عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2012, 11:37 AM
المشاركة 11
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:100%;background-color:black;border:3px solid crimson;"]
لعل من أشهر قصائد اليدالي قصيدته المادحة الموسومة "بصلاة ربي"، وهي "قصيدة فريدة أو تكاد" كما يقول أحمد ولد حبيب الله. يقول صاحبها عن مناسبتها أو سبب نظمها: "... سبب إنشائي هذه القصيدة أني مررت يوما وأنا على جناح بعض الأسفار ببعض أرباب الملاهي والأوتار يردد نغما من الألحان المطربة الملحونة، وفنا من الأغاني الحسانية الموزونة، فشغفت بذلك الفن، وطن في أذنى ما طن، واستحسنت أن أمدحه عليه الصلاة والسلام بقصيدة عربية على أسلوب تلك الأنغام، فنسجت على منوالها وحذوت على مثالها..." ويقول عن وزنها البحري: "... وزن هذه القصيدة ليس من أوزان البحور الستة عشر بزيادة المتدارك. إلا أن أشبه البحور بها مشطور مخلع البسيط([25])". وقد شرح اليدالي قصيدته هذه في كتابٍ مستقل أسْماه (المربي على صلاة ربي). وبذلك يغدو اليدالي مبدع النص وشارحه في الوقت ذاته.
إن (المربى) – كما يقول أحد الباحثين – نص نقدي بلاغي تطبيقي تعمد فيه صاحبه أن يركز – في المقام الأول- على دراسة الوجوه البلاغية التي تضمنتها القصيدة – قيد الشرح -، وأن "يكشف القناع عن محاسنها، ويبرز بعض أسرارها المتحجبة من أماكنها، ويفصح عن بعض بلاغتها، ويعرب عن بعض أنواع براعتها، ويجلو عرائس أبكارها، ويظهر مخبآت أسرارها". ويعزى السبب في توجه النقد إلى الجانب البلاغي للقصيدة أساسا إلى كونها قد اشتملت – كما يقول اليدالي نفسه – على "ألفاظ رقيقة، ومعان دقيقة، ونكت أدبية، ولطائف بيانية، ودرر من البديع مكنونة، وجواهر منه عن أيدي الإسفاف مصونة..." والنص حافل بالجناس بشتى ألوانه والسجع والترديد والطباق وغيرها من الحذلقات اللفظية والمعنوية.
ويعد (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط) للعلامة أحمد بن الأمين الشنقيطي الكتاب الذي ضم بين دفتيه جل النقد التطبيقي الموريتاني. وهو، فضلا عن كونه كتاب تراجم أدبية، يضم ثروة مهمة من أدب موريتانيا القديم.
لقد اعتمد الشنقيطي جملة من المقاييس النقدية في تأليف وسيطه، وفي نقده الأشعار. إذ إنه يحتفل – أولا وقبل كل شيء – بسلامة القريض من اللحن والخطإ اللغوي، ويعتني بضبطه بالشكل التام وشرح ما غمض فيه من ألفاظ. وتختلف طريقته في شرح الأشعار المنتقاة، ففي بعض الأحيان يكتفي بضبط بعض الكلمات وتفسيرها، وهذا ما نلمسه في تعامله مع قصائد عبد الله بن رازكه العلوي، وإن كانت تحتوي كثيرا من الغريب اللغوي. وفي بعض الأحايين يشرح القصيدة شرحا مفصلا، فيقف عند أبياتها بيتا بيتا شارحا إياها شرحا لغويا دقيقا، يكاد يتناول كل كلمة من كلماتها. وهذا ما نلحظه في كيفية تعامله مع أكثر قصيد امحمد بن الطلبه اليعقوبي.
ويبدو الشنقيطي دائما وكأنه في موقف دفاع عن شعراء وسيطه، ولعل ذلك راجع إلى السبب الذي كان وراء تصنيف الوسيط. فالشنقيطي ألف كتابه هذا من أجل إثبات وجود أدب اسمه "الأدب الموريتاني"، ومن أجل إبراز مكانته السامقة التي طالما تجاهلها الآخرون. وهذا السبب نفسه هو الذي قاد العلامة عبد الله كنون الحسني (ت 1989م) إلى تأليف نبوغه، حيث إنه رام من ورائه إثبات وجود أدب مغربي، والوقوف في وجه دارسي المشرق الذين كانوا ينظرون إلى الأدب المغاربي بعامة نظرة دونية غير منصفة.
والذي يتصفح الوسيط، يجد أن صاحبه قد اهتم بالموازنة أو المفاضلة بين الشعراء. يقول الشنقيطي عن محمد بن محمود الملقب "بأُبدّه العلوي": "وهو قليل الشعر... وأكثر الناس يفضّل الأحول عليه، وبعضهم يعكس. ولكل وجه؛ لأن الأحول كان أرق ألفاظا، وهذا أقوى تركيبا منه كما وقع للناس في جرير والفرزدق...([26])" ففي هذا النص موازنة بين الشاعرين محمد بن محمود (أبده العلوي) وأحمد بن عبد الله (الأحول الحسني)، وإشارة بارزة إلى أن لكل واحد منهما مجالا يتفوق فيه على نظيره، وفيه إشارة أخراة إلى اختلاف الناس في تفضيل أحدهما على الآخر. ومن الأمثلة التي تندرج في هذا الإطار كذلك قول الشنقيطي عن امحمد بن الطلبه: "... فاق أقرانه في العلم والكرم وجودة الشعر... ولا تكاد تعد طبقة إلا بدأت به أولها: إذا عد الكرام فهو حاتمهم، أو العلماء اللغويون فما هو بدون ابن سيده. وكل أخباره تكتب بالذهب."([27]) فالنص – إذاً – يقارن بين ابن الطلبه وأقرانه من زوايا ثلاث، ويثبت التفوق لابن الطلبه.
ولصاحب (الوسيط) عبارات نقدية يصف بها أحيانا بعض مختاراته الشعرية كقوله في حق الشاعر سيدي محمد بن الشيخ سيدي: " من دقيق شعره قوله: (البسيط التام).
رفقا بنا يا ذوات الأعين النجل ينال بالرفق ما بالعنف لم ينل
نحن العبيد الأُلَى أنتن سادتهم فارْعَيْن فينا وصاة الله بالخول
واحذرن مما نهى عنه المهيمن من تكليفنا غير مسطاع من العمل"
([28])
[/tabletext]