عرض مشاركة واحدة
قديم 10-02-2010, 01:31 PM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
(2)
المدركة بالفكرة ففتق الألسنة بضروب من اللفظ المحسوس ليكون رسماً لما تصور وهجس من ذلك في النفوس فعلمنا بذلك أن اللغة اضطرارية وإن كانت موضوعات ألفاظها اختياريةً فإن الواضع الأول المسمى للأقل جزأً وللأكثر كلاً وللون الذي يفرق شعاع البصر فيبثه وينشره بياضاً وللذي يقبضه فيضمه ويحصره سواداً لو قلب هذه التسمية فسمى الجزء كلاً والكل جزأً والبياض سواداً والسواد بياضاً لم يخل بموضوع ولا أوحش أسماعنا من مسموع ونحن مع ذلك لا نجد بداً من تسمية جميع الأشياء لتحتاز بأسمائها وينماز بعضها من بعض بأجراسها وأصدائها كما تباينت أول وهلة بطباعها وتخالفت قبل ذلك بصورها وأوضاعها ونعما ما سددت الحكماء إليه في ذلك من دقيق الحكمة ولطيف النظر والصنعة لما حرصوا عليه من الإيضاح وأغذوا إليه من إيثار الإبانة والإفصاح.
فأما التي تدل على كميتين مختلفتين منفصلتين أو متصلتين كالبَشَر الذي يقع على العدد القليل والكثير والجَلَلِ الذي يقع على العظيم والصغير واللفظة التي تدل على كيفيتين متضادتين كالنَّهل الواقع على العطش والرّيّ واللفظة الدالة على كيفيات مختلفة كالجَونِ الواقع على السواد والبياض والحمرة وكالسُّدفة المقولة على الظلمة والنور وما بينهما من الاختلاط فسآتي على جميعها مستقصىً في فصل الأضداد من هذا الكتاب مثبتاً غير جاحد ومضطراً إلى الإقرار به على كل ناف معاند ومُبَرِئاً للحكماء المتواطئين على اللغة أو الملهمين إليها من التفريط ومنزهاً لهم عن رأي من وسمهم في ذلك بالذهاب إلى الإلباس والتخليط.
وكذلك أقول على الأسماء المترادفة التي لا يَتَكثّر بها نوع ولا يَحدُثُ عن كثرتها طبع كقولنا في الحجارة حَجَرٌ وصفاةٌ ونَقلةٌ وفي الطويل طويل وسَلِبٌ وشَرحَبٌ وعلى الأسماء المشتركة التي تقع على عدة أنواع كالعين المقولة على حاسة البصر وعلى نفس الشيء وعلى الرَّبيئةِ وعلى جوهر الذهب وعلى ينبوع الماء وعلى المطر الدائم وعلى حر المتاع وعلى حقيقة القبلة وغير ذلك من الأنواع المقولة عليها هذه اللفظة ومثل هذا الاسم مشتَرَكٌ كثيرٌ وكل ذلك ستراه واضحاً أمره مُبيَّناً عُذَرهُ في موضعه إن شاء الله.
وقد اختلفوا في اللغة أََمُتواطَأ عليها أم مُلهَمٌ إليها وهذا موضع يُحتاج إلى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تَواضُعٌ واصطلاح لا وحي ولا توقيف إلا أن أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان الفارسي النحوي قال هي من عند الله واحتَجَّ بقوله سبحانه وعَلَّمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّها وهذا ليس باحتجاجٍ قاطعٍ وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله أقدر آدم على أن واضَعَ عليها وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة فإذا كان ذلك محتملاً غير مستنكر سقط الاستدلال به وعلى أنه قد فسر هذا بأن قيل إن الله عز وجل عَلَّمَ آدمَ أسماءَ جميعِ المخلوقاتِ بجميع اللغات العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم صلى الله عليه وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحلَّ عنه ما سواها لبعدهم بها وإذا الخبر الصحيح قد ورد بهذا فقد وجب تلقيه باعتقاده والانطواءِ على القول به.
فإن قيل فاللغة فيها أسماءٌ وأفعالٌ وحروفٌ وليس يجوز أن يكون المُعَلِّمُ من ذلك الأسماءَ دون هذين النوعين الباقيين فكيف خصَّ الأسماءَ وحدها قيل اعتمد ذلك من حيث كانت