقادير وصفة النجاح
حمل حقيبته عائدا من المدرسة ، و كأنه يحمل كومة من الصخور الثقيلة ... لم يكن ذلك ثقل كتبه المدرسية ، بل حزن ألمّ به و أثقل كاهله . هو صغير على حمل الهموم . لكن هموم الصغار هي الدراسة ؛ فتراجع درجاته يشكل عائق بينه وبين المرح... ولا يجد حل لذلك .
اتجه إلى فرن والده علّه يحصل على طعام يسكت به جوعه قبل موعد الغداء ، فلا يزال أمامه ساعة كاملة ...دخل إلى حجرة الخبز حيث يعمل والده . ألقى حقيبته بيأس وجلس على الأرض . نظر إليه والده متعجبا من حاله فقال الولد :أبي ، هل تسمح أن أنضم إليك في العمل ؟ لا رغبة لي في العودة الى المدرسة مجددا.
الوالد : لك ما تريد … قم و ساعدني في الخبز . لدينا طلبية علينا تحضيرها .
قام الولد بتثاقل ، غسل يديه وارتدى قفازين ليبدأ العمل … صنع الوالد العجين وأعطى ولده نصف الخبز بينما هو يخبز النصف الآخر .
الوالد :لماذا لا تريد الذهاب الى المدرسة ؟
الولد : إن التعليم لا يلائمني .
الوالد : وكيف قررت ذلك ؟!
الولد : منذ عدة سنوات و أنا أحصل على نتائج متدنية في الاختبارات ، مع اني لا أكف عن المحاولة . مستوى ذكائي متدنٍ جدا .
الوالد : ماذا عن رفاقك في الصف ؟
الولد : يتفوقون في الدراية ، أغلب الطلاب يحصلون على درجات جيدة ، الأمر ليس أني لا أدرس … بل يبدو لي أنني محدود الذكاء ؛ لن أتعلم أبدا.
الوالد : وهل تجيد الخبز ؟
الولد : سأتعلم بسرعة .
الوالد : ها قد عدنا للتعلم مجددا .
الولد : أنت تفهم قصدي ، الدراسة تختلف عن الخبز ؛ هي تتحدث عن العلوم .
الوالد: هل تجد الخبز لعبة ؟ أن الخبيز مبني على أسس علمية دقيقة . خطأ واحد يفسد الوصفة … سأخبرك بقصة لكن، أخرج اخبز من الفرن أولا.
أخرج الفتى الخبز الذي صنعه والده ، فكان منتفخا ورائحته زكية ، أما الخبز الي صنعه هو فكان سيء الصنع محترق الجوانب.
وضع الوالد الخبز الذي صنعه ابنه في كيس خاص للخبز التالف وقال : حين كنت في العاشرة من عمري انضممت الى طاقم الخبز في فرن أبي ، كان ذلك يومي الأول شرح لي والدي اساليب الخبز المختلفة .. وعدد لي مقادير كثيرة ، لكني لم أهتم بكل ذلك الشرح المطول ؛ لأنني كنت أنتظر بدأ العمل ، وسرعان ما سلمني العمل .
رحت أخلط المواد دون النظر الى المقادير ، وبسرعة أدخلت الخبز الى الفرن ...ثم بعد قليل أخرجه أبي و ألقى به الى الطيور … لقد كان قاسيا حتى على الطيور لدرجة أنه اضطر لوضعه في الماء حتى يتمكن الطير من أكله.
أعدت الكرة مرارا وتكرارا وفي كل مرة كان يلقيها الى الطيور، كنت حزينا وظننت أنني لن أتعلم أبدا، لكني أردت التعلم بشدة ؛ فعدت أتفقد الوصفة و رجعت للعمل مرة تلو الأخرى وصرت أتخطى الأخطاء في كل محاولة .

يومها تجمع أمام الفرن عدد مهول من الطيور لم أكن قد رأيت مثله من قبل. أستمر الأمر حتى أخر الليل حين أخرج أبي أخر تجربة لي … لكنه قام بشيء مختلف ؛ فبدل أن يرميها للطيور ،قام بقسمها الى عدة أقسام صغيرة ، وأعطى كل خباز قطعة … لم أنل منها ما كان مساوٍ لجهدي ، لكني سعدت بها أكثر من أي شيء آخر ، بدت لي و كأنها قطعة حلوى فاخرة . فقد أثنى الجميع علي ، شعرت بحلاوة النجاح … ذلك لأنني أردت أن أجيد الخبز مثل أبي .
انظر الى الخبز الذي صنعته أنت ، هو لا يصلح سوى طعاما للطيور لكنني لن ألقيه خارجا حتى لا يجتمع الطير أمام المخبز .ما أعنيه يا صغيري أن عليك المحاولة و عدم اليأس.
الولد: انا لا أستطيع ، حاولت كثيرا دون جدوى .
الوالد : أنت تستطيع لكنك لا تريد إذا أردت شيء فستحصل عليه مهما كان الأمر صعبا … لا يوجد لشخص خارق الذكاء و آخر محدود الذكاء. لقد خلق الله اليشر و منحهم عقلا ، وعلى الإنسان أن يجيد استخدامه .
الولد : هناك من هو عبقري في الرياضيات وآخر في العلوم انهم موهوبون ، أنا لست كذلك.
الوالد: لكل انسان شيء يبرع به ، لكن عليه أن يبحث عنه … هل سمعت بالطبيب الأديب أو عن المهندس الذي يبرع بالكيمياء .
الولد : لا يمكن لمهنس أن يعمل ككيميائي .
الوالد : بل يمكن ، إن أراد ذلك قد يتمكن الإنسان من اتقان الكثير من المهن … بل ويمكنه التفوق على الموهوبين . قد يفشل الموهوب لانه لم يسقل موهبته .. لن تبدأ بالنجاح إلا حين تريد ذلك ولن تفشل أيضا إلا إذا أردت الفشل . ابحث عن حلمك ولا تدع الأفكار السلبية تسيطر عليك ، فقد أمرنا ديننا بالتفائل … وتذكر أن الفشل هو أول خطوة نحو النجاح ...لم تقل لي ...متى اختبارك القادم؟
الولد : يوم الأحد .
الوالد : وهل استعددت لتكون الأول؟
ابتسم الولد وخرج مسرعا ليعود الى منزله … وكأنه طائر صغير يستجمع قواه ليحلق في السماء باحثا عن حلمه.