عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2014, 06:31 PM
المشاركة 1257
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 71- سابع أيام الخلق عبد الخالق الركابي العراق

- يمتاز المنجز الابداعي للروائي عبد الخالق الركابي بميزتين أساسيتين، هما: التنوع والغزارة.
- فهو منذ صدور مجموعته الشعرية الاولى (موت بين البحر والصحراء)، تواصل في نتاجه الأدبي ورفد المكتبة العربية بالعديد من الاعمال الأدبية، بل زاد في ذلك من خلال انتقاله في مختبره الابداعي بين الأنماط الأدبية من قصة قصيرة ورواية ومسرحية. إضافة الى نصوص قصصية منفردة ولقاءات صحفية عبر فيها عن رؤياه الجمالية في منجزه و في غيره.

- غير ان ما يلفت النظر في ذلك المنجز على تنوعه. ان الركابي لم يكن به ميلاً الى تكرار الانتاج في نمط واحد يقدم فيه عملاً سوى الرواية. فقد اصدر مجموعة شعرية واحدة، آنفة الذكر، وهي البكر في إنتاجه الأدبي، ومجموعة قصصية واحدة هي (حائط البنادق) . ومسرحية (البيزار) التي كرر في نمطها مسرحية (نهارات الليالي الالف). في حين اصدر روايات عدة هي على التوالي: (نافذة بسعة الحلم)، (من يفتح باب الطلسم)، (مكابدات عبد الله العاشق)، (الراووق)، (قبل ان يحلق الباشق)، (سابع أيام الخلق), التي تعد من بين اعماله الروائيه الاكثر تميزا، و (اطراس الكلام) واخيرا (سفر السرمدية) التي نشرت على حلقات في إحدى الصحف. مما يؤكد ميله الى استخدام الرواية اداة تعبير يحقق من خلالها قدرة القول ويفصح عن رؤياه الجمالية عبر تقنيات كتابتها.

- وقد استثمر في ذلك التنوع بين الانماط، تنوع آخر في أساليب كتابتها، بين المستل من عمق التراث، وبين المستحدث على وفق أخر التطورات التقنية في فن الكتابات السردية.

- اعتمد الركابي في تلك الاعمال جميعها التعبير عن البيئة العراقية على المستويين المحلي والوطني. كانت من بينها الاعمال الروائية الثلاث (الراووق)، (قبل ان يحلق الباشق)، (سابع أيام الخلق). التي اعتمدت ومثل ما اعتمدت سابقاتها وفي إطارها الجغرافي على البيئة المحلية نفسها.

- وتحديداً منطقة طفولته وصباه، غير انها إتصلت مع بعضها عبر وشائج تحاول بها ان تحيل القارئ الى أماكن أكثر اتساعاً والى زمن اكبر مما استغرقه فعلا . فأصبحت بذلك أعماله ترتبط بتاريخ واسع لجغرافية محددة قابلة للانفتاح.

- إن المنجز الابداعي آنف الذكر للركابي على المستويين الكمي والنوعي. خلق له حضورا في الواقع الثقافي العراقي تحديداً. وان لم يكن ذلك الحضور واضح على المستوى العربي. لاسباب لا يمكن عدها ثقافية. فهو صوت مهم من بين الأصوات العربية التي قدمت تجربتها الجمالية عبر الكتابة الروائية. وقد كانت روايته (سابع أيام للخلق) إضافة نوعية مهمة للرواية العربية والعراقية معا.

- ذلك لما تمتاز به من خصائص فنية على مستوى البناء والسرد فيها، والذي قال عنها في حوار معه في مجلة الموقف الثقافي (العدد السادس لسنة 1998 ص 108): ((سبق لي ان كتبت روايات محدودة الطموح، لكن الأمر يختلف مع روايتي الأخيرة - سبع أيام للخلق - فهي تمثل النقطة الأساسية في نتاجي الروائي)).

- وكذلك استثمارها جملة من المعارف لا تمت بصلة مباشرة الى هذا النمط الابداعي من بينها الأسانيد التراثية والمعارف الصوفية، وتحديداً نظرية وحدة الوجود، مما جعلها لا تُعد – من وجهة نظرنا – جزءاً من ثلاثية او امتداداً لها، أصبحت نتيجة لتلك الخصائص نصاً مكتفياً بذاته من دون إحالات الى ما سبقها من عملين روائيين (الراووق) و (قبل ان يحلق الباشق) وان تشابه الموضوع بينهما.

- فالرواية على الرغم مما تشيعه من فوضى ظاهرية أشار إليها المؤلف في المتن الروائي، غير انها خضعت لبناء فني دقيق يكاد يضيع في تلك الفوضى الظاهرية على القارئ غير المتمرس، وجعل من إمكانية الوصول الى معرفة تلك الدقة يتطلب القراءة المتأنية لغرض الوصول الى معرفة ما تقوله وحاولت البوح به . وهو ما حاولنا القيام به.

- ان تفحص اثر الزمن في خلق البنية الدلالية في الرواية، لكي لا يكتفي بما يوفره التنظير من إمكانية خلق رؤيا قد تقترب من رؤيا الخطاب الفلسفي في موضوعة الزمن التي يشوبها التناقض والاضطراب فيه، جنح الى اختيار إنموذج روائي يحقق لنا إمكانية تتبع ذلك الأثر، فكان اختيارنا لرواية (سابع أيام الخلق) للروائي (عبد الخالق الركابي) لجملة أسباب من بينها:

- تنوع مستويات السرد فيها، بين سرد سابق عل تشكل المتن الحكائي، وسرد لاحق عليه، وسرد متزامن معه، كان لها الأثر الواضح في خلق قيم دلالية عبر تشكل البنى التي توختها، معبرة بذلك عن رؤية المؤلف للوصول الى غايات تم تحديدها في محلها من الدراسة.

- كذلك استثمارها جملة معارف تراثية موغلة في القدم، كانت تؤدي في الأصل الذي وجدت فيه وظائف معرفية مختلفة عن الوظائف التي أدتها في النمط الابداعي الذي استثمرت فيه.

- من بينها أساليب الاسناد التراثية، ونظرية وحدة الوجود الصوفية، كان استثمارها قد أدى بها الى خلق وظائف دلالية جديدة عبر البنى التي شكلها السرد بأزمانه المتعددة في الرواية.

- كذلك استثمار ما عرف بتاريخ التوثيق المعرفي العربي (بعلم الرجال) الذي تطلبته فترة توثيق السنة النبوية الشريفة، والذي عد التوثق من صدق الرواة يتطلب إخضاعهم الى ضوابط سلوكية دقيقة على ضوئها يمكن الاعتداد بروايتهم او اهمالها.

- وهو معيار حاولنا استثمار بعض من خواصه، من بين وسائل عدة، وإخضاع رواية السيرة المطلقية في الرواية اليه، للوصول الى قناعات بصحة المروي، او الكشف عن أهداف أُخر عبر اصطناع تلك الصحة، حاول الروائي الوصول إليها او إقناعنا بها .

- ان معاينة اثر الزمن المفترض في خلق البنية الدلالية في رواية (سابع أيام الخلق). فصل مجتزأ من مخطوطة أوسع نشر منها فصل واحد بعنوان (المخطوطة في رواية سابع أيام الخلق) في العدد الثالث لسنة 2000 من مجلة الأقلام.

- تناول الزمن التأريخي في الرواية، وهو على ارتباط مباشر بموضوعة السرد التي يتناولها هذا البحث، لذا اقتضى التنويه للراغب في الاستزادة

- شكل الزمن منذ بدء الوعي به إحدى المعاضل العصية على الحل، فهو لا يأبه بالافراد او بالمجتمعات، وسيره حثيث باتجاه مغاير لسلوك الاشياء، فكان تقسيمه الى زمن اللحظة المعاشة وزمن اللحظة التي غادرت لتوها وزمن لحظة اتية، فكانت (الان) نقطة تماس تلك اللحظات، وبتراكمها حين تنصرم تخلق تاريخ الأشياء الذي اتفق عليه عرفاً انه (الماضي)، والذي يمثل التيار المعاكس لخط سيرنا الذي يمخر عباب الزمن الآتي (المستقبل) مستفيدا من لحظة التماس بينهما وهو (الحاضر). وبذلك يتشكل وعينا بالزمن عبر تقسيمه وإيجاد وسائل اصطلاحية تساعدنا على فهمه ومن ثم إدراكه، ليخلق ذلك الفهم والإدراك الوعي به.

- غير ان ذلك الوعي، الذي يخلق الرؤية المتشكلة به وبالأشياء التي تتحرك فيه، أسير وعي جمعي في جانب منه خلقه التراكم الكمي والنوعي لاحتمال الصواب والخطأ في فهمه. واسير وعي فردي يخلقه التأمل فيه ثانيا.

- فكان تنوع الرؤى وتناقضها في فهمه غير قادرة على حرث أرضه، فتركت برغم المحاولات الكثيرة، من دون اطمئنان من إمكانية استنبات أفكارنا فيه لتثمر يقينا، يدفع بنا بعيدا عن شك احتمال الصواب والخطأ. فكان الزمن بذلك أرضا بكر يصلح دوما لادعاء إمكانية إعلان ابتكاراتنا فيه من دون ادعاء الريادة في ذلك. وهو ما دفع (بالقديس او غسطين) للقول : ((...... ان لم يسألني أحدا عنه، اعرفه. اما ان اشرحه فلا استطيع)) (1).فكانت سهولة النظر فيه مغرية لولوج عالم عصي على الإمساك، عل العود يكون احمد بما يشفي الغليل من ظمأ سكن الوعي الفردي والجمعي منذ بدء تشكيل ذلك الوعي.

- فقد ذهب (ارسطو) الى تحديد معنى الزمن عبر تحديد أجزاؤه بقوله: ((ان الأجزاء التي يتألف منها الزمان : أحدها كان ولم يعد بعد موجدا، والثاني لم يأتي بعد. والثالث لا يمكن الامساك به، فأجزاؤه اعدام ثلاثة))(2). ينتهي الى ان الزمن يستحيل ان يشارك بالوجود لاتصافه بالعدم. غير ان اثره يرتبط جليا حين يرتبط بالحركة ويكون بالامكان معرفة ماهيته. ذلك التصور الذي يتفق مع فلسفة العلوم وان اختلف معها في طبيعة تلك الحركة، حيث ذهبت النظرية النسبية، التي شكلت الأثر الأكبر في خلق التصور الفكري عن الزمن في فلسفة العلوم الحديثة الى انه ((... لا مكان للقول بالزمان المطلق لان الزمان يختلف من نظام مرجعي الى آخر، تبعا لكون هذا النظام المرجعي يتحرك بسرعة دنيا او سرعة تصل او تقترب من السرعة القصوى التي هي سرعة الضوء))(3) فكان الزمن قد فقد ماهيته من دون ان يرتبط بحركة، غير ان فلسفة العلوم تؤكد ان الحركة بذاتها متغيرة وعلى ضوء تغيرها يتغير الزمن كذلك. وهو ما يناقض رؤيا (بروكسن) عنه حيث ذهب الى ((ان الواقع الحقيقي للزمن يكمن في الديمومة. اما اللحظة فليست الا تجريداً لا واقع له .. فاللحظة تقطيع خاطئ للزمن ... فالديمومة تدرك في وحدتها التي لا تقبل الانقسام))(4).

- بين ديمومة الزمن على وفق رؤية (بروكسن)، وعده عدم لا يشارك في الوجود على وفق رؤية (ارسطو)، تنوعت الآراء بين المنجذب الى هذا والمفترق عنه. فكان (روبنل) من بين الأصوات التي تتناقض في رؤياها للزمن مع (بروكسن) ولا تتفق بالمقابل مع النظرية النسبية في فهمها له. حيث يعد (روبنل) الزمن ((... يكمن في اللحظة، والديمومة تركيب لاواقع له .. ان حقيقة الزمن تصبح اذن مركزة في الحاضر الذي يفهم الماضي انطلاقا منه ..))(5). وهو ما يتفق به مع (باشلار) الذي يذهب الى ان ((ليس للزمان الا واقع هو اللحظة. فالزمان واقع محصور في اللحظة ومعلق بين عدمين. يستطيع الواقع دون شك ان يتجدد. ولكن عليه قبل ذلك ان يموت فهو لا يستطيع ان ينقل كينونته من لحظة الى آخرى لكي يكون من ذلك ديمومته))(6). ذلك الرأي الذي يتفق معه (القديس او غسطين) الذي قال فيما سبق ((اما ان اشرحه فلا استطيع)). فهو في محل آخر يشرحه بظن الوضوح نافيا تقسيم الزمن الى ماض وحاضر ومستقبل، بل يعده ((... جزء واحد من الحاضر، والصحيح ان يقال ثلاثة أقسام، حاضر لأشياء مضت، وحاضر لأشياء حاضرة، وحاضر لأشياء ستأتي))(7).

- مما تقدم يتضح حجم الاضطراب في الرؤى الفلسفية التي حاولت معرفة ماهية الزمن، فهي بين ان تعده مطلقا، وبين ان تربطه بالحركة، وبين ان تعده لحظة الحاضر حسب. وان كنا اهملنا عن عمد التسلسل التاريخي لاعتقادنا ان سيادة او شيوع مفهوم فلسفي معين، لا يمنع من وجود مفاهيم أخر على الضد منه في الفترة نفسها، وكان هدفنا من ذلك بيان هذا الاضطراب والتعارض في فهمه.

- فاذا كان الزمن في الخطاب الفلسفي يشوبه الاضطراب والتناقض فأنه في الخطاب الأدبي يمتلك إمكانية اكبر على تجسيد تلك الرؤى. ومن ثم يكون التوظيف لهذا المفهوم، وان خضع في الأصل للرؤيا الفلسفية لمنتج الخطاب، تحكمه عوامل مختلفة عن تلك التي تحكمه في الخطاب الفلسفي، حيث ((هناك بعدان في كل عمل فني: بعد اجتماعي (منطلق من الواقع المعاش). وبعد فردي (منطلق من خيال الفنان)..))(8).

- واذا كانت ((... قابليتنا للتخيل هي قابليتنا لنتذكر ما خبرناه مسبقا ونطبقه على موقف مختلف))(9).

- فأن خيالنا نفسه يتحول الى ضرب من ضروب التفاعل مع الزمن، او ان الزمن يمثل جانبه الحيوي. لذا فأن الزمن في الخطاب الأدبي، وان تنوعت الأساليب في استخدامه، لا يمكن اغفاله او استبعاده من العوامل المؤثرة. فالخطاب الادبي نفسه لا يمكن ان يمتلك فاعليته الحقيقية في التأثير ان لم يكن قد ارتبط بزمن سواء كان ذلك الزمن تاريخياً ام مفترضاً ام وهمياً ام نفسياً، ففي جميع الأحوال لا بد للخطاب الأدبي ان يرتبط بزمن وان كان على درجة متفاوتة من الظهور والفعالية. ففي حين يمثل الزمن الاطار العام الذي تنمو فيه الاحداث سواء في علاقتها السببية، كما في (الحبكة) والتي تشكل لنا في النهاية شكل العمل الروائي. ام في علاقتها الزمنية التعاقبية، كما في (القصة)، فأن تلك العلاقات يشكلها الزمن اولا، ثم تكون لأدوات الفنان الخلاق قدرة تشكيلها بالطريقة التي يعدها مؤثرة في خلق قناعتنا او تغيرها او توكيدها. فاذا كان ((الأدب موجود في الزمن وخارجه معا..))(10).

-على وفق رأي (هوجارت)، غير ان الادب لا يمكن على وفق هذه الرؤيا، ان يفهم انه خارج الزمن حقيقة، بل في زمن غير قابل للتحديد، او زمن يستغرق مدى اوسع ((يكاد يكون مستحيلا))(11).

- وبهذا فلا يمكن تصور وجود ادب خارج الزمن بل لا يمكن ان يكون هناك نشاط نعيه ما لم نربطه بزمن، وان تنوع بين زمن خارجي او زمن داخلي، او زمن واقعي، او زمن تخيلي، شأنه في ذلك شأن الخيال العصي على الامساك. فالزمن على وفق رأي (ستايجر) يمثل ((.. توقا داخليا وهو توترا، وهو القاعدة الهامة التي تدعم تركيبة العمل الفني))(12).

- وتخلق ابعاده المراد عبرها نقل ما يود الخطاب الادبي ايصاله الى الآخر، في محاولة الاجابة عن سؤال، او تحفيزا لاثارة سؤال، فيكون بذلك الزمن وتبعاً لاساليب الاستثمار، متنوع التأثير كما هو متعدد الاستثمار. ففي حين يمثل العنصر الاساسي في الاعمال السردية عموما ومن بينها الاعمال الروائية، نظرا لوظيفته في (الحبكة) و (القصة) معا، فان الذاكرة في الاعمال الشعرية تشكل ((... ملكة الشعر لأن الخيال نفسه يعد ترويضا للذاكرة))(13).

- والذاكرة نفسها تعد في جانبها الاساسي تفاعلا مع الزمن. بل ان الخطاب الادبي عموما، حيث يمثل في جانب منه وضع المتلقي في موضع منتجه. فأن ذلك يتطلب من المتلقي بالمقابل ان يضع نفسه ((مكان البطل .. ان يوضع في زمنه))(14).

- وبذلك يكون الزمن، عنصرا، لكي يحقق كامل فاعلية الخطاب الادبي، يجب ان يكون مشتركا بين المتلقي والمنتج معا للوصول الى ذلك التأثير.